- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
كيف تنامى اقتصاد الروبوتات عالمياً؟
في أعقاب تفشي جائحة كوفيد19، تضررت سوق الروبوتات في العديد من مناطق العالم، نظراً إلى التوافر المحدود حينئذٍ للمواد الخام، وقيود النقل وإغلاق مرافق التصنيع والتباطؤ الاقتصادي في ذلك الوقت، وهو ما أسفر عن إعاقة نمو السوق، غير أنه عقب عمليات الانفتاح التي شهدها العالم في النصف الثاني من عام 2020، نمت سوق الروبوتات بسرعة أكبر بفعل زيادة عمليات التصنيع وزيادة الطلب على البدائل الصديقة للبيئة.
وفي الوقت الراهن، تراهن الشركات في جميع أنحاء العالم الصناعي، بشكل كبير على الروبوتات والأتمتة، كعمليات حيوية لزيادة الإنتاجية، وقد حفز التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة نمو الأتمتة بين الصناعات؛ حيث جعلها قادرة على استخدام حلول أكثر إبداعاً كالروبوتات وأنظمة التحكم المستخدمة في تحسين عمليات الإنتاج الخاصة بها. ووفقاً لنتائج مسح ماكينزي العالمي للروبوتات الصناعية لعام 2022، فإن الأنظمة الآلية من المتوقع أن تمثل 25% من الإنفاق الرأسمالي على مدى السنوات الخمس المقبلة، نظراً إلى ما يراه المديرون التنفيذيون في الشركات الصناعية من أهمية كبيرة لصناعة الروبوتات في زيادة جودة الإنتاج والكفاءة ووقت التشغيل.
مكونات السوق
تعد صناعة الروبوتات صناعة مزدحمة، تضم أكثر من 500 شركة تعمل على تصنيع منتجات مختلفة، تتمثل في أربع فئات: الروبوتات الصناعية التقليدية، والخدمات المهنية الثابتة كالمستخدمة في التطبيقات الطبية والزراعية، والخدمات المهنية المتنقلة كالتنظيف الاحترافي والبناء، والأنشطة تحت الماء، وأخيراً المركبات الموجهة الآلية (AGVs) لنقل الأحمال الكبيرة والصغيرة في اللوجستيات أو خطوط التجميع. وفيما يأتي يمكن استعراض تلك المكونات بشيء من التفصيل:
1- روبوتات الخدمات المهنية الثابتة: تُعرِّف المنظمة الدولية للتوحيد القياسي ISO “روبوت الخدمة” بأنه “روبوت للاستخدام الشخصي أو الاستخدام المهني يؤدي مهام مفيدة للبشر أو المعدات”. ويتم تصنيف روبوتات الخدمة وفقاً للاستخدام الشخصي أو المهني؛ حيث إنه يحتفظ بالعديد من الأشكال والهياكل، بالإضافة إلى مجالات التطبيق المختلفة.
ويتطلب ذلك النوع من الروبوتات “درجة من الاستقلالية”، وهي “القدرة على أداء المهام المقصودة بناءً على الحالة الراهنة والاستشعار دون تدخل بشري”. وتتراوح تلك الاستقلالية بين الاستقلالية الجزئية – بما في ذلك تفاعل الإنسان الآلي – وبين الاستقلالية الكاملة دون تدخل الإنسان الآلي النشط. ولعل روبوتات الخدمة الثابتة، هي تلك التي لا تتطلب لاستخدامها الانتقال من مكان إلى آخر، لتقديم خدمة بعينها، ومن بينها الروبوتات الطبية، وهي روبوتات مخصصة للاستخدام كمعدات كهربائية طبية أو أنظمة كهربائية طبية، فضلاً عن الروبوتات التي تستخدم في التطبيقات الزراعية.
2- روبوتات الخدمة المتنقلة: تعمل روبوتات الخدمة المتنقلة على تحسين جودة الحياة اليومية للبشر بعدة طرق مختلفة، كمساعدة المصابين بشلل نصفي على المشي مرة أخرى، وتحسين جودة الرعاية الصحية التي يتلقاها المرضى، وتقليل الوقت الذي يتم قضاؤه في الأعمال المنزلية من خلال روبوتات التنظيف الاحترافي، والحفاظ على المنازل آمنة من خلال كاميرات المراقبة، كما تعمل روبوتات الخدمة المتنقلة على إعادة تدوير مجموعة متنوعة من المواد الضارة للبيئة، بما يكون له تأثير كبير على نوعية الحياة واستدامة الكوكب.
