- ℃ 11 تركيا
- 10 نوفمبر 2024
ما ملامح النفوذ العالمي لكوريا الجنوبية كقوة متوسطة؟
ما ملامح النفوذ العالمي لكوريا الجنوبية كقوة متوسطة؟
- 8 يوليو 2022, 8:18:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عرض: صباح عبدالصبور
نشرت دار سبرينجر كتاباً حمل عنوان “دبلوماسية القوة المتوسطة الكورية ما بين القوة والشبكة”، للمحررَين “سونججو لي” و”سانجباي كيم”، في مايو 2022، وقد سلط الكتاب الضوء على دور كوريا الجنوبية باعتبارها قوة متوسطة في خضم التحول في موازين القوى العالمية في القرن الحادي والعشرين. وبتسليط الضوء على تركيز دبلوماسية كوريا الجنوبية على بناء التحالفات، ناقش الكتاب العوامل الهيكلية التي تشكل استراتيجية ودبلوماسية القوة المتوسطة، وقدم مجموعة من وجهات النظر حول مكانة كوريا في النظام العالمي الذي رآه الكتاب قيد التشكل من جديد.
فخ ثوسيديدس
تحدث الكتاب في البداية عما يُعرف بـ”فخ ثوسيديدس” لإسقاط هذا الأمر على حالة التوتر في شرق آسيا، وحدود الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى المتوسطة في حدوثه. ويتضح ذلك عبر ما يأتي:
1– افتراض “ثوسيديدس” حتمية الحرب بين القوى المتنافسة: طرح المؤرخ الأثيني ثوسيديدس ما سماه “فخ ثوسيديدس” للإشارة إلى حتمية الحرب عندما تهدد قوة عالمية جديدة قوة عظمى مهيمنة إقليمياً أو دولياً. وافترض ثوسيديدس أن الحرب البيلوبونيسية بين أثينا وإسبرطة كانت حتمية؛ بسبب مخاوف إسبرطة من تنامي القوة الأثينية.
2– تشكيك البعض في حتمية حدوث الحرب بين المتنافسين: في العصر الحديث، استخدم الكاتب الأمريكي جراهام أليسون المصطلح لأول مرة على خلفية الجدل المحتدم حول انتقال السلطة العالمية بين الولايات المتحدة والصين. ورغم اقتراب البلدين من “فخ ثوسيديدس”، لا يؤيد أليسون حتمية الحرب بينهما، ويشير إلى أنه يمكن للقوى العظمى أن تتجنب الوقوع في الفخ إذا نجحت في نزع فتيل التوتر المتصاعد بوعي وحذر لمنع الحرب الوشيكة.
3– محورية دور القوى المتوسطة في افتراض “ثوسيديدس”: أشار الكتاب إلى أن “فخ ثيوسيديدس” يتأثر أيضاً بالقوى المتوسطة “المؤثرة” التي تحدد مستقبل القوى الكبرى. وعلى سبيل المثال، اهتم ثيوسيديدس بتصرفات المدن “المتوسطة القوة” المحيطة بأثينا وإسبرطة. وقد اختار الكتاب التركيز على ثلاث حالات ثانوية فقط لتسليط الضوء على السمات المميزة لانخراط “القوى المتوسطة” في صراعات القوى المهيمنة، وهي مدن كورنث وميلوس وسيراقوسة. وقد اشتهرت كورنث بحرصها على تضخيم التوتر بين أثينا وإسبرطة في البداية. أما ميلوس فقد ادعت الحياد، ورفضت المفاوضات التي قدمتها أثينا، وهي المفاوضات التي كانت ستجنبها الحرب. ورغم أن سيراقوسة كان لديها صعوبات في إدارة وضعها في المنطقة، فإنها كانت تسعى إلى الهيمنة الإقليمية. وتمثل هذه المدن – بحسب الكتاب – قوى متوسطة بمعنى أنه كان لديها القدرة على لعب دور مستقل ومهم في التأثير على قرار اندلاع الحرب.
