- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
محمد عايش يكتب: أزمة الدولار في مصر
محمد عايش يكتب: أزمة الدولار في مصر
- 9 مايو 2023, 4:31:45 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ثلاثة مصادر رئيسية لتدفقات الدولار الأمريكي والعملة الصعبة إلى مصر، وهذه المصادر الثلاثة يتوجب أن لا تختل ولا تتراجع، لأنَّ أي مشكلة فيها يؤدي إلى اتساع العجز في الميزان التجاري، ويهدد قدرة البلاد على شراء السلع الأساسية المستوردة من الخارج مثل، القمح والنفط وغيرهما.
المصادر الثلاثة الرئيسية للدولار هي: تحويلات المصريين المقيمين في الخارج، إيرادات قناة السويس، والقطاع السياحي. وبطبيعة الحال كانت تحويلات المصريين في الخارج قد سجلت ارتفاعاً خلال السنوات الماضية، وكان الكثيرون يتساءلون عن السر وراء زيادة تلك التحويلات، لكنَّ الجواب كان بسيطاً، وهو أن الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة على الجنيه المصري وارتفاع العوائد على السندات المحلية بالجنيه، أغرى الكثير من المغتربين لتحويل المزيد من الأموال والمدخرات من أجل الاستفادة من هذه الفوائد والعوائد والأرباح المرتفعة، لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً، وعادت التحويلات لتسجل التراجع والهبوط خلال الشهور الأخيرة.
المغتربون لم يعودوا يثقون بحركة الاقتصاد في بلدهم، ولا يُفضلون الاحتفاظ بأموالهم داخل مصر، وهذا بحد ذاته أزمة كبيرة تسترعي الاهتمام والانتباه
البنك المركزي المصري أعلن تراجع تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 23% خلال النصف الثاني من العام المالي 2022/2023، لتصل إلى 12 مليار دولار، بينما سجلت الفترة المماثلة من العام الماضي 15.6 مليار دولار. وكانت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قد سجلت أعلى مستوى لها خلال السنة المالية 2021/ 2022 عندما بلغت نحو 31.9 مليار دولار، وهو رقم تاريخي غير مسبوق. الارتفاع السابق كان مرده رغبة المصريين المغتربين في الاستفادة من الفائدة المرتفعة على الجنيه، والعوائد الربحية العالية على السندات المحلية، وبالتالي ظنوا أنهم أمام فرصة استثمارية يمكن الاستفادة منها، لكنهم سرعان ما فوجئوا وصُدموا بحقيقة أن الأرباح والعوائد، رغم ارتفاعها لا تغطي أو تعوض الهبوط السريع في سعر صرف الجنيه.
وبمعنى آخر وأوضح فإن الجنيه المصري انخفض بنسبة 41% خلال عام واحد فقط (خلال الفترة من أول مايو 2022 إلى أول مايو 2023)، وبالمقابل فإن الفائدة المدفوعة على الودائع في البنوك المصرية تتراوح حالياً بين 17% و20%، وهذا معناه ببساطة أن من قام بتحويل ألف دولار أمريكي إلى مصر العام الماضي، وقام باستثمارها، تكبد خسائر تتراوح بين 21% و24% حتى الآن، أي أن الذين حولوا مدخراتهم المالية من المغتربين المصريين خسروا ربع قيمتها، إن لم يكن أكثر من ذلك. وباتضاح هذه المعادلة نجد أن تحويلات المصريين في الخارج عادت إلى الهبوط سريعاً، خاصة مع استمرار هبوط الجنيه، ومع تصاعد وتيرة المخاوف من الإفلاس وتكرار سيناريو لبنان، أي عدم قدرة المودعين على استعادة أموالهم من البنوك.
والمحصلة أن تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج يشكل مؤشراً اقتصادياً خطيراً ويثير القلق بكل تأكيد، وما يُخفف من وطأة هذا التراجع ويعوضه هو أن إيرادات قناة السويس سجّلت ارتفاعاً جيداً في الشهور الأخيرة، وكذلك إيرادات القطاع السياحي ارتفعت في الشهور الأخيرة، وبدأت بتعويض بعض الخسائر التي تكبدتها خلال فترة وباء كورونا، وخلال الشهور الأولى للحرب الروسية الأوكرانية. ورغم أن تراجع واردات العملة الصعبة من تحويلات المصريين تم تعويضها تقريباً من خلال المصادر الأخرى للدولار، لكن هذا لا يقلل من قيمة هذا المصدر، كما أنه يظل مؤشراً مقلقاً على أن المغتربين لم يعودوا يثقون بحركة الاقتصاد في بلدهم، ولا يُفضلون الاحتفاظ بأموالهم داخل مصر. وهذا بحد ذاته أزمة كبيرة تسترعي الاهتمام والانتباه.