- ℃ 11 تركيا
- 18 ديسمبر 2024
محلل سياسي: لا بديل عن التفاوض مع حماس وعودة السلطة لقطاع غزة «وهم» إسرائيلي
محلل سياسي: لا بديل عن التفاوض مع حماس وعودة السلطة لقطاع غزة «وهم» إسرائيلي
- 14 ديسمبر 2023, 4:59:51 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ اليوم الأول في الحرب على غزة وتبحث إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عن بديل لقيادة قطاع غزة غير حماس، وعرضت إدارة القطاع على تحالف دولي ولكن الجميع رفض وعرضته على مصر وأيضًا مصر رفضت، ولجأت أمريكا إلى فكرة التحالف العربي ولكن هذا الاقتراح تم رفضه ولم يكن أمامهم حل غير السلطة الفلسطينية والذي يعتبرها البعض لا تستطيع حل مكان حركة حماس في القطاع.
«لا بديل عن التفاوض مع حماس» هذا هو العنوان الصادم بعد فشل كل المحاولات لإيجاد بديل عن حماس يحكم قطاع حماس.
وسلط أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف، ديفيد سيلفان، الضوء على دفع الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه إسناد إدارة قطاع غزة مستقبلا للسلطة الفلسطينية بعد "إعادة تنشيطها"، مشيرا إلى أن هذا المقترح تتواتر بعض تفاصيله في تقارير وسائل الإعلام الأمريكية.
وذكر سيلفان، في تحليل نشره بموقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" أن الاقتراح الأمريكي يمثل جزءاً من مجموعة الأدوات الدبلوماسية القياسية للقوى العظمى "التي تهدف إلى تمكين قوة ثالثة مفترضة كوسيلة للخروج من الكابوس السياسي والعسكري"، لكن "من المؤسف أن التاريخ يُظهِر أن سياسات القوة الثالثة هي في أغلب الأحيان مجرد أوهام وليست حلولاً".
وأوضح أن التاريخ يشهد بأن حلول أزمات كحرب غزة تتلخص في عقد صفقة سياسية مع الطرف المتحارب معه، أو قبول بالحرب إلى أجل غير مسمى، مشيرا إلى أن حل "القوة الثالثة" جرت تجربته قبل ما يزيد قليلاً على قرن من الزمان، عندما بحثت المملكة المتحدة، التي كانت تقاتل تمرداً في أيرلندا، عن تجمع سياسي يكون وسيطاً بين نظام الحكم المباشر، الذي فقد مصداقيته، وحزب "شين فين".
ولعدة سنوات، جرى إنشاء برلمان "أيرلندا الجنوبية"، ولكن تم التخلي عن الفكرة في نهاية المطاف ودعوة "إيمون دي فاليرا" من حزب "شين فين" بنفسه إلى لندن للتفاوض بشأن ما أصبح يعرف باسم الدولة الحرة.
وفي الجزائر، دعا الرئيس الفرنسي، شارل ديغول، متمردي جبهة التحرير الوطني إلى الاستسلام بشرف، وقدم نسخته من القوة الثالثة: جزائر "يحكمها جزائريون ولكن في اتحاد وثيق مع فرنسا"، وبعد مرور عام ونصف، تجاهلت باريس هذا البديل لصالح المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني وحصول الجزائر على الاستقلال.
ويلفت سيلفان إلى قصص مماثلة للقوى العظمى الأخرى التي خاضت عمليات لمكافحة التمرد، مثل الروس في أفغانستان والهولنديين في إندونيسيا، ومع ذلك فإن تاريخ الولايات المتحدة يشير إلى أن تبحث عن قوة ثالثة لحل أزمة تواجهها، كما فعلت في كوبا في عام 1958، تحت شعار "لا باتيستا ولا كاسترو"، وفي إيران عام 1978، في إطار طرحها لفكرة "لا الشاه ولا الخميني".
