لماذا يتجه المغرب لتعزيز التعاون العسكري مع الهند؟

profile
  • clock 13 يناير 2023, 8:35:21 م
  • eye 617
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شهدت الفترة الأخيرة تنامي العلاقات بين المغرب والهند؛ وذلك في ضوء السياسات التي يتبناها المغرب نحو تنويع مصادر حصوله على الأسلحة والمعدات العسكرية. هذا الاهتمام بتنويع الشركاء الدوليين يعكس في الوقت ذاته محاولة المغرب تحقيق بعض المكاسب الاستراتيجية، ربما يكون أهمها الحصول على الدعم الهندي في بعض القضايا المهمة بالنسبة للمغرب وخصوصاً قضية الصحراء، ناهيك عن تطوير العلاقات الاقتصادية مع الهند التي تعد من القوى الدولية الصاعدة ذات التأثير في النظام الدولي.

مؤشرات واضحة

ظهرت عدد من المؤشرات الرئيسية في الآونة الأخيرة حول تزايد التعاون العسكري بين المغرب والهند، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1– حصول المغرب على عدد من صفقات السلاح الهندية: اتجهت الحكومة المغربية لعقد بعض صفقات السلاح مع الهند؛ إذ تم الاتفاق في شهر يناير الجاري مع شركة “تاتا أدفونسد سيستيمز” الهندية على صفقة أسلحة يحصل من خلالها المغرب على 92 من شاحنات النقل العسكري التكتيكي من طراز “LPTA–715”. ومن المقرر أن يستخدم المغرب هذه الشاحنات العسكرية القادمة من الهند في تحميل الذخيرة وقطع الغيار ومعدات تشغيلية أخرى ونقلها؛ وذلك بهدف تحسين القدرات اللوجستية للقوات المسلحة الملكية المغربية؛ وذلك في إطار سياستها الخاصة بتحديث منظومتها الدفاعية والهجومية وتطويرها.

كما حصلت الرباط على شاحنات نقل تكتيكية من طراز “TATA LPTA 2038” من الهند، في شهر يوليو 2022 بناءً على طلب القوات المسلحة المغربية؛ حيث تنسجم تلك الشاحنات مع الطبيعة المناخية للمناطق الصحراوية المغربية؛ وذلك في إطار استراتيجية المغرب للحصول على أسلحة متطورة تكنولوجياً من الهند؛ وذلك عبر الاتفاق المغربي مع شركة بهارال للإلكترونيات المحدودة “BEL” الهندية لتقديم تقنيات وتركيب رادارات للمراقبة والتحكم عالية الأداء في جميع المطارات المغربية.

2– استحداث الرباط منصب ملحق عسكري في الهند: لجأ المغرب إلى استحداث منصب ملحق عسكري في السفارة المغربية في الهند في شهر يوليو الماضي. ويرجع ذلك إلى أن الهند تُعَد واحدة من أهم الأسواق الناشئة في صناعة وإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة، التي تتميز بقدرات تكنولوجية متقدمة، بالإضافة إلى أن أسعارها أقل تكلفةً من الأسلحة والمعدات العسكرية التي تصنعها المصادر التقليدية التي كان المغرب يعتمد للحصول على أسلحته ومعداته العسكرية.

ومن شأن استحداث منصب ملحق عسكري أن يساعد في عقد صفقات الأسلحة مع الجانب الهندي، بشكل أسرع من الطرق التقليدية التي تعتمد على سفر وفد حكومي إلى الهند والاجتماع مع المسؤولين العسكريين أو ممثلي شركات الأسلحة الهندية، لعقد مثل هذه الصفقات، ومن ثم توفير الوقت والجهد للحصول على هذه الأسلحة.

3– عقد اتفاقيات لتعزيز التعاون العسكري المشترك: ففي عام 2020 تم التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن التعاون الدفاعي لنقل الخبرات العسكرية والدفاعية المشتركة بين الدولتين، وكان الغرض من ذلك بناء شراكة استراتيجية، وتطوير العلاقات في مجال الدفاع بين الرباط ونيودلهي. وفي عام 2018 عقدت وزارة الدفاع الوطني مذكرتي تفاهم مع وزارة الدفاع الوطني الهندية في سبتمبر 2018، تناولت الأولى التعاون في مجال الأمن الإلكتروني بين إدارة الدفاع الوطني ونظيرتها الهندية.

