- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب ..اجتهادات و رؤى حول بعض آيات القرآن الكريم
مجدي الحداد يكتب ..اجتهادات و رؤى حول بعض آيات القرآن الكريم
- 17 أبريل 2021, 4:13:50 ص
- 823
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
اجتهادات ورؤوى حول بعض آياي القرآن الكريم
أعتقد أن واحدة من معجزات القرآن الكريم العديدة ــ والتي قد نعلم بعضها فقط إلى الآن ولا نلم بجلها حصرا ــ هو أن كل قراءة له بواسطة أي فرد من الأفراد يمكن أن يخرج به بصور ورؤوى أو لطائف مختلفة عن أي فرد أخر . فلا غرو إذن من تعدد تفسيرات القرآن الكريم ، وحيث يقال إنها قد وصلت إلى الآن ، أو حتى تجاوزت ، المائة تفسير ــ والله ورسوله أعلم .
ولا يمكن أن تكون تلك التفاسير ــ حاش لله ــ مناقضة لبعضها البعض بل هي مكملة لبعضها البعض حتى تعطينا في النهاية صورة قد تكون مكتملة أوشبه مكتملة ــ والكمال لله وحده ــ حول حدث معين أو واقعة معينة أو حول واحدة من القصص القرآني .
ليس هذا فحسب ؛ بل أن حتى في كل قراءة جديدة بواسطة الفرد الواحد يمكن أن يخرج منها ، وفي كل مرة ، بصور ، أو لطائف ، أومفاهيم مختلفة عن المرة السابقة ، ومن غير تناقض ــ حاش لله ــ أيضا وكما أسلفنا . وكل هذا يمكن أن يفضي ، وفي نهاية المطاف ، إلى تجميع أجزاء صورة أو تصور معين حول موقف أو حدث أو قصة معينة من القصص القرآني المتعدد في كتاب الله الكريم .
وعظمة هذا الدين أنه ليس كهنوت ، ومن ثم فليس تفسير ، أو حتى الإجتهاد حول تفسير آية من آياي القرآن الكريم ، حكرا على أحد ؛ سواء كان هذا الأحد شخص معنوي أو إعتباري ، ولنا مثلا في كثير من علماء الغرب والشرق ، والذين أزهولنا بما خرجوا به من حقائق علمية تحدث عنها القرآن منذ أكثر من 1400 عام حفزتهم على إعتناق هذا الدين وحسن إسلامهم ، مثال طيب وبرهان ساطع كما يقولون .
وأحيانا تكون نفحات الشهر الكريم من العوامل المساعدة أو المحرضة على الإجتهاد في تصور معنى أو لطيفة معينة في آية أو أخرى من آياي القرآن الكريم ربما لم يلتفت لها بمزيد من الإهتمام من قبل ، أو لم ينظر إليها من نفس الزاوية .
وإذا تأملنا قوله تعال : " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [ البقرة : 268 ]
فمن المعتاد مثلا ، و في حياتنا العملية إننا ننتظر النتيجة ــ أي نتيجة ــ بعد إنجاز عمل معين قمنا بأداءه . وعلى قدر الأداء ، أو جودة العمل تحدد النتيجة ، لكن لا يمكن مثلا أن نطالب بأجر عمل لم نقوم به ، أو نتوقع جزاء على مخالفة لم نقم بها .
لكن في هذه الآية الكريمة عاليه ، ومن كرم الله سبحانه وتعال ، إنه حدد لنا سبحانه وتعال ــ ويمكن أن يتكرر ذلك المشهد في العديد من السور والصور الأخرى ، وسواء كان ذلك في شكل ثواب أوعقاب ــ ما ينتظرنا من جزاء إذا ما نحن أقدمنا على عمل نهانا عنه الله سبحانه وتعال ، والذي هو هنا ؛ الفقر ؛ وعلى يد الشيطان وذلك إذا إنساقنا لوساوسه والتي يحض فيها ويحرض على معصية الله وترك طاعته .
وهذا بخلاف ما هو متعارف عليه مثلا حتى بالنسبة للطالب الذي ادى إمتحان معين في أي مادة من المواد ، فإنه لا يمكن أن يعرف النتيجة قبل تصحيح ورقة الإجابة ، لكن في هذه الآية الكريمة ، ومن كرم الله سبحانه وتعال إنه بين لنا كل شيء ، ليقيم علينا سبحانه وتعال علينا الحجة ، وكذا كل من وصله هذا الأمر بعدئذ : " الشيطان يعدكم الفقر " ، فلا تنساقوا له ؛ لماذا ..؟ ، لأنه يأمركم بالفحشاء ..!
وما عقاب الإنصياع لفحشاء الشيطان وليعاذ بالله ..؟ ، الفقر ..!
إذن عظم الحدث يكون مقدما عمن سواه ، والله ورسوله أعلم .
ولذا فسنجد في آية أخرى أمرا قد يبدو مختلفا ، لكنه في غاية الإتساق طبقا ، وتبعا ، لعظم الحدث ، وذلك في الآية الكريمة ، وفي قوله تعال : " وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا " [ الإسراء – 32 ]
فقال سبحانه وتعال ؛ " لا تقربوا الزنا " ، وقدم سبحانه هنا البلاء ، وليس النتيجة ، وكما في الحالة السابقة ، وذلك لعظم الحدث ــ وحيث اجتمع في الحالة السابقة كل من عظم الحدث ؛ وهو الشيطان الرجيم وغوايته ونتيجة الخضوع له ــ والذي هو هنا ، وفي هذه الاية ، الزنا وليعاذ بالله . وبعد التحذير منه ، التقرير ، أو النتيجة بأنه ؛ " كان فاحشة وساء سبيلا " .
وقبل الإسترسال يجدر أن نقف قليلا حول قوله تعال ؛ " لا تقربوا الزنا " ؛ بمعنى أن لا تتطرقوا حتى إلى مفاتحه وليس إلى الممارسة الفعلية وليعاذ بالله . ومفاتحه هنا هي إمعان النظر فيما حرم الله سبحانه وتعال ، أو النظر بشهوة ، ثم البحث أو التطرق وتكرار الولوج إلى مثل تلك الأبواب ، والتي قد توقع في نهاية الأمر ، وليعاذ بالله ، فيما نهانا عنه سبحانه وتعال ، والله ورسوله أعلم .
وفي نهاية الآية يقول سبحانه وتعال : " ... إنه كان فاحشة وساء سبيلا "
وقبل ذلك قال تعال : " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ " [ البقرة : 268 ]
إذن فأثم الزنا هو الفحشاء ، ومرتكبها موعود بالفقر ، وليعاذ بالله ، وإن لم يكن في الدنيا ، ففي الأخرة ، والله ورسوله أعلم .
وهذا هو إذن مجرد إجتهاد العبد الفقير إلى الله حول بعض آياي القرآن الكريم ،
ونسأل الله العفو والعافية والنجاة في الدنيا والأخرة .