-
℃ 11 تركيا
-
11 أبريل 2025
محمد عزت علي الشريف يكتب: التطبيع.. ثاني أغبى فكرة إنسانية
محمد عزت علي الشريف يكتب: التطبيع.. ثاني أغبى فكرة إنسانية
-
12 مارس 2025, 10:57:59 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كلمة واحدة..
يُمْكِنني إنْ شئت أنْ أستعيضَ بها عن العنوان. كلمة واحدة هي مَتن الموضوع الذي يُرهِصُ عنوانُه بأنها فكرة، ليست كأيِّ فكرة.
نعم هي ليست محض فكرة. بل هي أغبى الأفكار التي تفتقت عنها عقول بعض البشر والقيادات في هذا الزمان الذي اختُصِر فيه العالم إلى قرية واحدة كونية. كما اخْتَصَرَ مَقالُنا هذا موضوعَه في فعل واحد يمكن التعبير عنه بكلمة واحدة. كلمةٍ تستحق وصفنا لها كثاني أكبر فكرة غبية حالية في تاريخ البشرية. وقد تخَطّينا منذ عقدين من الزمان عتبة القرن الحادي والعشرين. عصر السماوات المفتوحة الذي ترابطت فيه كل جنبات الكون في شبكة معلوماتية كونية واحدة. تنقل الحدث بكل جزئياته وتفاصيله في ذات وقت حدوثه.
تساؤلات
قد يتساءل البعض تساؤلاتهم المشروعة من مثل: ولماذا إذن تأخر طرْح موضوع خطير كهذا ـ بوصفه ونعته ـ كل هذا الزمن ليأتي الآن تحديداً؟. والإجابة بسيطة؛ إذ أن الفكرة تلك التي هي موضوعنا هنا لم تكتسب غباءها الواضح البائن إلّا من كونها جاءت في هذا الزمن الذي فيه فُتِحَتْ السماوات. وتحررت المعلومات أكثرـ حتى ـ من تحرر إنسان هذا الزمان/ وانتفت فيه حجج ال (لا أدري) و ال (لم أكن أعلم).
رحيل صدام و ثورة الاتصالات
لو قلت لكم على سبيل المثال أن آخر كلمة تَوَسَّلَ بها صدام حسين لشانِقِيهِ وهو على منصة الإعدام قبل أربعة عشر عاماً هي:" سيبني أعيش"، فكم فرد في هذا العالم يمكن أن يصدقني؟.
حسنا؛ لو قلتُ لكم أنّ أدولف هتلر هو الذي قد قالها لآسِرِيْه قبل أكثر من سبعين عاماً: "سيبني أعيش"، واشترى عنقه ـ بالفعل ـ بعدة ملايين من الماركات الألمانية، قبل أن يُساق إلى منفاه في روسيا ليموت هناك بعد شهور قليلة جرّاءَ أزمةٍ قلبية شديدة، فكم من البشر يمكن أن يأخذ هذه الرواية مأخذ الجدّ محاولاً تصديقها بالبحث لها عن منطق للصحة؛ قبل أن يصدقها أو يشكك فيها؟.
في حالة صدام حسين فلن يصدقني أحدٌ إلّا قليلُ عِلم، أو عديمُ إدراك، أو فاقدُ ذاكرة.
وأمّا في حالة هتلر فإن نسبة الذين يُحتَملُ أن يصدِّقوني ستكون أكبر كثيراً من النسبة في حالة صدام حسين، والسبب بسيط وواضح؛ وهو أننا في حالة صدام حسين فقد رأينا لحظات إعدام الرجل بثاً مباشراً في حينه، وحتى الذين لم يشهدوا تلك اللحظات حضورياً " في الزمان أو المكان" فإن لديهم الفرصة ودائما ليشاهدوها؛ عبر كل أدوات العرض المسموعة و المرئية و المنقولة دوماً عبر مختلف قنوات الإعلام و الشبكة الدولية للمعلومات.
رحيل هتلر و ثورة الاتصالات
وأما في حالة " أدولف هتلر" فكل الاحتمالات قائمة. وليس لدى أيّ أحد في العالم طوال كل تلك السنوات أيّ دليل قاطع أو حتى مقبول لأنْ نصدق هذا الإحتمال أو ذاك الآخر، أو غيرهما وإلى ما شاء الله من احتمالات، والسبب بَيِّنٌ واضح؛ وهو أن زمن اختفاء أدولف هتلر إبان انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يدرك عصر الإنترنت وقنوات نقل الأحداث في زمن حدوثها وتوثيقها ونقلها لأجيال عديدة قادمة ولأزمنة مديدة تالية و إلى ما شاء رب هذا الكون وخالقه.