التوتُّر الآسيوي
أكد الكتاب أنه يمكن منع حدوث الحرب في منطقة شرق آسيا و”فخ ثوسيديدس” من خلال مجموعة من المقترحات يمكن استعراضها على النحو الآتي:
1– التشكك في أي محاولة للمبالغة بشأن تهديد الصين: وفقاً للكتاب، تساعد قراءة الصراع في اليونان بين أثينا وإسبرطة على فهم سياق شرق آسيا الذي يعاني من موقف مماثل حول مستقبل انتقال السلطة. ورغم أنه لا يمكن المقارنة بين إحدى المدن الثلاث السابقة وبين دولة معينة في شرق آسيا، فإن قراءة التاريخ من منظور القوى المتوسطة يسلط الضوء على العناصر التي يجب أخذها في الاعتبار من أجل إدارة التوتر في هذا المجال. إذ تنبه حالة مدينة كورنث إلى أن الرغبة المفرطة للقوة المتوسطة في تقوية موقعها قد تؤدي إلى تكثيف التوتر بين القوى الكبرى. ورأى الكتاب أن أخطر لحظة في شرق آسيا ستأتي عندما يجرؤ لاعب إقليمي معين على تقوية موقفه عن طريق تكثيف التوتر بين القوى الكبرى. ولذلك، دعا الكتاب إلى التشكك في أي محاولة محتملة من قبل لاعب إقليمي للمبالغة بشأن التهديد الصيني.
2– التعامل بحذر شديد مع تصرفات كوريا الشمالية: بحسب الكتاب، تعتبر كوريا الشمالية دولة مارقة غير عقلانية؛ لذلك يجب التعامل معها بحذر شديد عندما تدمج الادعاءات غير المنطقية بمطالبها المتعلقة باستقرار النظام، أو المسائل المتعلقة بالقومية. وتقليدياً، تعرف اليابان نفسها بأنها ممثلة لقوة الولايات المتحدة في شرق آسيا. فيما تؤكد كوريا الجنوبية صراحةً أنها عامل توازن في المنافسة الجارية. أما الصين فهي مهتمة بأن تصبح القوة المهيمنة على المستوى الإقليمي. ورأى الكتاب أنه لدى كل هذه الدول مشاكل مماثلة لتلك التي واجهتها سيراقوسة عندما سعت إلى هيمنة إقليمية ضد القوة الرئيسية في أثينا.
3– سحب يد واشنطن من المنطقة لصالح قوى الإقليم: أشار الكتاب إلى أن مشكلة انتقال الهيمنة تتعلق بمدى تحقيق القوة الإقليمية الجديدة الصالح العام الموثوق به لتحل محل القوة المهيمنة الحالية. وفي حالة شرق آسيا، يعد الهدف المشترك لنزع السلاح النووي في كوريا الشمالية اختباراً لمن يمكن أن يكون قوة مهيمنة إقليمية في المنطقة. فإذا حلت الصين المشكلة تماماً، اندثرت حجج الولايات المتحدة بدرجة كبيرة للتدخل في شؤون المنطقة.
4– ضرورة تقليل الصين من إظهار الغطرسة بالمنطقة: تعد الصين هي الأكثر نشاطاً في تطوير خطاب الهيمنة الإقليمية الجديد، وتأخذ هيمنتها كأمر مسلم به كما فعلت سيراقوسة، لكن إذا استمرت في إظهار الغطرسة في التعامل مع الأعضاء الإقليميين، فستفقد شرعية ترشيحها كقوة إقليمية مهيمنة. ووفقاً للكتاب، يجب أن يكون قادة القوى المتوسطة على دراية بأدوارهم في فترة انتقال السلطة الحالية، مع الاستفادة من السياق اليوناني.
القوة المتوسطة
رأى الكتاب أن طبيعة الدور الدبلوماسي لكوريا الجنوبية باعتبارها قوة متوسطة في منطقة شرق آسيا يتضح عبر ما يأتي:
1– التحرك عبر ما تُعرف بـ”الدبلوماسية الجماعية”: تختلف استراتيجيات شبكات القوى المتوسطة عن شبكات القوى العظمى؛ إذ إنه في حين يمكن تشبيه شبكات الأخيرة بشبكة العنكبوت، فإن شبكات القوى المتوسطة تشبه خلايا النحل. وباعتماد هذا القياس، يمكن تسمية دبلوماسية شبكة القوة المتوسطة “الدبلوماسية الجماعية”، أي السعي وراء القوة المنبثقة عن الجمع بين الفاعلين غير المتجانسين من خلال التحالفات التعاونية. ويكمن الاهتمام الرئيسي للقوة المتوسطة في نشر “دبلوماسية القوة الناعمة”. وفي هذا السياق، أطلقت سيول مجموعة متنوعة من السياسات التنموية والثقافية بغية استهداف أكبر عدد ممكن من المؤيدين، فضلاً عن عقد العديد من المؤتمرات الدولية، التي قد تسلط الضوء على القضايا الأمنية الحاسمة في المنطقة، مثل التهديد النووي لكوريا الشمالية.
