محمد دوير يكتب :السد الإثيوبي هوامش من التاريخ

profile
د.محمد دوير باحث فلسفي
  • clock 18 مايو 2021, 8:09:07 م
  • eye 663
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

السد الأثيوبي: هوامش من التاريخ

رغم ما يعتقده البعض من وجود أوجه تشابه بين الصراع العربي الاسرائيلي والصراع المصري الأثيوبي،

 فإن هناك نقاط اختلاف كبيرة وجذرية تجعل من معالجة الموضوعين وتناولهما مختلف عن الأخر..
 فالصراع العربي الاسرائيلي صراع ايديولوجي وثقافي وسياسي متعلق باحتلال مباشر لوطن عربي،

 ولن يتم حله سوي بانهاء هذا الاحتلال إن عاجلا أو آجلا.. بينما الصراع المصري الاثيوبي فهو صراع استحواذ علي جزء من مقومات الحياة،

 وأعني به مياه نهر النيل، واعتداء أثيوبيا علي حق المصريين في مياه اتخذت شرعية تاريخية وطبيعية.. وبناء عليه فالمعالجة ستكون مختلفة الي حد كبير.
هناك إرث تاريخي عميق في "مسألة النيل"، تكشف أن ما يحدث الآن من محاولة خنق مصر بمياه النيل ليست هي المرة الأولي،
ففي رحلة فاسكو دي جاما لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح ، وعندما ذهب الي بابا الفاتيكان للحصول علي بركته،

أشار إليه البابا بأن يذهب الي ملك الحبشة "المسيحي" ويبحث معه طريقة لقطع مياه النيل عن مصر التي كانت قد حققت نصرا في الحروب الصليبية عن طريق صلاح الدين..
وعندما احتل الايطاليون أثيوبيا فكروا بجدية في قطع مياه النيل عن مصر كنوع من محاربة أنجلترا وضرب مصالحها في مصر وهذا ما دفع الانجليز الي عقد اتفاقية 1929ـ لتأمين مصالحها في زراعة القطن .
وعندما قرر عبد الناصر بناء السد العالي خطب هيلا سلاسي في شعبه قائلا سنحول نهر النيل الي بحيرة أثيوبية،

 وكانت مصر الناصرية حريصة تماما علي عدم الاقتراب من نظام هيلا سلاسي الرجعي رغم دعمها لكل قوي التحرر الأفريقي،

 ادراكا من ناصر بأن اثيوبيا يجب معاملتها بطريقة مختلفة الي حد ما نتيجة طابع الاحتقان الموجود لديهم تجاه مصر، لأسباب مختلفة تاريخيا..
ثم ابتداء من السادات وحتي لحظتنا الراهنة تركت مصر القارة الأفريقية التي أصبحت في غير حاجة للدور المصري،

 بعدما تدخلت قوي كبري متعددة في الساحة الأفريقية.. فتجدد الحلم الأثيوبي – الذي قد يكون اثيوبيا خالصا أو اقليميا أو دوليا أيضا – من أجل الاستفادة من مياه النيل،

 وكذلك خنق مصر القادرة دائما علي استعادة قدراتها في لحظات ما من التاريخ.
 في ظل هذا الوضع التاريخي المرتبك، والمعقد، والمشحون طوال الوقت بالاحتقان،

 هل يجب علي مصر استخدام القوة مع دولة/ شعب لديه استعداد دائم وتاريخي لشيطنة المصريين ؟ السؤال الآخر،

 هل حالة مثل هذه الحالة بين البلدين يمكن للدبلوماسية طويلة المدي أن تعلب دورا في نسج أو اعادة النظر في العلاقات التاريخية والثقافية والسياسية بحيث تصبح مياه النيل في مأمن ؟
ما بين النزعة القتالية في الحل، والتوجهات الدبلوماسية طويلة المدي يقف الشعب المصري منتظرا كيف يمكن حل تلك القضية التاريخية والوجودية..
ويبدو لي أن أصعب أنواع الأسئلة تلك التي تطرح عليك في أزمنة غير مناسبة، وضيق الوقت،

وضيق آفاق الحل، تجعل الكثيرين يفكرون بطريقة هدم المعبد علي الجميع، وكأننا نصادر اليوم علي حقوق الاجيال القادمة ، 

ونطلب ضمان حل مشكلة السد اليوم، وعلي الأجيال القادمة أن تحل مشكلاتها هي بطريقتها..
مرة أخري.. أقول: الحل العسكري تعبير عن فشل دبلوماسي، والحل العسكري سيؤجل المشكلة للأجيال القادمة،

 والحل العسكري سيزيد من حالة الاحتقان التاريخي، والحل العسكري سيقابله حلول من نفس الجنس، ونخسر معركة المياة الي الأبد..
نعم.. نحن أمام اعتداء من أثيوبيا علي مياه النيل أو علي الأقل حصتنا التاريخية،

 ونعم نحن لسنا ضد حق أثيوبيا في التنمية..ولكن الحروب إما أن تنهي المشكلة أوتبدأ المشكلة بمقومات أخري..

 وأخشي – لأسباب كثيرة – أن تعتبر الضربة العسكرية بداية انزلاق مصر في وحل لا نهاية له.

التعليقات (0)