- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
تحليل: وساطة السعودية والصين بين روسيا وأوكرانيا خطأ استراتيجي
تحليل: وساطة السعودية والصين بين روسيا وأوكرانيا خطأ استراتيجي
- 4 أغسطس 2023, 11:25:51 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سلط عضو فريق دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد "أمريكان إنتربرايز"، بن ليفكوفيتز، ومدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في المعهد، كوري شاك، الضوء على كواليس المفاوضات التي تهدف إلى تسوية الحرب الروسية الأوكرانية، وأشارا إلى أن الارتفاع الصاروخي في تكاليف الوقود والغذاء في الجنوب العالمي، أدى إلى تحفيز عروض الوساطة بين كييف وموسكو.
وذكر الباحثان، في تحليل نشره موقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن عروض الوساطة توالت من الصين والاتحاد الأفريقي وحتى من المملكة العربية السعودية، وهو ما رحبت به إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التي تؤمن بالمبدأ المبتذل والمتكرر وغير الصحيح، الذي يقول إن "جميع الحروب تنتهي بالتفاوض".
وحذر الباحثان من أن تشجيع واشنطن للوساطة يخاطر بتكرار خطأ سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان، والتي أفضت إلى نزع الشرعية عن حكومة من المفترض أنها مدعومة أمريكيا.
فرغبة الولايات المتحدة في التخلي عن أفغانستان أدت إلى "صفقة سيئة جعلت طالبان على رأس الحكومة الأفغانية"، مقابل قيام طالبان "بمنع الإرهاب" وعدم مهاجمة القوات الأمريكية، بحسب الباحثين، الذين أشارا إلى أن الإدارات الأمريكية واصلت التخلي عن أفغانستان رغم عدم احترام طالبان لشروط الاتفاق.
وأضافا أن هناك خوف مبرر بين الأوكرانيين وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين من تكلفة دعم أوكرانيا، والجهود السياسية المطلوبة للحفاظ على دعم الكونجرس الأمريكي وخطر تخلي واشنطن عن كييف في محاولة سلام غير حكيمة تهدد استقرار أوكرانيا على المدى الطويل، خاصة أن أيا من الوسطاء الثلاثة: الصين أو الاتحاد الأفريقي أو السعودية، ليس شريكًا موثوقًا به في جهود السلام.
فالصين تدعي أنها طرف محايد لأنها لم تنضم أبدًا إلى العقوبات الغربية ضد روسيا ولم تقدم علنًا مساعدة عسكرية لأي من الدولتين، ومع ذلك، فمنذ بداية الحرب، ناهضت وسائل الإعلام الصينية بشدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وروجت للروايات الروسية، وصورت كييف على أنها "ضحية ساذجة للتلاعب الغربي".
ودعمت تصرفات القيادة الصينية هذا التوجه، حسبما يرى الباحثان، ففي مارس/آذار، سافر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى موسكو لإعادة تأكيد الشراكة بين الصين وروسيا "بلا حدود"، وافقت بكين على إرسال شحنات سرية من المساعدات العسكرية إلى روسيا.
أغراض الصين
وعندما تقدم الصين مبادرات، فإنها قد تخدم أغراضًا روسية، على أمل تحقيق سلام بوساطة من شأنها أن تترك روسيا تحت السيطرة على الأراضي الأوكرانية وتفرض شروطًا قاسية على كييف، بحسب الباحثين.
وفي مايو/أيار الماضي، زار المبعوث الصيني الخاص لحرب أوكرانيا، لي هوى، كييف لتعزيز وساطة السلام الصينية، وخلال الزيارة بدأت روسيا سلسلة من القصف الصاروخي الذي استهدف العاصمة الأوكرانية، ما وصفه الباحثان بأنه "ربما كان محاولة لدفع أوكرانيا إلى طاولة المفاوضات بوساطة صينية".
ومع ذلك، فإن الحملة الروسية سلطت الضوء فقط على قوة أوكرانيا بعد أن أسقطت القوات الأوكرانية كل صاروخ روسي اقترب من كييف.
وهنا يشير الباحثان إلى أن الصين لها غرض آخر من الوساطة في شأن الحرب، وهو أن تلعب "دورًا بناء" في إعادة الإعمار بأوكرانيا ما بعد الحرب، عبر خلق مسافة بينها وبين روسيا، ووضع نفسها بموقع "وسيط السلام" على عكس "الغرب العدواني".
لكن بالنظر إلى سجل مشاريع الحزام والطريق الصينية، فإن غموض المشاركة الصينية في إعادة الإعمار سيكون كارثيًا لجهود مكافحة الفساد المهمة جدًا لمستقبل أوكرانيا، بحسب الباحثين.
