- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
قاسم قصير يكتب: ما بعد قمة البريكس: أين المشروع الحضاري والثقافي البديل؟
قاسم قصير يكتب: ما بعد قمة البريكس: أين المشروع الحضاري والثقافي البديل؟
- 7 سبتمبر 2023, 5:22:07 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شكّلت قمة البريكس الأخيرة في جنوب أفريقيا تطورا مهما على الصعيد الدولي والاستراتيجي والاقتصادي، وذلك بانضمام ست دول جديدة إلى المجموعة التأسيسية مما قد يؤدي إلى تحول هذه المجموعة إلى منظومة سياسية واقتصادية وبيئية تفتح الباب أمام تغيرات مهمة في النظام الدولي العالمي.
ويبدو أن مجموعة البريكس ستتحول من خلال ما شهدته مؤخرا من مجرد مجموعة دول تتعاون اقتصاديا فيما بينها إلى نواة منظّمة لها حضور كبير على الصعيد العالمي. فالمجموعة الأولى لدول البريكس التي تضمّ كلا من البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا كانت تمثل قبل توسيعها ما يوازي 3.2 مليارات إنسان، أي 40 في المائة من سكّان العالم، وإجمالي اقتصادها يوازي 27.7 تريليون دولار، أي 26 في المائة من الاقتصاد العالمي. أما على الصعيد الجغرافي فالمجموعة كانت تمثّل 29.5 في المائة من مساحة العالم.
وبعد انضمام الدول الست الجديدة (إيران والسعودية وإثيوبيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين) إلى مجموعة البريكس سيزيد حجم ووزن المنظومة، حيث عدد السكّان يرتفع إلى 3.7 مليارات إنسان ما يوازي 46 في المائة من سكّان العالم. وعلى الصعيد الاقتصادي يصبح الحجم 30.7 تريليون دولار ما يوازي 29.3 في المائة من الإنتاج الإجمالي العالمي. لكن القيمة المضافة هي أن المجموعة الموسعة التي تضمّ 4 دول من غرب آسيا أصبحت تمثّل 43.1 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي، مع التسليم بأن زيادة الحجم تشكّل قفزة نوعية لا يستهان بها غير أن أهمية التوسّع تكمن أيضا في الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية.
لكن يبقى السؤال الأهم حول الأبعاد الثقافية والحضارية لمشروع البريكس، وهل هناك مشروع حضاري وثقافي عالمي بديل عن المشروع الغربي النيوليبرالي والذي يتحكم بالعالم اليوم، والذي يأخذ أبعادا خطيرة في هذه المرحلة من خلال تبني بعض الدول لقيم اجتماعية جديدة تطيح بالقيم الدينية وتتبنى ثقافة الشذوذ الجنسي، وتهين المقدسات الدينية، وتنسف منطق الحريات من خلال منع الالتزام الديني ومنع اللباس الديني التقليدي، وهذا ما بدأنا نشهده في بعض الدول الغربية مثل فرنسا.
يبقى السؤال الأهم حول الأبعاد الثقافية والحضارية لمشروع البريكس، وهل هناك مشروع حضاري وثقافي عالمي بديل عن المشروع الغربي النيوليبرالي والذي يتحكم بالعالم اليوم، والذي يأخذ أبعادا خطيرة في هذه المرحلة من خلال تبني بعض الدول لقيم اجتماعية جديدة تطيح بالقيم الدينية
وكي ندرك أهمية قمة البريكس الأخيرة لا بد من الإشارة للأهمية الجيوستراتيجية لما حصل في جنوب أفريقيا من خلال انضمام دول جديدة إليها، فنظرة سريعة إلى خارطة العالم توضح ما نقصده. فانضمام 4 دول من غرب آسيا، أي مصر والسعودية ودولة الإمارات والجمهورية الإسلامية في إيران، إضافة إلى الأرجنتين وإثيوبيا يعني أن مناطق البحر الأحمر والخليج والمحيط الهندي أصبحت من ضمن مجموعة البريكس. وأهم من كل ذلك فهذا يعني أن الممرّات البحرية من المحيط الهندي والخليج إلى أوروبا عبر مضيق هرمز وباب المندب أصبحت ضمن مجموعة سياسية اقتصادية متماسكة تملك من القوّة ما يمكّنها من التصدّي إلى الضغوط الغربية وخاصة الأمريكية. ففقدان السيطرة على تلك الممرّات رغم وجود قواعد عسكرية يشكّل للولايات المتحدة ودول الغرب انتكاسة كبيرة للسيطرة الجغرافية على تلك الخطوط والممرّات.