ومن جانب آخر، أكد الكتاب أنه يتعين على سيول أن تكون حذرة حتى لا تضع نفسها في وسط المنافسة بين القوى العظمى. وفي هذه الحالة، يمكن أن يكون المرشحون الأساسيون لدعم دبلوماسيتها الجماعية اليابان وروسيا بوصفهما دولتين مجاورتين. كما يتعين عليها بذل جهد للحصول على دعم البلدان البعيدة جغرافياً، ومحاولة إنشاء شبكة ملائمة حول نفسها.
2– الانخراط ضمن مجموعة “ميكتا” لتعزيز المكانة: بحسب الكتاب، ترتبط القوة الدافعة لدبلوماسية القوى المتوسطة ارتباطاً وثيقاً بإدراك تلك القوى المتغير لأدوارها ومكانتها من أجل إبعاد نفسها عن الدبلوماسية التقليدية. وتمثل دبلوماسية مجموعة “ميكتا”MIKTA – بين المكسيك وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتركيا وأستراليا – محاولة لإعادة صياغة أدوار القوى المتوسطة للانخراط في دبلوماسية تعزيز المكانة، لكن حتى الآن حققت ميكتا إنجازات متواضعة، كما تواجه بعض التحديات في المستقبل.
وأشار الكتاب إلى أن عدم التجانس بين دول ميكتا من شأنه أن يشكل عقبة خطيرة في طريق توحيد مواقفها بشأن القضايا الجوهرية. ومع ذلك، دعا الكتاب إلى عدم التركيز على مسألة القواسم المشتركة، وبدلاً من ذلك يجب أن تأخذ دول ميكتا زمام المبادرة في إيجاد طريقة لرفع مستوى التعاون عبر الإقليمي، وأن تلعب دوراً أكثر نشاطاً في الحفاظ على زخم التجارة الحرة والتعاون الاقتصادي، وتقديم أفكار حول كيفية التأثير الإيجابي على الحوكمة العالمية دون إلغاء مبدأ النظام الدولي الليبرالي.
3– تعزيز الدور الدبلوماسي عبر التطور الديمقراطي: اقترح الكتاب نموذجاً للعلاقة بين الديمقراطية ودبلوماسية القوى المتوسطة في السياسة العالمية؛ حيث رأى أن المكونات الرئيسية لدبلوماسية القوة المتوسطة مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالسياسات الديمقراطية في الداخل، من حيث تفضيل التعددية القطبية، والمؤسسات المتعددة الأطراف، والنظام القائم على القواعد. وفي هذا السياق، ركز الكتاب على دراستي حالة، هما دبلوماسية القوة المتوسطة في كوريا الجنوبية منذ تبنيها النموذج الديمقراطي في عام 1987 وفي تركيا خلال الفترة 2002–2018.
وأوضح الكتاب أن دبلوماسية القوة المتوسطة في هاتين الديمقراطيتين شهدت صعوداً وهبوطاً اعتماداً على مستويات التطورات الديمقراطية في الداخل؛ إذ تُظهر الدراسات أن كوريا الجنوبية كانت قادرة على توسيع نطاق دبلوماسيتها من الاحتواء الضيق لكوريا الشمالية إلى مشاركة أكثر نشاطاً للعلاقات الدولية الإقليمية؛ لأنها عززت سياستها الديمقراطية. ووفقاً للكتاب، فإنه في المقابل ابتعدت تركيا عن ممارساتها دبلوماسية القوة المتوسطة عند تراجع نموذجها الديمقراطي؛ لذا تقدم الحالتان مثالاً حياً يمكن أن تكون فيه الديناميكيات الكامنة وراء دبلوماسية القوة المتوسطة مدفوعة إلى حد كبير بالسياسات المحلية؛ أي مستويات التطور الديمقراطي.
مجالات الانخراط
استخدم الكتاب نظريات الشبكة لشرح دور وموقع القوى المتوسطة في النظام الدولي، واستكشاف كيفية تأثير هذا الوضع الهيكلي على قدراتها على لعب أدوار ذات مغزى. ولفت الكتاب إلى أن هناك ثقوباً هيكلية داخل الشبكة في المنطقة، يمكن أن تمنح القوى المتوسطة دور الوسيط، فضلاً عن مزايا خاصة مقارنةً بالفاعلين الآخرين. وأشار الكتاب إلى بعض المجالات التي تحتوي على ثقوب هيكلية ناتجة عن المنافسة الهيكلية بين واشنطن وبكين، ويمكن أن تستفيد منها سيول، وهي:
1– بعض قضايا الأمن غير التقليدية: يمكن أن تغتنم كوريا الجنوبية الفرصة لاستغلال الثغرات الهيكلية في بعض قضايا الأمن غير التقليدية، مثل الأمن السيبراني والطاقة الذرية والأمن البيئي، التي تتنافس فيها بكين وواشنطن حول آلية الحوكمة. ولفت الكتاب إلى أنه يمكن لكوريا الجنوبية أن تنخرط بقوة في هذه المجالات. وقد أفرد الكتاب مساحة واسعة للتنافس بين واشنطن وبكين في مجال الفضاء الإلكتروني والأمن السيبراني، ورأى أن نجاح أو فشل المنافسة بين بكين وواشنطن في مجال الأمن السيبراني، وأشباه الموصلات، والهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر العملاقة، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والتجارة الإلكترونية، سوف يحدد مستقبل التفوق في السياسة العالمية للقرن الحادي والعشرين.
