- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
في شارع الحمرا ١-٣
في مطار القاهرة وأثناء فترة الانتظار قبل صعود الطائرة، رأيت سيدة تبدو عليها الأناقة وترتدي نظارة ضخمة تخفي نصف وجهها، تلعب في هاتفها المحمول متشاغلة عما حولها، لوهلة شعرت أنني سبق ورأيتها قبل ذلك، لكن أين لا أدري، ثم انشغلت أنا أيضا بمتابعة الأخبار على تويتر، حتى حان وقت صعود الطائرة، ووجدتها تجلس بجانبي، وخلعت نظارتها فعرفت من هي، كانت الفنانة آصالة، والحقيقة أنا من المعجبين بصوتها ولها أغاني محددة أحبها لأن زوجتي تحبها جدا، سلمت عليها محييا، وأردت مجاملتها فقلت لها: عندما يؤرخ للغناء العربي، سيذكر تحت عنوان الصوت النسائي، ثلاثة أسماء فقط، أم كلثوم وفيروز وآصالة والباقي مجرد تفاصيل، ضحكت بصوت مجلجل وشكرتني جدا عن هذه المجاملة، ثم تركتها وشأنها وأخذت أقرأ في رواية كائن لا تحتمل خفته لميلان كونديرا، واستغرقت في القراءة، بعد ساعة في الجو تقريبا وصلنا مطار رفيق الحريري، وتمت الإجراءات سريعا، وخرجت من المطار لأجد سيارة في انتظاري، نقلتني إلى فندق كراون بلازا في الحمرا، في الفندق استقبلتني فتاة جميلة وعرضت علي برنامج الزيارة، شكرتها وطلبت منها عناوين وأرقام الهواتف لبعض من المعالم السياحية والمراكز البحثية ودور النشر التي أرغب في زيارتها، صعدت إلى غرفتي كانت الساعة تقترب من العاشرة صباحا، وضعت حقيبتي في الغرفة وأخرجت الأوراق المهمة ووضعتها في الخزانة وكتبت كلمة السر، ونزلت مقررا الذهاب إلى البحر في الروشة.
استغرقت المسافة من الفندق إلى الكورنيش في الروشة عشر دقائق سيرا على الأقدام، جلست أستريح في مكان يسمح لي برؤية الصخرة الشهيرة، وأنا أتنسم هواء البحر، قطع علي التأمل إلحاح مصور يحمل كاميرا فوجي من النوع الذي يطبع الصورة في الحال، يريد أن يلتقط لي صورة تظهر في خلفيتها صخرة الروشة التي قَبَّل تحتها عبد الحليم حافظ الفنانة نادية لطفي عشرات القُبل في فيلم أبي فوق الشجرة، أثناء عبورهما من خلالها باللانش، كان يتكلم ويحكي عن الفيلم وعبد الحليم بسرعة غريبة وباللهجة اللبنانية، حتى أن بعض كلماته كنت لا أفهمها، تحت ضغط الإلحاح الشديد منه وافقت على الصورة، أخذ يتخير لي مكان أقف فيه لتظهر الصخرة من خلفي، أثناء ذلك لمحتها تقف في الجهة المقابلة من الطريق تحاول عبوره متفادية السيارت المسرعة، أخيرا التقط لي الصورة وتركني عدة دقائق وعاد لي بالصورة وطلب خمسمائة ليرة، أعطيتها له وشكرني وانصرف، عدت إلى مكاني وما أن جلست حتى وجدتها أمامي فتاة دون الثلاثين، نحيفة ملامحها رقيقة وجمالها يشبه جمال نجمات سينما الستينييات، أقبلت نحوي قائلة: مرحب أستاذ، اسمي رولا سورية أعيش في لبنان، متخصصة في قراءة الكف، على فكرة قراءة الكف علم، كفك يحوي كل شيء عنك.
أهلا رولا، لكنني لا أرغب في قراءة كفي.
صدقني أستاذ لن تندم، أنا في المعتاد أحضر إلى هنا في الليل وأقرأ الكف مقابل ألف ليرة، وفي النهار أكون في حديقة الصنائع، لكن شيء ما جعلني أغير عادتي اليوم لأكون هنا الآن، لذا سأقرأ كفك مجانا، تسمح.