طريق مسدود
ولذا فإن اقتراح عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة هو تتبع لمسار كثيراً ما تسلكه الولايات المتحدة، وهو مسار يصفه سيلفان بأنه "طريق مسدود"، لسبب بسيط للغاية: وهو أن القمع أو القتال الطويل، الذي يدفع صناع السياسة إلى البحث عن "قوة ثالثة" يجعل من المستحيل على تلك القوة تمثيل شرعية العدو الذي كانت القوة العظمى تحاربه.
وقد يفضل صناع القرار السياسي، لأسباب عديدة، مواصلة القتال بدلاً من التوصل إلى ترتيب سياسي مع أعدائهم، وفي هذا الصدد فإن "التلويح براية القوة الثالثة قد لا يكون علامة على السذاجة بقدر ما يكون وسيلة لمحاولة صرف انتباه الجمهور عن قرار مواصلة القتال"، بحسب سيلفان.
ويضيف أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية أن التفاوض مع الطرف المحارب يكون بنهاية المطاف هو المسار السلمين، وخير مثال على ذلك هو السياسة الأمريكية والإسرائيلية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بعد طرد الأخيرة من لبنان.
فقد كان التصور بعد رحيل رئيس المنظمة، ياسر عرفات، ورفاقه إلى تونس، أن القوة الثالثة آنذاك، وهي الأردن في عهد الملك حسين، ستصبح في قلب المحاولات الرامية إلى إيجاد سياسة فلسطينية، لكن تلك المحاولات انتهت، كما كان متوقعا، إلى طريق مسدود، ولجأ الإسرائيليون إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي المجموعة التي كانت تشريعات إسرائيل الاتصال بها.
وبصرف النظر عن فشل اتفاقيات أوسلو لاحقا، إلا أن الواقع يثبت أن الولايات المتحدة وإسرائيل أحرزتا تقدمًا عندما تخلصتا من وهم "القوة الثالثة" وأزالتا "لعنة التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية"، بحسب تعبير سيلفان، مؤكدا أن فكرة مقاطعة المنظمة الفلسطينية كانت دائمًا "مليئة بالثغرات"، إذ جرى دائما حفظ ماء الوجه بفضل المحادثات التي جرت عبر أطراف ثالثة.
ومع ذلك، وكبادرة سياسية، كانت الخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، بالتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، ذات أهمية رمزية، إذ لم تهز إسرائيل فحسب، بل كلفته حياته، وهي النتيجة التي كان من الممكن أن تحدث بسهولة لديغول في فرنسا أيضاً.
ويخلص سيلفان إلى أن السلام ببساطة "يتم بين الأعداء، وليس بين الأصدقاء"، مؤكدا أن المفاوضات يمكن أن تتم دون أي إشارة ضمنية إلى أن أحد الطرفين يثق بالآخر، أو يعتبره شرعياً من الناحية الأخلاقية، والمفاوضات بهذا المعنى "ليست مكافأة على السلوك الجيد" بالضرورة، حسب تعبيره.
القضاء على حماس حلم
ويشير سيلفان إلى أن البديل الوحيد للتفاوض مع حماس هو في مواصلة القتال، بهدف جعل غزة خالية من الحركة لتديرها السلطة الفلسطينية بعد تنشيطها، وهو حلم آخذ في التراجع، إذ يمكن للإسرائيليين القتال لأسابيع أو أشهر، أو حتى لسنوات، مع استمرار الولايات المتحدة في توفير الغطاء لهم، ويمكنهم قتل أو أسر أو نفي كل عضو في حماس، لكن ذلك لن يجعل السلطة الفلسطينية أقوى أو أكثر قدرة على إدارة غزة.
ويختتم سيلفان مقاله بخلاصة مفادها: "لقد حان الوقت لأولئك الذين يفتخرون بإحساسهم بالواقعية أن يواجهوا الحقائق ويسقطوا القوة الثالثة".