- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
لطفي العبيدي يكتب: حول استمالة الجنوب: الرهان الصعب بين «مجموعة السبع» و«البريكس»
لطفي العبيدي يكتب: حول استمالة الجنوب: الرهان الصعب بين «مجموعة السبع» و«البريكس»
- 4 أغسطس 2023, 12:30:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كيفية مواجهة الصين وطريقة ردعها في السنوات المقبلة، هو رهان غربي يأتي بعد أن اتفق التكتل الأطلسي بقيادة أمريكا على تصوير الصين بأنها قوة استبدادية رأسمالية، تستعرض قوتها في آسيا والعالم. ولكن يبقى تشابك الاقتصاديات والاعتماد المتبادل وحجم المصالح، التي تربط هذه الدول مع الصين هو ما يشتت قرارها، ويجعل من الصعب إحداث قطيعة مع بكين ضمن وحدة الخيار. ولا يتعدى الحديث عن مواجهة السياسات الاقتصادية الصينية المعروفة بالإكراه الاقتصادي، مجرد بيان ضمن مخرجات كل قمة غربية، تظهر اتحادا شكليا لا وجود له في الحقيقة.
التوترات المستمرة مع موسكو والاصطدام المتزايد مع بكين، فضلا عن الخلافات الداخلية حول المناخ وسياسات التجارة. هي أبرز التحديات التي تواجهها مجموعة السبع في السنوات الأخيرة. فرضت هذه المجموعة عقوبات منسقة على روسيا، ردا على حربها في أوكرانيا، بما في ذلك تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، كما أطلقت برنامج بنية تحتية عالميا لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، خاصة في القارة الافريقية.
يبقى تشابك الاقتصاديات والاعتماد المتبادل وحجم المصالح، التي تربط الدول الغربية مع الصين يجعل من الصعب إحداث قطيعة معها ضمن وحدة الخيار
تبنّى قادة مجموعة السبع في قمتهم في هيروشيما اليابانية هدفا مزدوجا يشمل تشديد الخناق على موسكو، والبحث في سبل مواجهة القوة العسكرية والاقتصادية المتنامية لبكين، وتعهد قادة المجموعة بتقليص الاعتماد على التجارة مع الصين، وتحدثوا بحماسة عن تدابير من أجل حرمان روسيا من التكنولوجيات والمعدات الصناعية، مع تجديد التزامهم بتزويد أوكرانيا بالدعم المالي والعسكري في حربها مع روسيا. زعماء المجموعة يقرون بأن المتانة الاقتصادية تستلزم تقليل المخاطر، والتنويع بعيدا عن الصين ثاني أكبر اقتصاديات العالم. لكنهم كانوا ينتقون كلماتهم، خاصة فرنسا التي حرصت على التأكيد أن قمة مجموعة السبع هذه لن تكون قمة مواجهة، بل قمة للتعاون والبحث في المتطلبات. تدين مجموعة الدول الصناعية السبع ما تعتبره تزايدا مقلقا في استخدام الصين نقاط الضعف الاقتصادية كسلاح، ولكن يبقى من الصعب بالنسبة لدول المجموعة التصرف بتوازن مع بكين. فاقتصاديات هذه الدول تعتمد على الصين بشكل لا يقبل الانفصال، وسبق أن أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته الصين، إلى ضرورة تجنب الاتحاد الأوروبي الانجرار إلى الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، وإلى اليوم تمارس فرنسا الدبلوماسية البراغماتية مع بكين، وتنتهج مسارا مختلفا عن البقية. وجود زعيم افريقي واحد فقط، هو رئيس الاتحاد الافريقي ورئيس جزر القمر غزالي عثماني، في قمة مجموعة السبع التي انعقدت في الفترة من 19 إلى 21 مايو في اليابان، مقارنة بوجود رؤساء دول افريقية عديدة في القمة الروسية الأفريقية الأخيرة، يعكس مدى عجز المعسكر الغربي في مغازلة الحكومات الافريقية. تبدو محاولة إظهار الدعم لدول الجنوب الغائبة عن قمة هيروشيما مفارقة بحد ذاتها، وبالتالي من الصعب إقناع الدول الافريقية بأنّ الدول الغربية ستعمل على الحد من التضخم وصدمات السلع الأساسية والديون المتزايدة، وهي التهديدات الرئيسية في الوقت الحالي، التي تجعل دول الجنوب تلقي اللوم على أعضاء مجموعة السبع والدول الأخرى ذات الاقتصاديات المتقدمة لدورها في ذلك. الصين التي تم دمجها فعليا في قلب سلاسل التوريد العالمية، تمثل تحديا أكثر صعوبة من التحدي الروسي بالنسبة إلى المعسكر الغربي، ولكنهم منقسمون بشأن تخفيض التعامل الاقتصادي والاستثماري معها، والتحديات التي يرفعونها هي أكبر من إمكانياتهم