كما أن دول البريكس الحالية تسيطر أيضا على الممر الشمالي الجنوبي الذي يربط روسيا بالمحيط الهندي عبر إيران وأفغانستان وباكستان، وإذا أضفنا الممر الشرقي الغربي الذي أوجدته الصين عبر مبادرة الطريق الواحد بعد أن يتم تنفيذ شبكة سكك الحديد التي توصل البحر الأصفر بالبحر المتوسط، نرى مدى الترابط والتماسك في الجغرافيا. وما يدعم تلك السيطرة الجغرافية هو الممر القطبي الشمالي الذي تسيطر عليه روسيا وما يحتوي عليه القطب الشمالي من احتياطات نفط وغاز ومعادن، لذلك يمكن القول إن السيطرة على الممرّات البرّية والبحرية لم تعد بيد الغرب كما كان الحال خلال القرنين الماضيين.
ويضاف إلى ذلك الأبعاد الاقتصادية المهمة في هذا المشروع، لكن ذلك لا يعني أن مجموعة البريكس أصبحت مشروعا متكاملا وقادرا على اتباع سياسات موحدة في كافة المجالات، فهذه المجموعة لا تحمل مشروعا فكريا وسياسيا موحدا، كما كان الحال مع الاتحاد السوفييتي سابقا والذي كان يطرح المشروع الاشتراكي ويستند إلى الفكر الشيوعي، أو كما هو الحال في المشروع الغربي الليبرالي أو النيوليبرالي والذي تتبناه دول الغرب حاليا، ويتمثل أيضا بحلف الناتو عسكريا ومن خلال عدة مجموعات اقتصادية، والذي يحمل مشروعا ثقافيا ليبراليا له سمات خاصة تصل إلى مستوى كبير من الإباحية ونشر ثقافات تتناقض مع الأديان السماوية والقيم المشرقية.
لكن في المقابل فإن دول مجموعة البريكس (القديمة والجديدة) ليست موحدة ثقافيا وفكريا واقتصاديا، فلكل دولة مشروعها الخاص وإن كانت تتلاقى اليوم على التعاون فيما بينها لمواجهة الهيمنة الأمريكية أو الغربية، مع أن هناك دولا في مجموعة البريكس تربطها علاقات قوية مع أمريكا (مصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية وإثيوبيا)، ولكنها في الوقت نفسه تبدو وكأنها تبحث عن خيارات سياسية واقتصادية جديدة في ظل ما تواجهه من ضغوط وتحديات.
أهمية إعادة التفكير مجددا بالمشروع الثقافي والحضاري العالمي البديل، فالعودة إلى النظام الاشتراكي أو الشيوعي التقليدي أصبحت صعبة مع أن هناك دولا تعمل مجددا للاستفادة من هذه التجربة، والنظام الغربي الليبرالي يعاني اليوم من تحديات جديدة. ومن يراقب ما يجري في العالم من أحداث وحروب وصراعات وتدهور كبير في مجال البيئة والمخاطر الكبرى على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإنسانية، يدرك أن العالم يتوق اليوم إلى أفكار ورؤى جديدة
ومن هنا أهمية إعادة التفكير مجددا بالمشروع الثقافي والحضاري العالمي البديل، فالعودة إلى النظام الاشتراكي أو الشيوعي التقليدي أصبحت صعبة مع أن هناك دولا تعمل مجددا للاستفادة من هذه التجربة، والنظام الغربي الليبرالي يعاني اليوم من تحديات جديدة. ومن يراقب ما يجري في العالم من أحداث وحروب وصراعات وتدهور كبير في مجال البيئة والمخاطر الكبرى على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإنسانية، يدرك أن العالم يتوق اليوم إلى أفكار ورؤى جديدة تحمل بعض الأمل للعالم.
وإذا كان العالم العربي والإسلامي عاجزا عن تقديم المشروع البديل في ظل ما يعانيه من أحداث وتحديات، لكن ذلك لا يلغي القيمة الحضارية الكبرى للدين الإسلامي والذي سبق وأن كان له دور مهم على الصعيد العالمي، وقد يكون اللقاء الفكري والاجتماعي والإنساني والاقتصادي ضمن مجموعة البريكس الجديدة بين البعد العربي والإسلامي (الذي تمثله بعض الدول العربية والإسلامية الكبرى) والبعد المشرقي (الذي تمثله الصين والهند) والبعد الأرثوذكسي والكاثوليكي (الذي تمثله روسيا وإثيوبيا والأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا)، هذا اللقاء يفتح الباب مجددا أمام البحث عن تعاون الأديان والثقافات العالمية للبحث عن أفكار جديدة تنقذ العالم من أزماته، وإن كانت هذه المهمة ليست سهلة اليوم، لكن مجموعة البريكس يمكن أن تشكل مدخلا مهما في هذا المجال، ومسؤوليتنا كعرب ومسلمين أن نوسع دائرة التفكير مع شركائنا في العالم لعلنا نقدّم مشروعا ثقافيا وحضاريا بديلا للعالم اليوم.