- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
محمد عايش يكتب: انتفاضة في الضفة الغربية
محمد عايش يكتب: انتفاضة في الضفة الغربية
- 22 أغسطس 2023, 5:43:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الضفة الغربية المحتلة تشهد تحولات بالغة الأهمية وذات دلالات عميقة، وأغلب الظن أن الإسرائيليين أدركوا هذه التحولات ويشعرون بالقلق البالغ تجاهها، ولذلك فإنهم يشددون القبضة الأمنية على الضفة، ويحاولون نشر أكبر عدد ممكن من الجنود والمستوطنين في كل مكان من أجل تعطيلها وشلها.
كما أن الاحتلال الإسرائيلي يشعر بقلق بالغ إزاء وجوده في مدينة القدس، وحجم سيطرته على الشطر الشرقي منها، ولذلك قررت الحكومة الإسرائيلية تخصيص 864 مليون دولار لتشديد القبضة على القدس، خلال السنوات الخمس المقبلة، واللافت أن الحكومة قالت، إن الخطة تهدف إلى «تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية في القدس الشرقية» أي أنها خطة إنفاقية عامة وليست محصورة في التشديد الأمني والعسكري، ما يعني أن إسرائيل تعمل بسياسة الترغيب والترهيب معاً في الأراضي الفلسطينية، أو «سياسة العصا والجزرة» حيث في اليوم نفسه، الذي أقرت فيه إنفاق هذا المبلغ الهائل كانت تقوم بمزيد من الاعتقالات وأعمال الهدم لمنازل الفلسطينيين.
حالة القلق والهلع الإسرائيلي في الضفة الغربية مردها إلى التحولات المهمة التي تشهدها هذه المناطق، وأهمها التسارع غير المسبوق للعمليات المسلحة التي تستهدف المستوطنين الإسرائيليين، وهي عمليات تؤكد ما ذهبنا له سابقاً، أن الضفة الغربية المحتلة تشهد حالياً انتفاضة فلسطينية ثالثة، وأن هذه الانتفاضة قائمة بالفعل وليست على وشك أن تقوم، ولكنها ذات ملامح مختلفة وشكل يختلف تماماً عن الانتفاضات السابقة، ويتلاءم ذلك مع الظروف الراهنة لهذه المناطق. ومن المعروف طبعاً أن الانتفاضة الأولى التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 1987 كانت انتفاضة حجر بالكامل، وكانت حينها هبة شعبية شاملة في كل الأرض الفلسطينية، أدت إلى اشتباك مباشر مع الاحتلال، وكانت ملائمة لظروف الاحتلال في ذلك الحين، أما انتفاضة الأقصى في عام 2000 فكانت تختلف تماماً عن تلك الانتفاضة، حيث أنها حدثت في ظل وجود السلطة الفلسطينية، وفي ظل وجود مجموعات مسلحة، فيما تأتي هذه الانتفاضة الثالثة لتأخذ شكلاً مختلفاً تماماً عن المرتين السابقتين، وتتسم بالعمليات الفردية التي تحدث بين الحين والآخر، وتتباين من مكان الى آخر.
الضفة الغربية تشهد تحولات استراتيجية بالغة الأهمية، وهذه التحولات لا تتوقف عند ظاهرة العمليات المسلحة المتوالية والمتزايدة، وإنما تمتد الى ما هو أكثر من ذلك
خلال الأيام القليلة الماضية، وفي غضون 48 ساعة فقط، نفذ الفلسطينيون هجومين في الضفة الغربية، الأول في حوارة بالقرب من نابلس، والثاني قرب مستوطنة «كريات أربع» القريبة من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، واللافت في هذين الهجومين أن المنفذين تمكنوا من الانسحاب من المكان، من دون أي إصابة، ومن دون الكشف عن هوياتهم، وهو ما لم يكن يحدث في السابق، إذ كانت مثل هذه العمليات تنتهي على الفور بالقبض على المنفذ، أو على الأغلب قتله في المكان نفسه بشكل فوري. ثمة تحول استراتيجي آخر في الضفة الغربية ويبدو أنه أكثر أهمية من ظاهرة العمليات الفردية المتتالية، وهو الصواريخ محلية الصنع التي ظهرت في مدينة جنين في الضفة، وهذه الصواريخ رغم أنها معدودة ومحدودة حتى الآن، وطبعاً لم توقع أي خسائر في صفوف الإسرائيليين، إلا أن المؤكد أنها تشكل مصدر رعب لأجهزة الأمن الإسرائيلية التي ترى فيها بصمات حركة حماس، وأيضاً تعيد إلى الذاكرة بدايات ظهور هذه الصواريخ في قطاع غزة، عندما كانت بدائية وسرعان ما تطورت. تحول استراتيجي ثالث في الضفة الغربية ربما يكون الأهم من هذا وذاك، وهو عمليات تهريب الأسلحة من الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية، التي يفرض الإسرائيليون تعتيماً واضحاً عليها، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي في نهاية الشهر الماضي (تحديداً يوم 30 يوليو/تموز 2023) أنه تمكن من إحباط «محاولة استثنائية لتهريب أسلحة من الأردن إلى إسرائيل» وقال الجيش الإسرائيلي، إن الأسلحة المهربة تم ضبطها في غور الأردن، وقالت جريدة «»تايمز أوف إسرائيل» إن محاولة التهريب كانت «استثنائية ولا تشبه محاولات التهريب السابقة والمتكررة على الحدود الأردنية» ما يعني أن الحدود تشهد نشاطاً في هذا المجال، وأن إسرائيل تشعر بالقلق مما يجري على أطول حدود لها.
والخلاصة، هو أنّ ما يجري في الضفة الغربية المحتلة هو انتفاضة ثالثة بالفعل، ولكن هذه الانتفاضة ذات ملامح مختلفة، وبشكل يختلف عن الانتفاضات السابقة، كما أن الضفة تشهد تحولات استراتيجية بالغة الأهمية، وتحركات لم تكن مسبوقة من قبل، وهذه التحولات لا تتوقف عند ظاهرة العمليات المسلحة المتوالية والمتزايدة، وإنما تمتد الى ما هو أكثر من ذلك.