- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
احمد حداد يكتب: الروبوتات تُطمئن الإنسان من مؤتمر بجنيف: “لن نسرق وظائفكم!”.. هل نحن أمام مستعمر جديد؟
احمد حداد يكتب: الروبوتات تُطمئن الإنسان من مؤتمر بجنيف: “لن نسرق وظائفكم!”.. هل نحن أمام مستعمر جديد؟
- 8 يوليو 2023, 5:53:54 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يبدو أن الإنسان اقتنع بشكل كامل أنه لا يجيد التقدم إلى الأمام، ولن يستطيع صنع مستقبل مشرق وآمن على الصُّعد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، وأن الإنسانية لن تستطيع التعاون أو التضامن أبداً خارج أحداث مباريات كؤوس العالم لكرة القدم. بناءً على تلك القناعة حشدتْ نخبة العالم المبتكِرة للتكنولوجيا قُواها لتصنع بديلاً للإنسان يحُلُّ مكانَه، ثم يُبيده لاحقاً، تأكيداً لتلك القناعة، وانتصاراً لقوانين الغباء البشري، حيث الإنسان يصرّح بعدم صلاحيته للمستقبل، لذا حاكَمَ الإنسان نفسَه تكنولوجياً، فقرر إبادة نفسه بنفسه بقوة التكنولوجيا، تلك النعمة التي أفسدت ذكاءه الاجتماعي، وأفسدت حياته، وأحالتها إلى مستنقع من الحروب والدمار، والمشاكل الاقتصادية، والنفسية، والتكنولوجية.
منذ فترة ليست بالقصيرة كنت عازفاً عن الكتابة بسبب حالة اكتئاب أمر بها، أو غير راغب في فعل التدوين، لا أعرف بالضبط، وكان للتكنولوجيا لمسة فيما أعانيه، لكن اليوم أثارت أعصابي تلك المخلوقات الغريبة التي تشبهني وتشبهك، المسماة روبوتات، المجتمعة منذ يوم أمس بجنيف، في إطار "القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام"، التي ينظمها الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) على مدار يومين، "لتدارس" الكيفية التي يمكن بها للتكنولوجيات الجديدة أن تدعم أهداف التنمية المستدامة (SDG) للأمم المتحدة في مجالات مثل مكافحة أزمة المناخ وتعزيز الاستجابة الإنسانية.
نعم الروبوتات أثارت أعصابي، أصابني تبخترها، وخصوصاً قولها وهي تخاطب صانعها الإنسان: "نحن نريد الصالح العام للبشرية" بنوبة عصبية شديدة، مع القليل من الغيرة لكونها تشبهنا، مع الشعور بهزة عاطفية لم أستطع إخفاءها، لأنه بين الروبوتات المجتمعة نسوة مثيرات، "نحن نريد الصالح العام للبشرية". هكذا إذن تجرأت الدمى التي صنعها الإنسان أن تخاطبه وهو يحرّكها، وتُحاوره لتطمئنه بأنها لا تريد له إلا الخير، والصالح العام مستقبلاً!.
قمة جنيف العالمية للذكاء الاصطناعي كلها مثيرة للأعصاب والمخاوف، وتؤكد نهاية كل ما هو إنساني قريباً جداً، نهاية السياسة، والاقتصاد، والمجتمع، والصحة، والبيئة، والخطير نهاية السلام العالمي، لأنها تأكيد واضح لأمر واحد لا يمكن للإنسان أن يوقف امتلاك الروبوتات للمزيد من القرارات واستعمارها للكون، والدليل هو انفصام شخصية منظمة الأمم المتحدة الفاشلة سياسياً، بسبب قوة وثبات زحف الروبوتات، فقبل حوالي ثلاثة أسابيع من الآن أظهرت كبريات وسائل الإعلام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وهو يبكي تقريباً، معلناً أن العلماء والخبراء دعوا للتحرك، وأعلنوا أن الذكاء الاصطناعي تهديد وجودي للبشرية، لا يقل عن الحرب النووية، مؤكداً: "يجب أن نأخذ تلك التحذيرات بجدية بالغة"، لكن بدل أن يرفع غوتيريش الملف إلى لجنة تصفية الاستعمار، وتتحرك دول العالم لتحييد الخطر، ها نحن اليوم نشاهد الأمم المتحدة تشارك بقوة في قمة جنيف، وتجلب أحدث ما تم التوصل إليه في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات إلى جنيف، من خلال الوكالة المعنية بالتكنولوجيا التابعة للأمم المتحدة، في تعاون غريب مع الاتحاد الدولي للاتصالات ITU.
