- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
احمد سيف يكتب: جنين… موقعة في الوقت المستحيل
احمد سيف يكتب: جنين… موقعة في الوقت المستحيل
- 8 يوليو 2023, 5:44:54 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل تكون معركة جنين ومخيمها، المعركة التي يتم على أثرها تسليم راية استمرار المعركة ضد إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، إلى حركتي حماس والجهاد، ومن يتبعهما كما حصل إثر معركة الكرامة في مارس عام 1968 بعد حرب يونيو؟ بالطبع لا.. لأن إيران ليست في وارد ويجب أن لا تحمل راية الصراع الرئيسي مع إسرائيل نيابة عن أهل القضية، ولأنه لا وجود لجمال عبدالناصر الذي أعاده الشعب المصري وباقي الشعوب العربية، إلى زعامة مصر مفوضا بالتحضير للحرب المقبلة وتبنى المقاومة الفلسطينية وحماها، ولأن لا ياسر عرفات هنا، يحمل بندقيته ويتقدم صفوف المقاتلين في معركة الكرامة في مارس 1968، التي هزمت فيها إسرائيل بفعل تصدي الفدائيين الفلسطينيين والكثير من المتطوعين العرب وكتائب من الجيش الأردني .
أما حال العرب من المحيط إلى الخليج فقد أصبح مأساويا أو على وشك، واندثرت آمالنا في النهضة، وازداد الأمر سوءا وقسوة، مع تولي الغرب وأدواته ونجاحه في إجهاض ما سمي بالربيع العربي، وأشعل حروبا وانقسامات لم تنته في الشرق العربي وغربه وأطرافه.. وضعفت مصر قلب هذه الأمة، وتمت محاصرتها بأزمات من كل الجهات، وأوكلت الولايات المتحدة والغرب إلى إسرائيل حماية هذا الخراب في المشرق العربي وتعميقه، ولتولي قيادة مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، إثر تخريب حواضر العرب في القاهرة وبغداد ودمشق، يتم فيها دفن قضية فلسطين كرافعة للنضال العربي نحو التقدم والعدالة، والانتقال من النظام السائد الذي نجحت أمريكا في فرضه منذ حرب عام 1967، ويشكل امتدادا للدور البريطاني الفرنسي، في تقسيم المنطقة بغرض السيطرة على قدرها ومقدراتها منذ الحرب العالمية الأولى، بل إن سوء حالنا ازداد بؤسا، عندما بدأت دول عربية كالمغرب والسودان وغيرهما، في الاستقواء بإسرائيل في صراعاتها الإقليمية والمحلية، وهذا في حد ذاته، مؤشر أكثر من كاف على استفحال الأزمات وعمق الخيبات وضيق أفق يقود إلى بلاء مقبل أشد وطأة.
يقول نتنياهو إنه يريد أن يقضي على ظاهرة جنين مرة وإلى الأبد، ولكن هذه الظاهرة، نمت وكبرت وشكلت تحديا واضحا للمنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية
هل حال عدونا أفضل من حالنا؟ نعم ولا! نعم لأن المشروع الإسرائيلي جزء من المكون الغربي ومكمل له في سياساته تجاه المنطقة العربية ومنطقة البحر المتوسط. كثير من هذه السياسات مردها الصراعات القديمة مع العرب والمسلمين حول البحر المتوسط جنوبه وشرقه، وترتب على ذلك ليس فقط إقامة كيان هجين في المنطقة، بل كما نرى جميعا تأسيس الغرب لنظام عربي متكامل يحيط بإسرائيل ضامن لبقائها. لا.. لأن المشروع إياه مليء بتناقضات، أضعفت بنيته وجعلت من شروط ومقومات استمراره، أمرا لا يستقيم، ليس للتناقضات المنهجية داخل إسرائيل، التي لم تتخلص منها عبر أهداف وآليات اختراع كيان يهودي عنصري، بدل وعلى حساب شعب آخر في المنطقة، فقط، بل أيضا لأن المشروع يحمل في طياته عداء محكما لمصالح شعوب المنطقة ونهضتها، ترسخ هذا العداء بفشل إسرائيل ومن أسسها بأن تكون جارا طبيعيا مسالما مع محيطها، واللجوء بدلا من تجريب هذا الخيار، العمل لإقامة نظام أمني واقتصادي في المنطقة، تابعٍ للغرب، يحمي إسرائيل أساسا بغض النظر عن رغبات ومصلحة شعوب المنطقة. قصر نظر قادة إسرائيل الراهن يكمن في الاعتقاد بأن الوقت مناسب الآن للخروج من مأزقها الوجودي، عبر استخدام القوة بأنواعها، لهزيمة الفلسطينيين نهائيا وإخضاع النظام العربي ومستقبله المنظور لمتطلبات استمرار إسرائيل وقيادتها للشرق الأوسط الجديد لعقود مقبلة. لم يعد بالإمكان هزيمة الفلسطينيين، وستقود محاولات تهجيرهم الجماعي إلى الأردن والمناطق