- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مأمون الشناوى يكتب : دين الحب
مأمون الشناوى يكتب : دين الحب
- 28 مايو 2021, 3:11:15 م
- 878
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إطلالة الجمعة
الأنوارُ ساطعةٌ ، والأضواءُ مُبهرةٌ !!.
لكن مَبعثها ليست مَصابيحَ من صُنع البشر ، وإنما هالات من نور هبطت بها الملائكة ، وقبسٌ من وَهَجِ العرش فى غلالة أسدلتها على الحرم المكىّ الشريف ، والذى بدا خاليّاً من الحجيج والمُعتمرين ، اللهم حمامات بيض ترفرف فى رحابه وتلتقط حَباً لايدرى أحدٌ مَن الذي نثره !!.
وعلى مصطبة بجوار الكعبة ، يجلس شيّخ مَهيب حَفيل بادىّ السُمرة ، يلفّ رأسه بعمامة خضراء ، زائغ العينيّن مُهمل اللحيّة والهندام حتي تحسبه خارجاً لتوّه من بطن كهف أو من صحن غار عتيق ، تتوقد عيناه بعبقرية وذكاء حاد ، تكاد نظراته تخترق الحُجب ، وتنفذ إلى ماوراء المنظور ، ومابعد المرئى !!.
اقتربت منه حثيثاً حتى صرت قُبالته ، سلمت عليّه ، وسألته عمن يكون ، وعن سرّ جلوسه وحيداً إلى جوار الكعبة حيث لا أحد غيره ، أطرق برأسه بُرهة ثم رفعها وقال :
« أنا مُحىّ الدين بن عربى يابُنىّ ! »
ياللهول !!.
صرخت صرخةً رجّعت صَداها جبال مكة ، وجلست تحت قدميّه ، وتعلقت بطرف عباءته وأنا أقول :
« أحقاً سيّدى أنت ، أنت الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر إبن عربى ، المولود عام 558 هجرية ، صاحب الفتوحات المكيّة التى كتبتها فى أربعة آلاف صفحة ، تحوى 560 باباً فى سبعة وثلاثين مُجلداً ، وصاحب فصوص الحِكَم الذي هو أعظم كتب التصوّف الإسلامي على الإطلاق ، والذى ناقش العلاقة الثلاثيّة بين الله والكون والإنسان ، وأنت صاحب ديوان تُرجمان الأشواق !! » !!.
إبتسم الشيّخ الجليل وقال فى تواضع جمّ :
« بل كتبت 288 كتاباً آخرين قدمتها للبشرية عِلماً غزيراً وفكراً نافعاً ، رغم أن أزهركم الشريف مازال يرفض طباعة الفتوحات المكيّة تحت دعاوى مُضللة وجاهلة ! » !!.
خففت من وطأة غضب الشيّخ ، وسألته منتهزاً تلك الفرصة الذهبيّة :
« فما قولك فى الذات يا مولانا ؟! » !!.
قال واثقاً : « هناك فرق بين الذات والألوهية ، فالذات واحدة لاتعدد فيها ، ولاتجزئة ، ولا انقسام ، ولايمكن إدراكها بأية وسيلة ، أما الألوهية فهى تصور الأذهان للذات !! » !!.
ولم أدع الشيّخ يُكمل حتى نهضت منزعجاً وأنا أقول : « لكن هذا الفكر يؤخذ عليّك ياسيّدى ! » فلم ينشغل الشيّخ بما قلت واستمر فى تجلياته قائلاً : « مَن يَبنِ إيمانه بالبراهين لا يمكن الوثوق بإيمانه ، فاليقين لايستنبط بأدلة العقل ، وإنما يغترف من أعماق القلب ، فأنت مُحال أن تصل إلى الله بعقلك ، وإنما هو شعاع من نور يتسلل إلى سُويداء قلبك فينيره ويفك مغاليقه ويعمره باليقين ! »
ثم صمت الشيخ صمتاً كأنما غاب عن الوعى ، بعد لحظاتٍ سمعته ينشد هامساً :
لقد صار قلبى قابلاً كل صورة / فمرعى لغزلانٍ ، وديّر لرُهبانِ - وبيّت لأوثان ، وكعبة طائف / وألواح توراة ، ومُصحف قرآنِ - أدين بدين الحب أنّى توجهت / ركائبه ، فالحب دينى وإيمانى !! .
جاءت الأبيات كأنها واسطة العقد ، أو محل النقش والعلامة التى يختم بها الملك على خزائنه ، فكانت مسك الختام ، وصحت مردداً { وأنا معك يامولانا ، أدين بدين الحب } !!.