ويعتقد الكتاب أنه يتعين على كوريا الجنوبية اتخاذ تدابير منهجية مع تنفيذ السياسات اللازمة وإعادة ترتيب المؤسسات القائمة، كما يتعين عليها البحث عن أدوار استراتيجية في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، كما يجب عليها النظر في موقعها الهيكلي، واتخاذ إجراءات للأمن والازدهار باعتبارها قوة متوسطة. ورجح الكتاب أن يوفر هذا الوضع لكوريا الجنوبية فرصة ذهبية لتعزيز نفوذها باعتبارها قوة متوسطة عبر الدور الدبلوماسي الذي يمكن أن تقوم به.
2– مدخل مساعدات التنمية الرسمية: يمكن أن تمثل مساعدات التنمية الرسمية مدخلاً جيداً لكوريا الجنوبية للعب أدوار اقتصادية محورية باعتبارها قوة متوسطة. ويبدو أن سيول نجحت في إظهار نفسها كدولة مانحة وداعمة للدول النامية بين النموذج الغربي للحكم الرشيد والنموذج الصيني للمساعدات غير المشروطة.
3– التنافس الخاص بحوكمة الإنترنت: يتنافس نموذجان بشأن حوكمة الإنترنت، وهما نموذج “أصحاب المصلحة” الذي تقوده واشنطن، والنهج التنظيمي الحكومي الدولي المدعوم من الصين والدول النامية، وهو ما يوفر لكوريا الجنوبية فرصاً للعب أدوار الوساطة الحاسمة.
4– تسوية نزاع بحر الصين الجنوبي: رغم أن كوريا الجنوبية ليست دولة ذات صلة مباشرة بنزاع بحر الصين الجنوبي، فإن لديها بعض المصالح المهمة المتصلة بهذه القضية؛ فبالنسبة إلى سيول، يعد بحر الصين الجنوبي طريقاً هاماً للنقل البحري يمر عبره 30% من صادراتها و90% من الطاقة التي تستوردها. وفي ضوء ذلك، فإن تسوية هذه النزاع أمر سينعكس على نحو إيجابي على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لكوريا الجنوبية. كما تربط هذه القضية كوريا الجنوبية بمستقبل العلاقات الصينية الأمريكية؛ إذ إن نزاع بحر الصين الجنوبي ليس خلافاً على السيادة فقط، بل نزاع صيني أمريكي على الهيمنة أيضاً. ولذلك، أشار الكتاب إلى أن كوريا الجنوبية في وضع يصعب فيه الهروب من هيكل المنافسة الاستراتيجية بسبب طبيعتها الجيوسياسية، بجانب طبيعة القضية النووية الكورية الشمالية.
وختاماً، أشار الكتاب إلى أنه في العديد من الحالات كانت كوريا الجنوبية تحت ضغط الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، مؤكداً أنه لم يعد بإمكان سيول الاعتماد على ردود مرتجلة في الخطاب الدبلوماسي مثل “الأمن مع الولايات المتحدة”، و”الاقتصاد مع الصين” أو “الدبلوماسية المتوازنة”. وشدد الكتاب على أنه يتعين على كوريا الجنوبية أن تتوقف عن هذا النهج وأن تصوغ استراتيجية شاملة تكفل لها مصالحها. ونوه الكتاب بأنه على المدى الطويل، فإن سيول تحتاج أيضاً إلى تأمين مكانتها ودورها باعتبارها قوة متوسطة، بدلاً من الحفاظ على توازن هش بين بكين وواشنطن. ولفت الكتاب إلى ضرورة بذل كوريا الجنوبية جهوداً لتوسيع مجالها ومساحتها الدبلوماسية المستقلة، مع السعي إلى خلق آليات تعاون مع القوى المتوسطة الأخرى.
المصدر:
Seungjoo Lee and Sangbae Kim, Korea’s Middle Power Diplomacy: Between Power and Network, (Springer, May 17, 2022).