محمد سيف الدولة يكتب : بين الرواية الفلسطينية والرواية الاسرائيلية

profile
محمد سيف الدوله مفكر سياسي
  • clock 27 يونيو 2021, 3:10:20 م
  • eye 903
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ عام 1993 وهناك روايتان عن الاتفاقيات الفلسطينية الاسرائيلية المشهورة باسم اوسلو، رواية فلسطينية وأخرى صهيونية:

اما عن الرواية الفلسطينية ومع افتراض حسن النوايا، فتقدمها لنا جماعة السلطة، وتروج لها الانظمة العربية وخلاصتها:

ان التسوية مع (اسرائيل) هى الممكن الوحيد فى ظل موازين القوى الدولية الحالية، خاصة بعد انسحاب الدولة المصرية من الصراع بعد اتفاقيات كامب ديفيد، ومع سقوط الاتحاد السوفيتى، وانفراد الولايات المتحدة بالعالم.

  وان حلم تحرير "كامل" التراب الفلسطيني غير واقعي وغير ممكن.

وان الممكن الوحيد هو الحصول على دولة فلسطينية كاملة السيادة فى الضفة الغربية وغزة، عاصمتها القدس الشرقية، خالية من اى مستوطنات اسرائيلية، مع التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينين.

  وان الطريق الوحيد لذلك هو التفاوض السلمي، فالمواجهة العسكرية مع (اسرائيل) هى عملية انتحارية، ولن تؤدى الى شىء.

 ولكي تقبل (اسرائيل) قيام دولة فلسطينية، فلابد من الاعتراف بشرعية وجودها، والتنازل لها عن فلسطين 1948، ونبذ العنف والمقاومة، وتوحيد الصف الفلسطينى تحت قيادة السلطة الفلسطينية، فهى الطرف الوحيد الذي تعترف به (اسرائيل) والمجتمع الدولى وتقبل التعامل معه.

 وان خروج فصائل المقاومة عن شرعية السلطة وشرعية اوسلو، يضعف من موقفها التفاوضى ويعيق تحقيق الحل النهائى.

 وانه إذا توفرت هذه الشروط، فانهم قد يحصلون على دولة فلسطينية ان عاجلا ام آجلا.

ولكن لابد اولا من ترتيب الوضع الامنى الفلسطينى بما يطمئن (اسرائيل).

وان هذا اقصى ما يمكن ان يحققه الجيل الحالى، وعلى من لا يقبله ان يعتبره حلا مرحليا ومقدمة للحل النهائى المتمثل فى تحرير كامل التراب الفلسطينى، وهي مهمة الاجيال القادمة عندما تتغير موازين القوى الى الافضل.

اذن خلاصة الرواية الفلسطينية: ان اوسلو هى اتفاقيات تحرير هدفها الرئيسى هو اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 فى الضفة الغربية وغزة، مع بعض الاستحقاقات الامنية لطمأنة (اسرائيل).

اما عن الرواية الصهيونية التى يرددها قادة الكيان ليلا نهارا فخلاصتها:

ان فلسطين هى ارض (اسرائيل) التاريخية منذ 3500 عاما، بالاضافة الى يهودا والسامرة!

 وهى أرض يختص بها الشعب اليهودى وحده.

  ولذلك ان دولة (اسرائيل) هى بالضرورة دولة يهودية.

  وان الرفض العربى والفلسطينى للاعتراف باسرائيل هو أصل المشكلة.

  وان على كل الفلسطينيين ان يعترفوا باسرائيل، وبحقها فى ارضها التاريخية.

وان ينزعوا سلاحهم فورا نزعا كاملا ونهائيا ودائما.

 وان هذه هى المهمة الرئيسية وربما الوحيدة للسلطة الفلسطينية؛ مهمة تصفية الارهاب (المقاومة) ونزع السلاح الفلسطينى، ودفع كل الفلسطينيين الى الاعتراف الفعلى باسرائيل. والكف عن الحديث عن فلسطين 1948.

بعد ذلك فقط وليس قبله، يمكن الحديث عن دولة فلسطينية ما، منزوعة السلاح، منزوعة السيادة، لاسرائيل السيطرة على اوضاعها الامنية، وعلى علاقتها الخارجية، وعلى مجالها الجوى وعلى مياهها الاقليمية وعلى حدودها وعلى جور الاردن وعلى كل ما من شأنه تهديد أمنها.

مع العلم بان القدس الموحدة (غربية وشرقية) ستظل دائما عاصمة لاسرائيل، والمسجد الاقصى الذى تم اقامته فوق هيكل سليمان (كما يزعمون)، لن يكون حكرا على المسلمين وحدهم، وان المستوطنات باقية فى الضفة الغربية، وانه لا عودة لأي لاجئ فلسطينى.

خلاصة الرواية الصهيونية اذن هى ان اتفاقيات اوسلو هى بالاساس اتفاقيات امنية لخدمة امن (اسرائيل)، مع بعض الاستحقاقات الفلسطينية "المحتملة" والمحدودة والمشروطة والمؤجلة، والتى لن تصل ابدا الى دولة ذات سيادة.