الحالية. خاصة مسألة استمالة دول الجنوب التي تتعامل مع موسكو وبكين في مجالات عدة، ورفضت إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا. وبالتأكيد لن تدين حربا ممكنة للصين ضد تايوان في حال اندلاعها. دول مجموعة السبع تقف عاجزة عن تعويض الدول النامية الدعم والتعاون الصيني المربح في مجالات استثمارية كبيرة، ولن تكون مجالات الصحة والأمن الغذائي والبنية التحتية، التي تُطرح كرافعة لتطوير علاقات أوثق تنافس به علاقات تلك الدول مع الصين، سوى أوهام يحاول قادة دول السبع إقناع أنفسهم بها. هذا طبيعي فقد تمكنت العروض المغرية التي أطلقتها دول «بريكس» من استقطاب العديد من الاقتصاديات النامية، خاصة تلك التي عانت من برامج التكيف الهيكلي وتدابير التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي. هذه الدول، وجدت في بنك التنمية الجديد الذي أطلقته مجموعة «بريكس» عام 2014، مع 50 مليار دولار من الأموال الأولية بديلا مقنعا للبنك الدولي وصندوق النقد الدول،. بالإضافة إلى آلية السيولة التي تم إنشاؤها تحت مسمى ’»ترتيب الاحتياطي الطارئ» لدعم الأعضاء الذين يكافحون من أجل المدفوعات. ويمكن القول إن أحد تفسيرات تمسك دول الجنوب بالحياد في الصراع الدائر بين أوكرانيا وروسيا، وكذلك في الخلاف بين الولايات المتحدة والصين هو «الواقعية القديمة». فمع تعدد الأقطاب لم يعد واضحا تماما لمن ستكون الغلبة في المستقبل، لذلك فأفضل استراتيجية بالنسبة للكثير من الدول هي توخي الحذر والوقوف على الحياد. صحف بريطانية على غرار «الغارديان»، أشارت إلى أن الحرب الباردة الجديدة تزداد برودة، وقمة مجموعة السبع نفسها زادت من مخاوف الصين أكثر مما مضى، بشأن اتباع الولايات المتحدة استراتيجية «الاحتواء الشامل والتطويق والقمع». الصين اعتبرت أن المقاربة الأمريكية الغربية لا تتمتع بأدنى مصداقية دولية. روسيا هي الأخرى، تؤكد أن الولايات المتحدة تستخدم ما يجري في أوكرانيا لتعزيز تأثيرها وإخضاع الآخرين، وقرارات دول مجموعة السبع المتخذة خلال قمتها في اليابان تستهدف «احتواء مزدوجا» لروسيا والصين، بهذا المعنى، نفهم أن مخرجات القمة الروسية الافريقية الأخيرة، ووعود بوتين بتصدير الحبوب لهذه الدول مع إعفاءات متعلقة بالديون وغيرها من الإجراءات، تهدف بوضوح إلى تعزيز موقف دول الجنوب في مواجهة الضغوط الغربية عليها ضمن الصراع الروسي الأطلسي. في الأثناء، المناقشة الاقتصادية تسلط الضوء على الطبيعة المشكوك في أمرها لادعاء مجموعة الدول السبع، بأنها تمثل القيادات العليا للاقتصاد العالمي. ما الهدف إذن من مجموعة الدول السبع؟ لقد تحولت إلى مؤسسة تمثل الغرب فقط في رأي السياسي البريطاني، فينس كايبل، المواجهة والاحتواء قد لا يكونان استراتيجية قابلة للتطبيق، إذ تفضل بعض بلدان مجموعة الدول السبع نفسها على غرار ألمانيا وفرنسا وإيطاليا التعاون الاقتصادي النشيط مع الصين بدل المواجهة العبثية.
مجموعة الدول السبع التي ظهرت للوجود عقب صدمة النفط في سبعينيات القرن العشرين، يحرص الرئيس الأمريكي على تقويتها، خاصة بعد الإرباك الذي أحدثته الإدارة الأمريكية السابقة، فقد وصف دونالد ترامب صراحة هذه المجموعة بأنها قد «عفى عليها الزمن». واليوم، تواجه واشنطن صعود قوى اقتصادية تتحدى النظام الذي وضعه الغرب، وتعمل على تغيير التعامل البيني بالعملة المحلية بديلا عن الدولار، حصة المعاملة التجارية بين موسكو وبكين تزايدت في المدة الأخيرة مع اعتماد البلدين التبادل بالعملة المحلية، فيما تتوجه دول أخرى أيضا إلى تعزيز التعامل بالطريقة نفسها. في المحصلة، بين من ينفتح أكثر على الدول النامية، ومن يستمر في نهج عقلية استعمارية كلاسيكية، فيها يسيطر الشمال على الجنوب يكمن الفرق، وهذا ما سيجعل الكتلة الاقتصادية الغربية تتراجع أمام تكتل منافس يزداد قوة، ترغب دول عديدة في الانضمام إليه، تزامنا مع خسارة دول غربية مناطق نفوذها في مستعمراتها القديمة، بالأساس دول الساحل والصحراء الغنية بالموارد والثروات.
كاتب تونسي