3- الروبوتات الصناعية: تعد الروبوتات الصناعية أذرعاً آلية يمكنها التحرك في عدة اتجاهات، ويمكن برمجتها لتنفيذ العديد من أنواع المهام المختلفة في بيئات مختلفة، كالضغط العالي وغرف التفريغ، وفي غرف العمل النظيفة وفي المناطق القذرة، وكذلك المناطق الخطرة التي يوجد بها تهديدات جمة كاحتمالية حدوث انفجارات أو عدوى أو إشعاع أو مخاطر أخرى شديدة.
كذلك يمكن تجهيز الأذرع الروبوتية بمقابض متخصصة للعمل مع الأشياء الحساسة والهشة، بينما يمكن أن تحتوي الأذرع الروبوتية الأخرى على مقابض يمكنها الإمساك بالأحمال التي تزن عدة أطنان ورفعها. أضف إلى ذلك احتواء الأذرع الروبوتية على العديد من أجهزة الاستشعار وأنظمة الرؤية القادرة على عرض الصور للمساعدة في التحكم المعتمد على الكمبيوتر. وكذلك بالإمكان استخدام ملاحظات المستشعر والرؤية مع الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات بشأن سلوك الذراع الآلية. وتعتبر الروبوتات الصناعية والأتمتة جزءاً مهماً من تصنيع معظم المنتجات في عالم اليوم.
4- المركبات الموجهة الآلية: (AGVS) تُسمى أحيانًا المركبات الموجهة الآلية (AGVs) (automated guided vehicles) بـالمركبات الذاتية التوجيه أو المركبات الموجهة ذاتياً، وهي أنظمة مناولة المواد أو ناقلات الأحمال التي تسافر بشكل مستقل في جميع أنحاء المستودع أو مركز التوزيع أو منشأة التصنيع، بدون مشغل أو سائق على متن الطائرة. وتُستخدم أنظمة المركبات الموجهة الآلية في المهام التي يتم التعامل معها عادةً بواسطة الرافعات الشوكية أو أنظمة النقل أو العربات اليدوية، وتتطلب تحريك كميات كبيرة من المواد بطريقة متكررة.
كما تستخدم في مجموعة متنوعة من التطبيقات، التي غالباً ما يتم استخدامها لنقل المواد الخام كالمعدن، أو البلاستيك، أو المطاط، أو الورق، كأن تقوم بنقل المواد الخام من منطقة الاستلام إلى المستودع أو تسليم المواد مباشرة إلى خطوط الإنتاج. جدير بالذكر أن تلك المركبات تعمل على نحو مستمر دون تدخل بشري، بما يضمن احتواء خطوط الإنتاج على المواد التي يحتاجها دون انقطاع.
اتجاهات رئيسية
خلال السنوات القليلة الأخيرة، نمت صناعة الروبوتات بشكل كبير، وهو ما يتضح من خلال عدة مؤشرات، يمكن استعراضها فيما يأتي:
1- نمو عوائد صناعة الروبوتات عالمياً: نمت عوائد صناعة الروبوتات في الفترة من 2016 إلى 2022، من 18.47 مليار دولار في عام 2016، إلى 32.41 مليار دولار في عام 2022، وهو نمو بمقدار الضعف تقريباً؛ حيث تزايد معدل العوائد المتأتية من تلك الصناعة تدريجياً خلال تلك السنوات؛ ففي عام 2017، بلغت العوائد نحو 20.75 مليار، و24.20 مليار دولار في عام 2018، ثم بلغت نحو 26.83 مليار دولار في عام 2019، و28.46 مليار دولار في عام 2020، و30.50 مليار دولار في عام 2021، وصولاً إلى 32.41 مليار دولار في عام 2022.
2- تزايد الاستثمارات في صناعة الروبوتات: تنامى حجم الاستثمارات في صناعة الروبوتات على نحو كبير خلال السنوات القليلة الماضية من جراء زيادة الطلب على الصناعة، حتى إنه بحلول عام 2021، بلغ الاستثمار العالمي في مجال الروبوتات نحو 5.7 مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو 38% على أساس سنوي. وبحسب تقرير الروبوتات العالمي الصادر عن الاتحاد الدولي للروبوتات، فإن الاستثمار في قدرات إنتاج السيارات الجديدة وتحديث المساحات الصناعية قد أدى إلى زيادة الطلب على الروبوتات.
