مجدي الحداد يكتب: هوليوود والفلسفة

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 4 يونيو 2024, 3:36:38 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شاهدت منذ حوالي أسبوع فيلم أمريكي بعنوان Acts Of Vengeance، أو أفعال الانتقام.والفيلم بطولة الممثل المعروف انطونيو بانديراس، وقد أُنتج في العام 2017.

ويحكي الفيلم عن جريمة مفاجئة وقعت لزوجة وابنة المحامي فرانك فاليرا ــ والذي لعب دوره باندرياس. ويعيش الزوج ظروف صعبة نتيجة فقد زوجته وابنته. ويتعرض لطعنة في ساقه من قبل إحدى العصابات، أثناء تسكعه بالشوارع هائما على وجهه. وأثناء هروبه من تلك العصابة يعثر على كتاب ملقى في الشارع -أو في قمامة ملقاة في الشارع- وهو كتاب: "التأملات" للمفكر والفيلسوف الروماني المعروف ماركوس أورليوس.

وهنا يجب أن نقف قليلا عند المؤلف والكتاب.

أما عن الكتاب:

فهو عبارة عن سلسلة من الملاحظات الخاصة، أو التأملات الشخصية، والتي كتبها الامبراطور الروماني ماركوس أورليوس، وذلك بين عامي 161، و180 ميلادية. وهو متاح الآن بصيغة الـ PDF على الإنترنت.

والمفارقة الغريبة هنا انه قد سجل تلك المذكرات، أو الملاحظات الخاصة، أو التأملات، لنفسه. ولم يكن، من ثم، يرغب في إطلاعها على أحد، فضلا عن نشرها -بعد وفاته طبعا- وحيث قد ذاع صيتها، وانتشرت في كل مكان في العالم تقريبا، وذلك لعدة أسباب منها بساطة عرضها، وسهولة عباراتها، وكذا صدقياتها، ومصداقياتها، وملامستها وجدان ونبضات ومشاعر أي إنسان على وجه البسيطة.

فكانت تأملات أورليوس إذن، وبحق، عابرة للحدود، والزمان والمكان. وكانت سابقة لعصرها، وليست مواكبة لها، أو وقفا عليه ووفقا له.

وتندرج تلك الملاحظات، أو التأملات ضمن ما يسمى بالفلسفة الرواقية.

وتأملات أورليوس عبارة عن إثنا عشر ملحوظة أو تأمل. وقد كتبها باللغة اليونانية القديمة ــ وهي اللغة الإغريقية العامة من الحقبة الهلنستية، وحتى العصر الرومي الإمبراطوري.

وقد كتب تلك التأملات، أو المذكرات، لكي تذكره دائما بالمبادىء العامة التي يجب أن يسير عليها كإمبراطور روما من ناحية ، وكإنسان عادي من ناحية أخرى.

وتتضمن أفكاره الرواقية عدم الانغماس في المشاعر العاطفية، وهي مهارة تحرر المرء من آلام وملذات العالم المادي.

وأما عن المؤلف:

فهو ماركوس أورليوس أنطونينوس أوغسطس (121 م - 180 م)، وهذا يعني أنه قد توفى وعمره حوالي 59 عاما تقريبا.

وهو باختصار فيلسوف رواقي، بجانب كونه الامبراطور الروماني السادس عشر، وذلك في الفترة من 161 م وحتى وفاته في العام 180 م. وهو كذلك خامس الأباطرة الأنطونيين، وهو أيضا والد الامبراطور كومودوس.

نعود إذن مرة أخرى إلى الفيلم، فبعد أن هاجمت العصابة فرانك فاليرا، وطعتنه في ساقه، كما بينا ، فاثناء هروبه منهم ، وعثوره على كتاب التأملات، فحاول أن يضع الكتاب على الجرح -وهنا يجب أن ننتبه إلى تلك الرمزية الذكية، سواء من كاتب السيناريو أو مخرج الفيلم، أو الاثنين معا- وذلك لوقف النزيف، فوقع نطره على الصفحة التي وضعها على الجرح -وهنا تبدو مرة أخرى روعة الإخراج ، وحرفية الدراما وحبكتها- وكانت تلك العبارة التي ظهرت على الشاشة:

 "Punish only who has committed the crime".

يعني عاقب فقط من ارتكب الجريمة، ولا تتوسع في عملية الانتقام، كأن تهدم بيت أسرته، أو لا تعتقل أبوه أو أمه أو أقاربه أو اشقائه أو شقيقاته، وتأخذهم عندك رهائن، حتي يأتيك راغما و طواعية. وهذا في حال المجرمين، فما بالنا بغير المجرمين والذين يعاملون أحيانا معاملة أسوا من المجرمين أنفسهم، وحيث قد يخرج الأخيرون مثلا بعفو رئاسي، بينما يظل المصلحين قيد الاعتقال!

وكانت تلك العبارة السابقة قد تلطخت تماما بدماء فاليرا، وباللون الأحمر القاني.

ويبدو أن تلك العبارة بالذات شدت فاليرا، وأنسته تماما الوضع المذري الخطر الذي هو فيه، حتى انه قد أخذ معه كتاب التأملات إلى اليبت، وصار يقرأه على مهل وتؤدة، وتأمل، ونفس مطمأنة، وهو إذ ذاك تقع عيناه على العبارة:

"If something is possible for any other man its possible for you too".

يعني لا تستصعب شيئا، فإذا كان هناك شيء سهل لأي أحد فهو سهل لك أيضا.

وقد سبقتها عبارة أخرى -ولكن بدرجة وضوح أقل، وهنا تلعب أدوات المخرج من درجات الإضاءة و"الزووم"، والتي استخدمها ووظفها بمهارة- تقول:

"If you  are delighted with what happens on the stage you should not be troubled with what happens on the larger stage called life".

يعني لو أُعجبت بما يحدث ويجري على المسرح، فلا يجب أن تضطرب لما يحدث على المسرح الأكبر والمسمى بالحياة.

وهذا يعني باختصار انه ليس من أهداف هوليود، وكما تعلن في كل إنتاجها ومنتجاتها من الدراما هو فقط مجرد التسلية Entertainments  أو التسرية، أو الترفيه، وذلك لأنه هناك بالفعل العديد من الأفلام، والأعمال الدرامية التي تحمل رسائل خاصة، وموجهة، وهناك من ناحية أخرى العديد من الأفلام التي تحمل قيما إجابية -كفيلمنا هذا، والذي نحن بصدده، وعرضه واستعراضه لتأملات فيلسوف رواقي شهير، وعندما تعرض بطل الفيلم لمحنة كادت أن تقضي على حياته-كما أن هناك أيضا، وبالتوازي، العديد من الأفلام الأخرى التي تحمل قيما سلبية.

ولعله ليس من المصادفة أيضا أن يتوافق الأسم الثالث لأورليوس مع اسم بطل الفيلم ذاته أنطونيو باندرياس، والذي عرف في حياته الخاصة بالعزوف عن الملذات وما يصاحبها من فقدان الوعي.


* اعتمدنا على الموسوعة الإلكترونية الحرة "ويكيبيديا" كمرجع أساسي لهذا المقال.

التعليقات (0)