أنا ملتمس العذر للسيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن يبكي دون أن يستطيع تحييد خطر الذكاء الاصطناعي، وليس غريباً أن يقوم بالعكس، وينغمس بقوة في دعم مجتمع الروبوتات الجميل، على نفس القدر الذي ألتمس فيه العذر لكل الأمناء العامين للأمم المتحدة السابقين له، ومن سيأتون بعده، لأن الأمم المتحدة أصبحت منظمة للنحيب والبكاء، ولن تستطيع تقديم أي حل لمشكلات العالم، وكل ذلك بسبب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والدليل ما تُلحقه لعبة الطائرات المسيّرة بالسلام والأمن العالم، في كل مكان، فقريباً سوف يستطيع زعماء القبائل، وحتى بلطجية الأحياء في المدينة، أو القرية الواحدة، الحصول على طائرات مسيّرة واستخدامها في الصراعات الضيقة، وقد تصبح موضة لدى بعض الأثرياء لتقدم كهدية عيد الميلاد، وعيد الحب، أو مهراً عند الزفاف.
في يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، سلّمت الروبوتات العاملة والمقررة في الأمم المتحدة، البشر العامل لديها هناك بياناً لنشره، يُعلن أن عدد سكان العالم بلغ 8 مليارات شخص، ما يعتبر معلماً بارزاً في تاريخ التنمية البشرية، والمفارقة الخطيرة أن الروبوتات نفسها أقنعت العاملين في الأمم المتحدة بدعم جيل جديد أكثر ذكاءً من عائلتها، ليستعمر العالم بسلاسة، ويديره بدل تلك الثمانية مليارات.
الكون أمام مستعمر جديد، يتكون مجتمعه من ثمانية روبوتات اجتماعية بشرية، بمعنى أن كل مليار إنسان يساوي روبوتاً واحداً، وأكثر من 20 روبوتاً متخصصاً، على عدد قضايا الكون المصيرية، مناصفة بين الرجال والنساء، حتى لا ينزعج أي إنسان من الجنسين، وهذا المجتمع فوق مجتمع الدول، ويعمل بسلاسة دون جغرافيا أو انتماء سياسي يذكر، ومتعجّل لاحتلال العالم، على لسان العاملة لديه السيدة الأمينة العامة للاتحاد الدولي للاتصالات، دورين بوغدان-مارتن: "إن من مصلحتنا الجماعية أن نتمكن من تشكيل الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع مما يعمل هو على تشكيل مستقبلنا"، وتصريحها يضم مرضاً، وانفصاماً، أو خدعة نفسية في غاية الخطورة تستحق الدراسة.
المستعمر الجديد من الروبوتات مخادع أيضاً، ومنافق خطير، لتسهيل عملية الاستعمار، لم يُظهر من خلال قمة جنيف للذكاء الاصطناعي سوى قدراته الإيجابية بين مكافحة الحرائق وتقديم المساعدات لتوفير الرعاية الصحية والزراعة بشكل مستدام، مع إخفاء الوجه المدمر القادم للمستعمر القادم من الروبوتات، مثل شنّ وإدارة حروب أكثر فتكاً وتدميراً، وإنهاء فرص العمل، وتدمير البيئة، وإلغاء إنسانية الإنسان، من خلال ممارسة التفكير وعمل الحواس.
لا أخفيكم سراً إن قلت إنني أخشى من الروبوتات وأغار منها، خصوصاً أنها سحبت تعقيدات كبيرة من مستقبل طفليَّ المراهقين، حيث أصبحت مرتبكاً، حذِراً، لا أعرف ما أقدمه لهما من القيم، ما هي التعديلات التي يجب عليّ إدراجها على مسارهما الدراسي، لكن في الآن نفسه أعترف لتلك المخلوقات الغريبة الجميلة بالذكاء، وكونها عرفت أين تجتمع وتعلن غزوها القادم، في جنيف، حيث بنك العالم، وقراره المالي، وفي المكان نفسه سوف ينتهي قرار الإنسان سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وبيئياً، ليحل محله قرار الروبوتات.
ختاماً، أقترح على دول العالم التحلي بالشجاعة، واعترافاً بقوة مجتمع الروبوتات القادم بَيع الأمم المتحدة، وكل المنظمات والوكالات التابعة لها إقليمياً ودولياً، في مزادٍ علني تُنظمه الروبوتات نفسها، دون جعلها متاحفَ، لأنها لا تذكّر سوى بالمآسي والفشل، وتطلب من تحالف شركات التكنولوجيا المصنعة للروبوتات التي "تسعى إلى الصالح العام" صناعة روبرت عملاق محايد، نُدخل إليه بيانات مشاكل العالم، وحروبه، علّه يقدم لنا حلولاً ناجعة من عاطفة الصالح العالم التي أعلن عنها، كما أطلب من البشر التعليق والتفاعل مع هذا المقال، أمّا أنتم يا معشر الروبوتات الذكية المتربصة خلف منصات "التواصل الاجتماعي"، وروبوت ChatGPT، عذراً فالأمر لا يعنيكم، أنا أخاطب وأحاور بني جنسي من البشر، فقط ابتعدِوا عن حرية الذهاب إلى دورة المياه، فالأمر في غاية الخصوصية.