- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب :تصدير الثورة
مجدي الحداد يكتب :تصدير الثورة
- 28 مارس 2021, 2:22:36 م
- 950
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شاع مصطلح تصدير الثورة حقيقة ، وفي إقليمنا الشرق أوسطي بالذات ، في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979 ــ وإن كان موجودا من قبل ، وربما منذ الثورة الفرنسية عام 1798 ، ثم البلشفية عام 1917 ، ولكن ليس على هذا النحو ، وخاصة في إقليمنا الذي يجمع ــ شئنا أم أبينا ــ كل من الحضارات ، والحواضر العربية و الفارسية وحتى التركية المشتركة .
إذن فعندما قامت الثورة الإيرانية ، كان أول من تخوف منها وبادرها العداء ، كما ازدراها ، وحرض كما جاهر بعدائها ؛ هي هي نفس الأنظمة الرجعية المتصهينة بالمنطقة وعلى رأسها آل سعود حكام نجد والحجاز ، والذين اغتصبوا كما استبدلوا اسم الأراضي المقدسة والتاريخية باسم القبيلة أو عشيرتهم ؛ فأسموها ؛ السعودية . وكان وقتها الراحل الشيخ زايد آل نهيان هو من كان يحكم الإمارات ، وكان هذا الرجل حقيقة على قدر من الحكمة والكرم والسخاء تجاه مصر خاصة والقضية الفلسطينة وجميع قضايانا العربية عامة . كما كان يتميز رحمه الله بقدر كبير من الإعتدال وقبول الأخر ــ والذي هو هنا القبول بجوار وحتى مد يد الصداقة مع الثورة الإيرانية الفتية التي أزاحت حكم الشاه .
كما كانت الثورة الإيرانية في حقيقة الأمر عزاء لنا جميعا أمام خيانة وتخاذل السادت بتوقيعه إتفاقات كامب ديفيد ــ والتي ختمت نهاية مسرحية اكتوبر بنصر مؤزر لإسرائيل ، وعلى كل الصعد تقريبا ، وجنت منه كل ما خسرناه نحن ونكابده اليوم ..! ــ و التي رفضتها إيران بالمناسبة ، كما رفضت حتى الإعتراف بدولة الكيان ، وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة ..!
ومن جهة أخرى ، كان تحجيم الثورة الإيرانية ، لا القضاء عليها بثورة مضادة أخرى مطلبا حيويا للنظام الإمبراطوري العالمي الجديد يتعارض ويتقاطع مع مطلب آل سعود بالقضاء تماما عليها ، و حتى إعادة حكم الشاه مرة أخرى ــ تماما كما حدث و أُنقلب على ثورة مصدق وبمساعدة المخابرات الأمريكية ، والتي أعادت الشاه مرة أخرى لحكم إيران ــ لكن غباء آل سعود لم يسعفهم بمعرفة تغير قوانين اللعبة في المنطقة . وربما رسمت الخطة على أساس مسايرتهم لحلبهم ، وباعتبار إنهم هم من سيمولون ــ كالعادة ..! ــ إسقاط الثورة الإيرانية ، ومن هنا ، وباختصار ؛ اندلعت الحرب العراقية الإيرانية ، والتي انتهت ، وبكل أسف ، بتدمير العراق الآن واستشهاد صدام حسين ، وإفلاس جل الدول الخليج تقريبا ؛ واستمرت إيران ، كما استمرت الثورة الإيرانية ..!
ومع إنقلاب الزمان ، و تبدل الأحوال ، وسيطرة القطب الواحد ، وسيادة العملاء والأقذام وتحكمهم وتمكنهم من رقاب شعوبهم في المنطقة ــ وبمساعدة ومساندة ودعم حيوي ورئيسي من النظام العالمي الإمبراطوري الجديد بطبيعة الحال ــ فقد إنمحى تماما من القاموس السياسي الجديد ــ وربما من الذاكرة أيضا ــ شيء اسمه تصدير الثورة . وربما أدركت الصين ذلك ، وفي وقت مبكر جدا ، وأعلنت إنها لا تسعى حتى إلى تصدير النموذج الصيني لأي مكان في العالم ، ولذا فقد وجدت قبولا واستحسانا وحتى رواجا ، وإلى الآن ، لكل شيء صيني ؛ من الثقافة الكنفوشيوسية حتى البضائع الصينية ..!
كما لجأت إيران مؤخرا ، ولكي تنال ثقة جيرانها من العملاء العرب ، بأنها لا تسعى إلى تصدير ثورتها إليهم ولا لأي مكان بالعالم .
إذن فلقد أُزيل تماما من العالم ــ وربما في هذه الحقبة بالذات التي نعيشها ــ مفهوم تصدير الثورة ، فضلا عن الثورة ذاتها ، ولكن ، وبكل أسف وأسى ، فقد حل محلها تصدير الثورة المضادة ..!
ولكن إن كان الأمر يبدو وكأنه إنقلاب على القيم ، وهدم وسحق لروح الإنسان والأمم ، فلا يمكن إعتباره إنقلابا على التاريخ . لأن التاريخ يستوعب الحدث ولا يتماهى معه إذا كان خارجا عليه ، ولكنه سوف يلفظه ــ وربما حتى يسحقه ــ في الظرف التاريخي الأنسب .
ولكن إلى أن يقول التاريخ كلمته ؛ فأقسى ما لا يتحمله أي ضمير إنساني ؛ أن يرى ويسمع من يتبجح اليوم ــ ولا يمكن أن يتجرأ بفعل ذلك إلا بضؤ أخضر من أسياده بطبيعة الحال الذين يحركونه من خلف ستار النظام الإمبراطوري العالمي الجديد ــ بأنه مستعد لبيع خدماته ، أو ثورته المضادة ، لدول الجوار ، أو بالأحرى لكل من يدفع ..!