مددت ذراعي وفتحت كفي لم تلمسه، ولكن نظرت إليه بعمق فلاحظت لون عينيها وجمال أهدابها خاصة عندما كانت تغلق عينيها ثم تفتحمها فيبدو جمالها، مع ابتسامتها الرقيقة، قالت: أنت لديك أسرة وأولاد وزوجتك تحبك، ولديك أصحاب لكن منهم واحد لا يحبك ويخفي هذا، قل: لا إله إلا الله.
تمتمت قائلا: لا إله إلا الله
قالت: لديك مشكلة وسوف تنحل عقدتها وسيكون العام القادم عاما سعيدا لك، وسيحدث لك فيه أمرا عظيما يسعدك وتقر به عينك ويملأ قلبك بالفرحة.
أستاذ أنا ما أتيت إلى هنا اليوم إلا لأحمل لك هذه الرسالة أو البشارة، وأنا لا أريد منك شيئا لكن عدني إذا رأيتني مرة أخرى وكانت هذه البشارة قد تحققت أن تقول لي كلمة شكر.
قلت لها أعدك وتركتني ورحلت.
في اليوم التالي وكان الأول من أكتوبر، أستيقظت مبكرا، أخذت حماما دافئا وصليت وارتديت ملابسي، هبطت إلى المطعم لتناول الإفطار، جاءتني الفتاة الجميلة التي استقبلتني أول يوم في الفندق واستأذنت في سؤالي بعض الأسئلة عن جودة الإفطار والخدمة وخلافه، أعطيتها خمس نجمات في كل شيء، فرحت جدا، ثم قدمت لي كشفا به عناوين وأرقام تليفونات بعض المعالم التي أنتوي زيارتها وكنت قد طلبت منها ذلك، سألتني إن كنت أحتاج إلى تاكسي من الفندق للتنقل، شكرتها وأخبرتها بعدم حاجتي لذلك، فأنا مدعو لإلقاء محاضرة في المكتبة الوطنية وهي أمام حديقة الصنائع، ملاصقة لمبنى وزارة الداخلية وهي على بعد خطوات من الفندق.
ترجلت حتى المكتبة، واستقبلتني الموظفة المسئولة عن ترتيب المحاضرة وقادتني للقاء مدير المكتبة، تناولت معه فنجان قهوة وأخبرني أننا بعد المحاضرة سنذهب معا إلى مركز دراسات الوحدة العربية للقاء مديرته، وأنه يقع في بناية النهضة القريبة في شارع البصرة، ألقيت المحاضرة عن مستقبل الكتاب الورقي وتحدياته أمام الكتاب الرقمي والصوتي، وبينت في المحاضرة وجهة نظري في خسارة الكتاب الورقي للمعركة في نهاية الأمر وانسحابه التام من الحياة العامة ودخوله المتحف، سألني بعض الحضور عدة أسئلة فيما يجب أن تفعله دور النشر من خطوات، للاستعداد لهذا الأمر، بينت وجهة نظري في ضرورة التخلص سريعا من المخزون الورقي وتقليص النشر الورقي في العناوين الجديدة، انتهت المحاضرة ولاحظت رضا الحضور عنها واستحسانهم إياها.
ترجلنا قليلا أنا ومدير المكتبة في حديقة المكتبة البديعة، أستمتعت إلى شرح الرجل للطراز المعماري للمبنى التاريخي، ثم بين لي أن هذا المكان كان مدرسة للصنائع تم بنائه بأمر من الوالي العثماني، ثم تحول إلى كلية الحقوق، التابعة لجامعة بيروت، وبعد أن تم نقل الكلية أصبح مقرا للمكتبة الوطنية، وتم نقل المخطوطات النادرة وما بقي من محتويات المكتبة بعد أن نهبت إبان الحرب الأهلية.
ثم حدثني عن فيليب دي طرازي، مؤسس المكتبة الوطنية وكانت صورته في القاعة الرئيسية للمكتبة قد لفتت نظري.
قال لي إنه الفيكونت فيليب دي طَرّازي علّامة لبناني من طائفة كنيسة السريان الكاثوليك من أصول سورية حلبية. وهو مؤسس دار الكتب الوطنية في لبنان, وأمين دار الأثار في بيروت و عضو المجمع العلمي العربي بدمشق.
ثم حكى جزءا من حياته وتاريخ وفاته، ولاحظ أنني أطيل النظر إلى الناحية المقابلة للمكتبة، حيث حديقة الرئيس رينيه معوض أو حديقة الصنائع فسألني عن سبب ذلك، فقلت له أبحث عنها..