وبينما طرحت الصين خطة محددة من 12 نقطة، قدم الاتحاد الأفريقي والمملكة العربية السعودية دعمًا عامًا للسلام.
وتتضمن الخطة الصينية فوائد فورية للحكومة الروسية مقابل تجاهل مطالب أوكرانيا الأساسية، إذ تدعو إلى "احترام سيادة جميع الدول" دون المطالبة بسحب القوات الروسية من أوكرانيا.
وتدعو الخطة إلى "التخلي عن عقلية الحرب الباردة" في توبيخ مباشر لتوسع الناتو؛ و"وقف العقوبات أحادية الجانب" التي أدت فعليًا إلى عزل الاقتصاد الروسي.
وفي السياق، ينوه الباحثان إلى أن حياد دول الاتحاد الأفريقي يتعرض للخطر بسبب دعم جنوب إفريقيا لروسيا، والذي يتضمن تدريبات بحرية مع روسيا والصين، ورفضها احترام مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
فبريتوريا ترى في حرب أوكرانيا فرصة فريدة "لقلب مكانة الولايات المتحدة كضامن للاستقرار العالمي من خلال الترويج للاتحاد الأفريقي ودول البريكس كبدائل مناسبة".
أما الحكومة السعودية فتفاوضت للإفراج عن السجناء الأوكرانيين والروس، وعملت من أجل إعادة الأطفال الأوكرانيين الذين احتجزتهم روسيا قسراً، ومع ذلك فإن تبرير ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، لرفض بلاده الامتثال لجهود معاقبة روسيا يكشف أيضًا عن كونها طرفًا غير محايد.
وهنا يشير الباحثان إلى أن العداء السعودي تجاه الولايات المتحدة يتصاعد منذ تعثر إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في الرد على الهجمات الإيرانية ضد منشآت النفط السعودية عام 2019.
فالسعوديون لا يقومون فقط بدعم سعر النفط بشكل مفيد لروسيا، لكنهم يسمحون أيضا للصين بدفع ثمن وارداتها النفطية باليوان بدلا من الدولار، ويهددون إدارة بايدن بقواعد صينية على الأراضي السعودية.
استطلاع الأوكرانيين
الأمر الأكثر إشكالية من انحياز الوسطاء المحتملين، بحسب الباحثين، هو أن الشعب الأوكراني لا يريد أن تنتهي هذه الحرب بتسوية تفاوضية، حسبما أورد استطلاع أجري في أوائل فبراير/شباط الماضي، إذ عبر 97% من الأوكرانيين عن اعتقادهم بأنهم سيهزمون روسيا، فيما أكد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن أي تسوية يجب أن تشمل "انسحاب القوات الروسية من كامل أرضنا المستقلة"، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
ويفهم الأوكرانيون أن وحدة أراضيهم هي أساس سيادة الدولة، وبالتالي فإن التضحية بأي أرض أوكرانية في أي تسوية ستكون انتصارًا روسيًا مدويًا.
ومع ذلك، ضغط المسؤولون الأمريكيون على زيلينسكي للإعلان عن انفتاحه على التفاوض، من منطلق أن الحروب تنتهي بالتفاوض، لكن الباحثين يؤيدان ما قره عالم السياسة، روي ليكليدر، وهي أن 85% من الحروب تنتهي بانتصار عسكري، وليس بتسوية سياسية.
ويؤيد ذلك المؤرخ، جيفري بلايني، في كتابه "أسباب الحرب"، موضحًا أن أي تسويات تفاوضية لإنهاء الحروب تزيد من احتمالية نشوبها في المستقبل.
ولذا يرى الباحثان أن الضغط على أوكرانيا لقبول الوساطة يؤدي إلى التغاضي عن العدوان من خلال مطالبة الضحية بالتنازل لصالح الجاني، في حين أن الاستجابة الصحيحة تتمثل في الإصرار على أن تعاقب روسيا على العدوان وجرائم الحرب وتدمير الاقتصاد الأوكراني، والإضرار بالاتفاقيات الدولية بشأن حرية الملاحة.
ومن شأن هذا النهج أن يقوي النظام الدولي الذي تدعي إدارة بايدن في كثير من الأحيان أنها تدعمه، بحسب الباحثين اللذين اقترحا استخدام 300 مليار دولار من أموال الدولة الروسية المجمدة في البنوك المركزية الغربية كبداية قوية لمعاقبة موسكو.
ويخلص الباحثان إلى أن وساطة دول أقل قوة من الولايات المتحدة تجعل روسيا أقل احتمالية لتقديم تنازلات، و"سيكون من الخطأ التخلي عن الفضاء الدبلوماسي لخصوم الولايات المتحدة بدلاً من السماح للمنتصرين الأوكرانيين بإملاء كيفية انتهاء هذه الحرب".