ففي أغسطس 2022 على سبيل المثال، استثمرت مجموعة هيونداي موتور نحو 400 مليون دولار أمريكي في إنشاء معهد (Boston Dynamics AI) لتعزيز الذكاء الاصطناعي والروبوتات، بهدف تحقيق “تطويرات أساسية في الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والآلات الذكية”، مع تركيز الموارد على الذكاء الاصطناعي المعرفي، والذكاء الاصطناعي الرياضي، وتصميم الأجهزة العضوية. هذا وتستخدم شركة (Ford Motor) نحو 450 روبوتاً لطلاء المركبات وتنفيذ عمليات بناء الهيكل في مصنعها بمدينة ساناند الهندية، كذلك تستخدم(Maruti Suzuki India) ما يقرب من 5000 روبوت في أحد مصانعها.
3- تحقيق روبوتات الخدمات مبيعات ضخمة: يستحوذ قطاع روبوتات الخدمة على الحصة الكبرى من سوق الروبوتات العالمية؛ حيث يمثل 72% من الإيرادات العالمية، مقارنة بالروبوتات الصناعية؛ إذ تنمو صناعة روبوتات الخدمات بصورة أسرع؛ حيث نمت عوائد صناعة روبوتات الخدمات من 12.59 مليار دولار في عام 2016، إلى 24.18 مليار دولار في عام 2022، وهو نمو بمقدار قرابة الضعف. ولعل ما ساهم في تعزيز ذلك القطاع جزئياً نقص الموظفين خلال فترة الإغلاق من جراء تفشي جائحة كوفيد-19، ونمو الحاجة إلى الروبوتات الخدمية لتقديم خدمات بعينها.
وبالنظر إلىسوق روبوتات الخدمات، نجد أن الروبوتات الخدمية التقليدية تستحوذ على الحصة الكبرى من السوق بنحو 92.77%، فيما تذهب الحصة المتبقية 7.23% لصالح سوق الروبوتات التعاونية والمعروفة باسم كوبوتس (Cobots).
4- اهتمام متصاعد بسوق الروبوتات التعاونية: تعد الروبوتات المتنقلة والتعاونية (Collaborative Robotics) أسرع القطاعات نمواً في قطاع الروبوتات الصناعية، وهي روبوتات مصممة للعمل جنباً إلى جنب مع البشر وتتفاعل معهم بأمان وفاعلية، بشكل يسهم في زيادة الإنتاجية والسلامة في مكان العمل، وهي مجهزة بأجهزة استشعار وميزان أخرى تتيح لها إمكانية اكتشاف الوجود البشري وتعديل حركاتها. وقد اكتسبت صناعة الروبوتات التعاونية أو المتنقلة شعبية كبيرة على مدار العقد الماضي، حتى باتت موجودة في كل قطاع صناعي تقريبًا، وفي كل موقع من منصات النفط في أعماق البحار إلى مرافق التصنيع والمخازن.
ويركز المصنعون في الوقت الراهن على تبني الروبوتات التعاونية في أوروبا، ومن المتوقع أن تشهد الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا زيادة هائلة بسبب الظهور الفوري للثورة الصناعية الرابعة والمصانع الذكية، فضلاً عن زيادة الطلب على الأنظمة الروبوتية المخصصة والمدمجة.
5- تنامي القيمة السوقية للروبوتات الصناعية: يعد سوق الروبوتات الصناعية ثاني أكبر قطاع في صناعة الروبوتات؛ حيث نمت عوائده من 5.88 مليار دولار في عام 2016 إلى 8.24 مليار دولار في عام 2022. ذلك النمو في سوق الروبوتات الصناعية قد تعزز بفعل نمو صناعة السيارات في العديد من الاقتصادات الناشئة؛ حيث بدأت الشركات تركز على أتمتة العمليات التشغيلية لتقديم منتجات عالية الجودة، وتوفير الوقت، وزيادة الإنتاجية، وخفض التكاليف، لمواجهة المنافسة في السوق.