أما مذكرة التفاهم الثانية فكانت تهدف إلى إرساء تعاون في مجال الأنشطة الفضائية بين “المنظمة الهندية للبحث الفضائي” و”المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي” و”المركز الملكي للدراسات والأبحاث الفضائية” التابع لإدارة الدفاع الوطني المغربي من جهة ثانية، وتهتم بالعلوم الفضائية والتطبيقات العملية للتكنولوجيات الفضائية والتدريب ونقل الخبرات، كما شملت اتفاقيات التعاون الثنائي المشترك بين الدولتين مجالات المشرعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة، وتطوير البنية التحتية والتمويل المشترك للمشروعات التنموية والصناعات الدفاعية.

4– إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين: حيث أُجريت مناورات بين القوات البحرية المغربية والهندية في شهر يوليو الماضي قبالة سواحل الدار البيضاء؛ وذلك في إطار التعاون والتنسيق العسكري المشترك بين الدولتين.

أهداف محددة

يهدف العمل المغربي على تعزيز العلاقات العسكرية مع الهند إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، ومن أبرزها ما يلي:

1– تحسين القدرات العسكرية المغربية: رغم عقد العديد من صفقات السلاح مع عدد من الدول التي يتمتع معها المغرب بعلاقات قوية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، ومشاركته في عدد من المناورات العسكرية المشتركة خلال عام 2022، فإن المغرب احتل الترتيب الـ61 عالمياً في تصنيف “جلوبال فاير باور” لأقوى الجيوش على مستوى العالم لعام 2023 من ضمن 145 دولة شملها المؤشر. ووفقاً لهذا التصنيف جاء المغرب في الترتيب السادس عربياً، والسابع أفريقياً. ويشير التصنيف لعام 2023 إلى تراجع المغرب ستة مراكز في هذا التصنيف مقارنة بالعام الماضي الذي احتل فيه المغرب المرتبة الـ55 عالمياً.

ويمكن تفسير هذا التراجع بتركيز المغرب على التصنيع الحربي الدفاعي الأمني في الميزانية الجديدة المخصصة للدفاع وهو ما لا يتضمنه مؤشر تصنيف الجيوش عالمياً؛ الأمر الذي يدفع المغرب نحو عقد مزيد من صفقات السلاح لتطوير قدراته المسلحة، وخاصةً المتعلقة بتجديد أسطول عرباتها وشاحناتها للنقل الخاصة بالجيش؛ هذا إلى جانب تخصيص الحكومة المغربية نحو 12 مليار دولار لتطوير قواته المسلحة.

وفي قانون الميزانية الجديد لعام 2023 رفعت الحكومة المغربية الميزانية الخاصة بالدفاع إلى 17 مليار دولار بزيادة قدرها 5 مليارات دولار عن العام الماضي، على أن يتم تخصيص الميزانية الجديدة لاقتناء الأسلحة ضمن حساب النفقات المسمى اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية ودعم وتطوير صناعة الدفاع. وهذه الميزانية تمثل أكبر من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

2– تأمين المعابر الحدودية المشتركة مع دول الجوار: من شأن عقد صفقات السلاح مع الجانب الهندي تطوير المعدات العسكرية والأسلحة بغرض تأمين المعابر الحدودية المشتركة مع دول الجوار، ولا سيما معبر “الكركرات” الذي سبق أن شنت عليه العناصر المسلحة التابعة لجبهة البوليساريو هجوماً من قبل. وهذا المعبر له أهمية اقتصادية خاصة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجانب الموريتاني، كما أنه له دلالة خاصة بسيطرة القوات المغربية عليه بعد نجاحها في طرد عناصر البوليساريو منه قبل عامين، إلا أن تلويح البوليساريو خلال الفترة الأخيرة بشن هجوم على الجدار الأمني العازل والمناطق المجاورة له، تدفع القوات المسلحة المغربية إلى تشديد الرقابة المفروضة على هذه المناطق الحدودية. وقد انعكس ذلك في تخصيص القوات المسلحة المغربية نحو 50 ألف جندي بشكل دائم لحراسة ومراقبة الحدود المشتركة مع دول الجوار.

3– تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الهند: من شأن عقد صفقات السلاح وإبرام اتفاقيات التعاون العسكري بين المغرب والهند، المساهمة في تعزيز العلاقات السياسية وصولاً إلى شراكة استراتيجية بين الدولتين، وهو ما ينعكس في تبادل الزيارات بين مسؤولي الدولتين؛ فمن المنتظر أن يتوجه وزير الصحة الهندي المسؤول عن المنتجات الكيماوية، إلى الرباط يومي 13 و14 يناير الجاري؛ للتوقيع على شراكات جديدة لتوريد الأسمدة، ومناقشة إمكانية صناعة الفوسفات الثنائي الأمونيوم (DAP) ومصانع إنتاج النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم (NPK) في المملكة التي أصبحت مصدراً مهماً بالنسبة للهند؛ لتعويض نقص إمدادات الفوسفات الثنائي الأمونيوم من الصين بسبب الحرب الأوكرانية.

