- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
محمد إبراهيم المدهون يكتب: شمعة تنير فلسطين .. في ذكرى الرحيل
محمد إبراهيم المدهون يكتب: شمعة تنير فلسطين .. في ذكرى الرحيل
- 16 يونيو 2022, 5:36:20 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في يوم الجمعة العاشر من يونيو من العام 2011م رحل الشيخ المربي محمد حسن شمعة, المولود في المجدل/عسقلان جنوب فلسطين بتاريخ 25 من أغسطس لعام 1935م، هاجر وأهله من مجدله وقد بلغ من العمر 13 عاما. أحد سبعة نالوا شرف تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس, ورئيس مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين, وقد اعتقل الشيخ الشمعة خلال الانتفاضة الأولى عام 1987م، وكان كذلك بالانتخاب رئيس مجلس شورى مبعدي مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992م لمدة عام كامل. وكان نائب رئيس مجلس أمناء الجامعة الإسلامية في غزة, ورئيس مجلس أمناء مدارس الأرقم, وقد عمل خطيبا متطوعا في مساجد غزة. وقد كان متزوجاً وله أحد عشر من الأبناء، خمسة أبناء وستة بنات. وعمل معلماً في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة من العام 1954 حتى العام 1996 حيث تقاعد عن العمل.
من المجدل استقر به الحال في مخيم الشاطئ للاجئين حيث أمضى محمد شمعة جل حياته. صاحب ذلك انطلاق الشيخ الياسين بدعوته من مخيم الشاطئ، مما منح الشمعة فرصة إضافية كي يصاحب الإمام الشهيد ومن ثم يكن جزءاً أصيلاً من النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين.
محمد شمعة ولد من رحم المعاناة الفلسطينية ومن مخيمات اللجوء انطلق في بيعته إلى الله تعالى حيث واجه كرئيس للشورى في جماعة الإخوان المسلمين تعقيدات دولية غاية في التقاطع وإن كانت في مجملها لا تخرج عن الإرادة الأمريكية التي قادت ضد شعبنا حصاراً دولياً مطبقاً في التشدد وموغلاً في الظلم.
منذ أن بدأ الشمعة تحركه كان ينطلق من فهمه أنّ الإسلام هو الرسالة التي ينبغي أن تسود الحياة, هذه المنطلقات تمثل الأسس التي يقيم عليها الشمعة معالم عمله في التحرك، كما يبيّنه في خطبه وتوجيهاته واجتماعاته, و تلك المنطلقات هي الأسس الصلبة التي يقيم عليها تصوراته للسياسة والمسيرة والعمل الإسلامي مؤثراً في كل ذلك المصلحة العامة والتمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية وملتصقاً بالجماهير وقواعد العمل الإسلامي.
كانت الانتفاضة الأولى محطة هامة في تاريخ الشمعة المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي. حيث كنت ألمح الشمعة مع إخوانه وأبنائه من أبناء جماعة الإخوان المسلمين يذكون جذوة المقاومة قبل انتفاضة 1987 وأثناءها. وقام الشمعة بنفسه بتنفيذ عدد من فعاليات المقاومة مما دفع الاحتلال إلى اعتقاله عام 1988 ومحاكمته, وكان خلال اعتقاله يمثل حقاً الأيقونة والميزان والمرجع وطائر العنقاء, وقد ساهمت هذه المرحلة من تعميق شخصيته ودرجة تأثيرها الهادئ.
وفي 1992 تم إبعاد أكثر 400 من الحركة الإسلامية إلى لبنان وكان الشمعة أبرز مبعدي مرج الزهور, كانت تجربة ثرية أكدت أن الشمعة مرجعاً وعنواناً و رمزاً ورئيساً كذلك لمجلس شورى المبعدين.. كما مثلت انتفاضة الأقصى وما صاحبها من المقاومة وما جسده الشمعة خلالها من عطاء في ظل قيادة الإمام الشهيد تجربة ثرية أضافت الكثير.
وعاش الشمعة في محطات كثيرة منها مطارداً رغم كبر سنه ولم يمنعه ذلك من المساهمة الفاعلة في استمرار مسيرة العطاء والفداء.
كانت أسلو وما حملت من بوادر صدام بين حماس و فتح (السلطة), وتأثر الشمعة بنيران تلك العلاقة المتوترة بين السلطة و حماس حيث مثل الشيخ صمام أمان للوحدة الفلسطينية واحتفظ باحترام رفيع وعلاقة جيدة بأقطاب فتح الذين عبروا بأكثر من طريق بمدى احترامهم لهذا الرجل الذي حرص كثيراً على إبقاء التناقض الرئيسي مع الاحتلال وضرورة الحفاظ على الدم الفلسطيني.