أضف إلى ذلك، ارتفاع الطلب في صناعات أخرى كالأدوية والإلكترونيات الاستهلاكية والصناعات البلاستيكية؛ حيث تساعد الروبوتات الصناعية الشركات على تقليل الفاقد وإزالة احتمالية وقوع أخطاء بشرية. هذا وقد بلغت قيمة سوق الروبوتات الصناعية العالمية نحو 48.5 مليار دولار أمريكي في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 142.8 مليار دولار أمريكي تقريباً في عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يزيد قليلاً عن 11.4% بين عامي 2023 و2032.
6- هيمنة آسيوية على سوق الروبوتات الصناعية العالمية: خلال السنوات الأخيرة،هيمنت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على سوق الروبوتات الصناعية العالمية؛ حيث استحوذت على أكبر حصة من الإيرادات المتأتية من تلك السوق بنسبة 49% في عام 2022. وتُعزى تلك الهيمنة إلى تنامي دور الصناعات التحويلية وارتفاع الأتمتة في كل من الصين والهند، واليابان، وجمهورية كوريا، وتايلاند، وتزايد استخدام الروبوتات في التطبيقات الصناعية في تلك المنطقة من أجل تلبية الطلب المتزايد، في ظل الزيادة السكانية والدخل المتاح للأفراد، وهو ما ساهم في توسيع استهلاك السلع الاستهلاكية وغيرها من المنتجات، ومن ثم تنامي الحاجة إلى زيادة القدرة الإنتاجية؛ ما أدى بالتبعية إلى زيادة حجم السوق.
ومن المرجح أن تتمتع شركات صناعة الروبوتات في الدول الآسيوية بنمو كبير خلال العقد المقبل، خاصة أنه منذ عام 2017، زادت كثافة عمال تصنيع الروبوتات بأسرع وتيرة في كوريا والصين واليابان. ومع بدء تجار التجزئة الآسيويين الكبار في تحديث مستودعاتهم وترقيتها لتلبية الطلب المتزايد، فإنه من المتوقع أن تنمو الحاجة إلى المزيد من المعدات الروبوتية للخدمات اللوجستية، التي ستتطلب بالتبعية أن يكون مصنعو الروبوتات المحليون، بما في ذلك العديد من الشركات الناشئة، قادرين على الاستفادة من هذا النمو.
إجمالاً، تتمتع صناعة الروبوتات بإمكانات كبيرة تسير في اتجاه تصاعدي، بحسب المؤشرات، بيد أن الاستمرار في ذلك التوجه يتوقف على مدى قدرة الشركات الراسخة في صناعة الآلات وأجهزة وبرامج الأتمتة الصناعية على الاستفادة من الاتجاهات الاستراتيجية والتكنولوجية الجديدة، التي من المحتمل أن تصبح أكثر أهميةً خلال السنوات المقبلة، مع اقتراب عام 2030؛ ما قد يدفع الشركات المنافسة والشركات الناشئة الأصغر حجماً نحو الابتكار في المجالات التي لديها القدرة على تحقيق أرباح عالية وتغيير أبعاد صناعة الروبوتات.
وتشير تلك الاتجاهات الحديثة، إلى عدد من التوقعات، كأن تتمحور الشركات الرائدة في صناعة الروبوتات، بشكل كبير حول توفير ميزات أكثر استهدافًا لقطاعات بعينها، وأكثر قابلية للتخصص وبأقل تكلفة، كما من المتوقع أن يقود سوق الروبوتات كأجهزة أتمتة قياسية، مجموعة من الأنظمة الأقل تعقيدًا، فيما ستتضمن أجهزة عالية التحجيم يسهل تثبيتها وتكوينها ودمجها.
كذلك يُتوقع أن تكون الفرص الأكبر والمجال الأوسع للنمو لصالح روبوتات الخدمات الاحترافية بدلاً من الروبوتات الصناعية الأكثر تقليدية، التي قد تظهر بشكل كبير في الفنادق المستقلة ومعدات توصيل المستهلك وروبوتات صيانة السكك الحديدية أو المطارات. وأخيراً يرجح أن تكون البرمجيات هي عامل النجاح الرئيسي في هذه السوق؛ حيث ستهيمن أدوات القياس الكبيرة، والمقاييس الفائقة.