أين الحقيقة بين الروايتين؟

لا شك ان الرواية الصهيونية هى الاكثر تطابقا مع الاتفاقيات ومع الواقع:

فقراءة نصوص اتفاقيات اوسلو واخواتها، وخطاب اعتراف منظمة التحرير باسرائيل، وتوصيات مؤتمرات مكافحة الارهاب وعلى الاخص مؤتمر شرم الشيخ 1996، وخريطة الطريق 2003، وخطة ميتشل 2002، وخطاب التطمينات الامريكى 2004، والاتفاقيات الامنية الامريكية الاسرائيلية المتعددة، والتصريحات المتكررة للرؤساء الامريكيين من كلينتون الى ترامب وبايدن، وشروط الرباعية، واتفاقية فيلادلفيا بين مصر و(اسرائيل) 2005، واتفاقيات المعابر وغيرها... نقول ان اى قراءة فى كل هذه النصوص والوثائق سترصد ملمحين رئيسيين متلازمين:

1)     الملمح الاول هو تحديد شديد الدقة لطبيعة الالتزامات الامنية للسلطة الفلسطينية ضد ما اسموه بالارهاب والارهابيين، من حيث المهام والشراكة والتنسيق مع (اسرائيل)، وبرامج وجداول التنفيذ، والتدريب للعناصر الامنية الفلسطينية وكيفية تمويلها ... الخ. مع المتابعة والرقابة والحساب العسير عند التقصير.

2)   اما الملمح الثانى فهو تعويم وتمييع وابهام لكل ما يتعلق بقضايا الحل النهائى، حول الدولة الفلسطينية من حيث المفهوم والسيادة او المستوطنات والقدس والحدود والمعابر واللاجئين والمياه ..الخ

 اما على المستوى العملى وعلى ارض الواقع فان السياسات الصهيونية تؤكد كل يوم على اننا بصدد تسوية امنية من أجل (اسرائيل) وليس تسوية سياسية من أجل الفلسطينيين: فالمستوطنات والجدار العازل وحواجز الطرق وتصفية واغتيال قادة المقاومة، وآلاف الاسرى والمعتقلين داخل السجون الاسرائيلية، والتهويد النشيط للقدس، وغلق المعابر وتقييد حركتها وفرض الحصار على غزة، والاعتداءات الاسرائيلية التى لا تتوقف. كل ذلك وغيره هو تطبيق وتفعيل لاستراتيجية امنية صهيونية واضحة ومحددة الاهداف والمعالم والادوات بتعاون وتوظيف كامل لاجهزة السلطة الفلسطينية وجماعة أوسلو.

 وفى المقابل لم يتم اى انسحاب فعلى للقوات الصهيونية من أى اراضى محتلة عام 1967 تفعيلا لاتفاقيات التسوية، ما عدا انسحابها من غزة عام 2005 تحت ضغط المقاومة الفلسطينية، وليس تنفيذا لاستحقاقات السلام.

 اما ما تم فى المرحلة الاولى 1993 ــ 2000 فلم يكن أكثر من اعادة انتشار وتوزيع لقوات الاحتلال، وهو ما ثبت لاحقا عدم جدواه أو جديته، فالضفة الغربية لا تزال سداحا مداحا لهذه القوات، تستوطن ما تشاء من اراضيها وتقتحم ما تشاء من مدنها وقراها لتعتقل وتقتل وتدمر.

أما بعد:

فإنه قد آن الاوان للتحرر من اتفاقيات اوسلو، فـ 28 عاما من الفشل والفتنة والانقسام واضاعة الوقت والجرى وراء الاوهام، والتحالف مع العدو والتخديم على أمنه، واضفاء الشرعية على ما يقوم به من عمليات قتل وإغتيال واعتقال لاهالينا باسم السلام والتسوية، وتضليل الراى العام الفلسطينى والعربى والعالمى ... نقول 28 عاما من كل ذلك تكفى وتزيد. وهى سنوات ضاعت بلا ثمن وبلا مقابل: فاسرائيل لن تعطيكم شيئا، وان فعلت فستعطيكم مسخ كيان فلسطينى خاضع وتابع، يستمد بقاءه ووجوده من فتات ما تجود به عليكم. وما ستعطيه ونقبله الآن سيكون آخر المطاف لقرون طويلة وربما للابد. فترتيبات الحرب العالمية الاولى للوطن العربى ما زالت قائمة حتى الآن.

 ولقد كان هذ الأمر شديد الوضوح منذ بداية عملية التسوية، ولكنه لم يتجلَ للعيان الا بعد سنوات حكم ترامب وصفقة القرن ونقل السفارة والاعتداءات الاخيرة على القدس والمسجد الاقصى وحي الشيخ الجراح وغزة.

ولذا يتوجب على كل من يرفض تبنى الرواية الصهيونية او المشاركة فيها، الاسراع الى انهاء هذه الحقبة البائسة فى الصراع العربى الصهيونى، والعمل على الانسحاب من مشروعات التسوية مع العدو سواء أوسلو او كامب ديفيد او وادى عربة، او مبادرة السلام العربية.

 والعودة مرة أخرى الى الطريق الفطرى الواضح والممكن الوحيد، الذى سلكته وتسلكه كل الامم المحترمة، وهو طريق تحرير كامل التراب الوطنى بالمقاومة والكفاح المسلح، وعدم التنازل عن شبر واحد من ارض الاجداد والآباء والأحفاد، مهما اختلت موازين القوى.


التعليقات (0)