وشكل خروج الشيخ الياسين في العام 1997 بداية الاستنهاض مجددا, حيث الشمعة إلى جوار الإمام الشهيد في كل المراحل والمحطات. وبعد رحيل الشيخ ياسين و الرنتيسي كان الشمعة المؤسس مع إخوانه دوماً المرجع ورئيس مجلس الشورى المُنتخب في كل المراحل. و في ظل وقت عصيب وتكالب دولي على الشعب الفلسطيني يقود أبا الحسن مجلس شورى الإخوان المسلمين الذي يمثل أعلى هيئة في مؤسسات حماس والتي تقود مسيرة العمل الفلسطيني في مراحله المتباينة.
ومن هنا كان الشمعة تلك الشخصية "الهادئة الناظمة" المؤثرة التي ساهمت في ملأ غياب القيادة المؤسسة في حماس. علاوة على شعبيته الكبيرة في الشارع الفلسطيني، وعلاقاته المتميزة مع الفصائل الفلسطينية.
أكد القائد محمد شمعة خلال قيادته للحركة انه شوري بدرجة فائقة وأنه يحمل مشروع حركة قوية ذات أفق سياسي، وأنه لا يحيد عن السياسة العامة لحماس. وقد قاد شمعة حماس وترأس العمل لمرحلة الانتخابات وتم إطلاق قائمة "الإصلاح والتغيير" التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت يوم 25 يناير من العام 2006م بـ74 مقعدا, وبقي الشمعة في موقعه رئيساً للشورى.
الشمعة عُرف بين إخوانه بالتخطيط ولم يٌعرف بالصخب، وعُرف ببعد النظر دون الالتفات للتهريج أو اللغط والخصومة, وعُرف بالتواضع في مركزه القيادي المرموق، ولم يعُرف بالاستعـلاء. وعرفه إخوانه بصدق التوجه إلى الله وغرس البذور في حقل الله المثمر الذي تنبت السنبلة فيه سبع سنابل وأكثر. ومن هنا ظل الرجل على شموخه لا يطأطئ الرأس، راسخ لا يتزعزع مثل رواسي الجبال. الشمعة وإخوانه البداية التي انطلق من رحمها (حماس و القسام) ، فزلزلوا عرش الطواغيت وأعادوا بناء المعادلة.
الشمعة عرفته غزة المقاومة وضفة الفداء قائداً دعوياً تربوياً, اجتماعيا, وسياسياً في جماعة الإخوان حريصاً على الوحدة الوطنية. الشمعة المجدلاوي كان قدوة وأنموذج في حياته الزاخرة، فالشمعة المتواضع المعطاء الكريم الجواد النبيل الزاهد، عرفته مساجد و أسر وأزقة مخيم الشاطئ وقطاع غزة راعياً متفقداً وموجهاً, ومقدماً نموذجاً من عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في العمل التعبدي والتربوي والاجتماعي والخيري والإغاثي والجهادي، وما يصاحب ذلك من تواضع وتضحية وفداء, وكم كان الشمعة باراً بأهله مراعياً لحقوق جيرانه متفقداً لحال إخوانه وتلاميذه.
محمد شمعة الإنسان تلمسه في قسمات وجهه وابتسامته المشرقة وسلوكه الأخلاقي الدمث، و تواضعه الشديد وحرصه على صلة الرحم، والتشاور الدائم بعيداً عن التفرد، علاوة على حرصه على القراءة والمطالعة علاوة على سعة إطلاعه، وأكثر ما يميزه القدرة على صياغة المواقف الوحدوية, والقدرة على الحوار والإقناع, ساعده في ذلك حفظه أجزاء من كتاب الله تعالى. كما أنه سريع البديهة علاوة على تمتعه بذاكرة دقيقة وهدوء يْحسد عليه.
ليس غريباً أن يضفي الله من الهيبة على رجل شمعة مجاهد وهو الذي يعيش هموم شعبه وقضية أمته ويلتصق بجماهيره في تواضع جم وأخلاق عالية وتضحية كبيرة مما يرفع مكانته بين الخلق، ويدفع الشباب أن يلتفوا حوله، ويجعل المحتلين والمتخاذلين معاً يحسبون له ألف حساب. تعرف الجماهير الفلسطينية الشمعة القيادة والرأي والقرار والكلمة وليس غريباً أن يحظى برضا الرأي العام ألإخواني في كافة محطات التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الساحة الفلسطينية التي تضج بالتغيير, وأن تتابع رأيه قواعد حماس إذا همس بكلمة أو أومأ بإشارة لأنه صاحب الرأي الحصيف والقرار النافذ والكلمة المسموعة.
كنا على موعد مع كتاب سطر سيرة الشيخ الراحل الكبير ضمن سلسلة "قادة معاصرون" بحيث كان الكتاب على شكل التاريخ المصور وأن يحتوي على معلومات وصور جديدة ونادرة وشاملة للأحوال المختلفة للشيخ رحمه الله تعالى.
رحم الله الشمعة التي انصهرت لتضيء ملامح طريق المجد الذي تتضح معالمه يوماً بعد يوم
وإنا لله وإنا إليه راجعون