المجاورة ومنافي العالم إلى المزيد من اندثار المشروع بكامله وآليات حمايته في الإقليم. أيضا كل الدلائل تشير إلى أن الخراب الذي أحدثه الغرب وإسرائيل في المنطقة، عزز العداء لهذا المشروع ومن أقامه، ولم يمهد أبدا لحقبة تقودها إسرائيل عبر التطبيع وما بعده، وكلنا يرى الآن انحسارا سريعا في لجوء أنظمة الإقليم إلى الحماية الإسرائيلية وتحقق النظام العربي من مصائب تسليم إسرائيل قيادة المنطقة. يمكن لإسرائيل أن تمضي في سياسات البطش، لكنها أصبحت مكشوفة أكثر وأضعف مما كانت عليه قبل سنوات، ومعركة جنين ومخيم جنين دليل ساطع على عجز يتراكم في الرؤية والأداء الإسرائيلي، ولا يخدم بتاتا طموح توسعها وقيادتها وسيطرتها على مقدرات المنطقة، رغم دعم واشنطن العميق. يقول نتنياهو إنه يريد أن يقضي على ظاهرة جنين مرة وإلى الأبد، ولكن هذه الظاهرة، نمت وكبرت وشكلت تحديا واضحا للمنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، تحت نظرة ورقابة أجهزته الأمنية «المشهورة بدقتها»، وبإمكانيات متواضعة تحركها إرادة صلبة وشجاعة في مقاومة الظلم والعدوان. وفي ظل هروبه من مأزق إلى آخر ولجوئه إلى الخرافات للسيطرة على ما تبقى من فلسطين، وإثر معارك لم تنتصر فيها إسرائيل في لبنان، وضد غزة، أو في الضفة المحتلة، وبلورة فلسطينيي الداخل وسائل نضال فعالة ضد العنصرية الممؤسسة، وفي ظل إمعانه في تجاهل القضية المصيرية وحال دولته في مواجهة أكثر من ستة ملايين فلسطيني ما بين النهر والبحر، يكاد تعدادهم أن يساوي عدد سكان إسرائيل المحاصرة أيضا بكم وافر من العداء المستفحل لها. وفي المنفى، حيث يوجد الفلسطينيون وبعد أن ضعفت مؤسساتهم المقاومة، أخذ أفراد وجمعيات في حقول الفن، من أدب ومسرح وسينما ورقص ورياضة، وعلوم وقانون وكل الحقول الأخرى، في ظاهرة تحاكي على نحو ما، ظاهرة «الذئاب المنفردة» في الداخل، على عاتقهم المساهمة في حماية القضية وإبقائها حية بدعم جيل عربي جديد، وكثير من طاقات شباب العالم التقدمي المناهض لأنظمة الظلم والاستغلال في العالم .في جنين، يبذر الإسرائيليون المزيد من الحقد والغضب. كلنا كان يعرف أن القوات المحتلة، ستدمر المخيم مجددا وتجعله مكانا لا يصلح للعيش.. كما فعلت في أكثر من 500 قرية فلسطينية خلال النكبة عام 1948 وبعدها .وفهمنا ونحن نرى وحشية المحتل، أن أولاد وأحفاد الجماعات الإرهابية التي ارتكبت المجازر في فلسطين قبل النكبة وما بعدها ومناظر خروج الناس بالآلاف وبالقوة، في ما يشبه لجوء آخر، تريد جعل ذلك عبرة لإرهاب الفلسطينيين وغيرهم في الجوار وتنذرهم بقرب حدوث ذلك مجددا، تماما كما حدث خلال النكبة من مجازر أدت إلى طرد معظم سكان فلسطين.. في ظل سوء أداء قادتهم وهزيمة جيوش الدول العربية المحيطة .مناظر تفطر القلب، تعيد صور المأساة وتاريخها.. وكان على من قاد وشجع ظاهرة المقاومة المسلحة، وهو حق مشروع بالطبع، أن يدرك ويحتاط من رد إسرائيل التي لن تسمح ولم تسمح ما أمكنها، وجود أو توسع ظاهرة مقاومتها بالقوة على بعد كيلومترات من وسطها الرخو .إن ترك مخيم جنين دون التسلح جيدا برادع يحد من عدوانية الجيش الإسرائيلي، وبعد أكثر من سبعة عقود على الصراع معه، يشكل عبثا وخللا كبيرا ومحبطا في طريقة مقاومة المحتل لا تعوضه التصريحات النارية ولا الكلام عن تعدد الجبهات .كان بالإمكان تفادي هذا الإرهاب المتكرر، لو أن من طالب من قادة الشعب الفلسطيني بالمقاومة السلمية والشعبية، بذل جهدا حقيقيا مدروسا ونجح في ذلك، أو لو أن من رأى أن المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، أعد لذلك جيدا، وأحسن التوقيت وربط ذلك بمصلحة ومستقبل شعوب المنطقة، تحررها ونهضتها، وهذا أمر حتمي، وإن طال الطريق وكان بالغ الوعورة والأسى في حال مزر كحالنا، وفي مواجهة أعداء كهؤلاء.. يدركون منذ النكبة وما قبلها أن مصيرهم في هذه المنطقة، كما صار واضحا تماما، يعتمد فقط على قوتهم وضعف وخراب وانحطاط كل الآخرين في الجوار، وهذا ليس قدرا لا فكاك منه.