- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
كلثوم الجوراني تكتب: نصف أم
كان الجو ممطرا وشديد البرد التحفت بلحافي وبجانبي أمي مدت يدها كأنها تتفحصني هل نمت أم مازلت مستيقظا ،تحركت أوحي لها أنني ما زلت مستيقظا وبإبتسامة قالت قم وكل ما خبئته لك من الحلوى فأن أخوتك قد ناموا.
أنا المدلل الوحيد في عائلتي رغم أنني الابن الأوسط وهناك من هم أصغر مني سنا من أخوتي اسكن مع امي وابي وامرأة أخرى تمقتها امي وكانت تبعدني عنها وتقول أحذر أن تقترب منها أبدااً أذكر مرارا قالت لي تلك المرأة تعال لأحضنك فأبتعد وكم أعطتني من يديها الحلوى فأشمئز منها ومن الحلوى وأهرب إلى أمي أطمأنها بأنني لم أقترب من تلك المرأة مرت السنوات فسمعت أحد أقاربي يهمس لوالدتي هل يعلم من هي أمه الحقيقية ؟.
أجابت وملامحها بين الغضب والاستهزاء لا أنا أمه ولا أم له سواي.
صرت أفكر بكلام ذلك الرجل ومن هي أمي الحقيقية ولماذا أمي تبعدني عن تلك المرأة رغم أنني أشعر أن المرأة تحبني وتعاملني كما تعامل اخوتي (اولادها).
كبرت وكبر كرهي (لصبيحة ) تلك المرأة التي تسكن معنا كزوجة أب بغيضة.
كنا نتبادل الكلام الجارح ونتبادل الكره أيضا إلى أن أتى اليوم الذي علمت فيه أن تلك المرأة هي أمي كان ذلك أشبه بالعاصفة، التي تأتي فجأة تقتلع سقف البيت دون مقدمات هرعت لأمي التي ربتني احتضنها وكأن شيئا يريد اخذها مني أما من جانب تلك المرأة فقد زدت كرهاً لها .
صرت أكره كل ما يتعلق بها انظر الى وجهها وكأنها جلادي ، هي كانت لا تهتم بي كأخي الأصغر فهي لا تغسل ملابسي ولا تشتري لي الحلوى كانت بخيلة جدا على عكس امي فقد كانت جد كريمة وتعاملني بحب وحنان وكل يوم تسرح شعري أو تطعمني تسمعني كلام يشرح لي قسوة تلك المرأة وكان كل دأبها أن تشوه صورتها في عيني .
كل يوم وكرهي يزداد وهي تزداد أبتعاداً عني كبرت وما زلنا عدويين أنا وهي حتى قررت السفر لأجل الدراسة وسفري هذه المرة ربما لا عودة لي منه كانت امي فرحة جدا لأنني سأسافر غداً وأصبح قادراً على الاعتماد على نفسي أما المرأة تلك كانت تبدو غير مهتمة أصلاً وقبلها كانت تعارض سفري وتلك الليلة التي حزمت بها أغراضي لاسافر رأيت المرأة التي اكرهها تسترق النظر إلي من تحت لحافها وتبكي بكاءا شديدا ، اذكر أن منكبها كان يرتجف من البكاء ولم يخف اللحاف شدة ارتجافه أدرت وجهي ولم أهتم أبدا فأنا قد ضربتها على ساقها قبل يومين حتى بانت الزرقة على جلدها ومن الجنون أن أفكر بأنها تحبني .
سافرت وبعد سنة من الغياب عدت إلى البيت في زيارة قصيرة كانت امي باستقبالي وكذلك ابي أما (نصف امي ) تكاد تطير فرحا برؤيتي اخذت اقتنع بأنها تحبني وأنها وإن لم تكن لي أما يوم من الايام الا أنها امي .
اذكر انني ناديتها أماه بخجل لأنني لم أعتد على ذلك وما أن سمعت أمي التي ربتني حتى أنهارت بكاءا وصرخت بي (هل عرفت لك ام غيري ؟)وأخذت تولول وتقول اين ذهب تعب السنين حتى تنادي غيري بأمي أحتضنتها وقلت لها أماه اخاف غضب ربي أن أعقها فأنت تعلمين أنها امي ولكن أنا أحبك انت.
اشاحت بوجهها غير مقتنعة ما قلت ثم أصبح الأمر طبيعيا.
صرت أناديها بأمي وأتودد لها ولكن كانت مريضة جدا بذلك المرض الذي قضى عليها فرحلت ورحلت معها أمنياتي أن اعوضها عن كل لحظة أغضبتها وآذيتها رحلت أمي قبل أن أقبل ساقها الذي فيه اثر الكدمات من ضربي .
رحلت رغم رضاها عني إلا أنني غير راض عن نفسي فأيام قليلة من المودة غير كافية كنت أتمنى أن تحضر زفافي وان تحمل طفلي وان تشاركنا انا وأمه تربيته ، أدركت اخيرا أن أسفي لا يذهب الندم الذي بداخلي مهما فعلت وها أنا عند قبر امي أتمنى لو أنها تعرف كم أحبها .
أجلس قرب قبرها اناديها أمي أمي لعلها تسمع هذه الكلمة التي حرمتها منها طيلة تلك السنين أجلس بجانب قبرها لعل جلوسي عند قبرها شيء من البر يمحي ما مضى من عقوقي .