4– استقطاب دعم الهند في قضية الصحراء: ففي عام 2000 نجحت الجهود الدبلوماسية المغربية في إقناع الهند بسحب اعترافها السابق بالجمهورية الصحراوية، وحدوث تغير نوعي في الموقف الرسمي الهندي منذ ذلك الوقت، لدعم المقترح المغربي بشأن منح إقليم الصحراء حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية.

5– مواكبة سباق التسلح مع الجزائر: إذ يسعى المغرب دوماً لعقد صفقات السلاح مع مصادر جديدة، مثل الهند، في محاولة للحاق بالجزائر التي تحتل مرتبة متقدمة بين أقوى الجيوش في العالم؛ حيث احتلت الجزائر الترتيب الـ26 عالمياً والأول مغاربياً والثالث عربياً بعد كل من مصر والسعودية وفقاً لتصنيف “جلوبال فاير باور” لعام 2023، وهو ما يشير إلى التفوق العسكري الجزائري على المغرب. ويمثل ذلك دافعاً للرباط نحو تحسين قدراتها العسكرية.

6– توجُه الرباط لتنويع مصادر التسليح: ربما يهدف اتجاه المغرب لتعزيز علاقاته العسكرية مع دولة مثل الهند التي تعد مصدراً جديداً للتسليح المغربي، إلى الضغط على الدول الصديقة التي تمثل المصادر التقليدية لتسليح الجيش المغربي للحصول على أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية، وهو ما يكشفه القلق الإسباني إزاء صفقة الشاحنات العسكرية الهندية التي حصل عليها المغرب، خاصةً أن الحكومة الإسبانية اتفقت مع الحكومة المغربية في مطلع شهر يناير الجاري، على منحها سفينة حربية من طراز “AVANTE 1800” للقوات البحرية المغربية، وهي سفينة عملاقة متخصصة في المراقبة.

وجاء ذلك بعد أن لجأت الحكومة المغربية إلى بنك إسباني للاقتراض من أجل تمويل صفقات تسلح خاصة بالقوات البحرية المغربية، تمهيداً لإتمام العقد المبرم بين الرباط ممثلةً في الوزارة المنتدبة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني وبين الشركة الإسبانية “نافانتيا” المتخصصة في صناعة السفن العسكرية. وتخشى مدريد اعتماد الرباط على مصادر أخرى غيرها للتسليح، وخاصةً بعدما شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين تحسناً ملحوظاً بعد اعتراف الحكومة الإسبانية بالموقف الرسمي المغربي تجاه قضية الصحراء.

7– تعظيم المكاسب الاقتصادية المتبادلة: من شأن تعزيز التعاون العسكري بين المغرب والهند، أن يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية معتبرة لكل منهما؛ فمع عقد صفقات السلاح ستزداد مكاسب الشركات الهندية العاملة في مجال تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية، كما تعول الهند على السوق المغربية للانطلاق منها إلى الأسواق الأفريقية، خاصةً أن الهند تضع القارة الأفريقية كسوق واعدة تساعد الاقتصاد الهندي على الانتعاش.

وفي هذا الإطار، شهدت الفترة من 2013 إلى 2019 ضخ استثمارات هندية بقيمة 988 مليون دولار في مشروعات اقتصادية هامة داخل المغرب، شملت صناعة السيارات وصناعة البلاستيك والمواد الكيميائية والبرمجيات، وهو ما ساعد في توفير ما يقرب من 8158 فرصة عمل للشباب المغربي.

ومع التقارب الحاصل في العلاقات المغربية الهندية، من المتوقع أن تزداد فرص الاستثمار داخل الاقتصاد المغربي كوجهة واعدة لضخ الاستثمارات، كما يمتاز الميزان التجاري بفائض لصالح المغرب؛ حيث بلغت الصادرات الهندية إلى المغرب خلال الفترة 2018 – 2019 نحو 680 مليون دولار، في حين بلغت الصادرات المغربية إلى الهند خلال الفترة المناظرة نحو 1.32 مليار دولار.

تطور نوعي

الخلاصة: تكشف صفقات السلاح المغربية الموقعة مع الهند عن تطور نوعي في العلاقات المغربية الهندية في إطار علاقات الشراكة التي أصبحت تجمع بين الدولتين لتمتد إلى التعاون العسكري، كما تكشف عن توجه الرباط نحو تنويع مصادر تسليح قواتها المسلحة؛ وذلك بغرض ألا يصبح المغرب تحت ضغط حلفائه التقليديين، كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

التعليقات (0)