قبل وبعد
هناك فرق بالتأكيد بين حدثٍ بعد ثورة الاتصالات الهائلة هذه وبين حدثٍ من قبلها، ومن العَمَى ألّا يدرك أحدٌ هذا الفرق. ومن الغباء أن يحتج مُحاجِج في هذا الزمان بحجة عدم العلم أو المعرفة بمثقال ذرة إنْ تكن في صخرة، أو في السموات أو في الأرض و قد أتانا بها الله عبر ما يَسَّرَهُ لنا من أدواتٍ للعلمِ، وتداول المعرفة.
الجريمة في عصر السماوات المفتوحة
ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري أن يظن مجرمٌ غاصب أو خاطف أنه يمكنه أن يقترف جريمته في غفلة من كاميرات وأقمار، وسماوات العالم المفتوحة. وتُقَيَّدُ جريمته ضد مجهول ـ كما كان في سابق الأزمان ـ سواءً لنقص الأدلة و كثرة الطعون، أو لغياب القرائن واختفاء الشهود!.
ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري. أن يظن ظانٌ في هذا الزمان أنْ ينجو خاطفُ برتقالةٍ من بائعٍ متجوّل على الطريق؛ بدعوى أنه قد لا يراه أحد!.
فإن كان هذا حال خاطفِ برتقالة..
فما بالكم بِمَن يختطف شعباً كاملاً.. ويغتصب وطناً بِرُمَّته ؛ كما هو الحال في فلسطين العربية؟!.
لو تدرون
أتدرون لِمَ كان انكارُ الخالقِ العظيم و الشركُ به ظُلماً عظيماً؟!
لأن انكار الحقّ إنما هو تغييب لمَنْ صفته أنه لا يغيب.
ومَنْ يفعل ذلك إنما يفسق عن ناموس هذا الكون وقوانينه.
ومنتهى الغباء أن يفكر الفاسق الظالم في إمكانية أن يقنعنا جميعناً بأُكذوبته و ضلاله!.
بديهية
من البديهي إذن؛ أن أقول عند هذا الحد، أنّ الفكرة الأغبى في تاريخ الجنس البشري هي إنكار خالق هذا الكون. و"إنّ الشركَ لظلمٌ عظيم" والظلم في حقيقته جَورٌ للباطل على الحق لِكَفْرهِ وتغطيته؛ وهو الحق الثابت.وكل فكرة ينطبق عليها هذا الوصف نحو تغطية ونكران الحق الثابت ـ هي فكرة غبية. وتزداد درجة غبائها بازدياد كِبَرِ حجمها ووضوحها ولا منطقية الإقدام عليها. فالسارق فاسقٌ؛ لأنه خرج على أعراف مجتمعه. والخاطف أكثر فسوقاً؛ لأنه زاد عن خروجه على أعراف مجتمعه بتحديه لأفراد ذلك المجتمع. وأما الغاصب فقد زاد على كل ما سبق بأن غصب جلد ضحيته و سلخها ـ ربما قبل ذبحها. وأقدم على ذلك عياناً بياناً على مرأى ومسمع من العالم؛ حضورياً وبثاً مباشراً، قبل أن يُحفَظَ أرشيفاً أبديّاً مسجلاً!.
فكرة غبية
كم غبيّ ذلك الظالم الغاصب الفاسق الذي يُقدم على مثل ذلك الفعل الإجرامي الفاضح!.
والأغبى من الفاسق الظالم المغتصب هو مَن يأتي من بعده ويدفع وينافح عنه!.
أيّ فكرة غبية تلك التي تدفع المُحاجِجَ أن يُحاجج عن الظالم الغاصب؛ وأن يُسوِّل له جريمته، ويبحث له عن المبررات أيّا كانت الحجج والادعاءات!. وأي فكرة غارقة في الغباء تلك التي تدفع الملوك والسلاطين ليتقدموا أمام شعوبهم ويحكموا على الظالم والغاصب بالبراءةِ!.
أيّ فكرة غارقة في الغباء أن يُنْزِلوه منزلة الأمر الطبيعي المقبول، بل ويطالبوا شعوبهم بالتصديق ويدعوهم للتطبيع!. أيّ غباءٍ هذا الذي لم يبقَ له غيرُ شعرةٍ.. محضُ شعرةٍ.. تَفرقُ بينه وبين العَتَهِ والجنون!.
(التطبيعُ ) مع الظالم الفاسق الغاصب يا سادة
التطبيع لو تعلمون..
ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري؛ تُسَوِّق للظلم والغصب والفسوق.
وتسوي بين الظالم والمظلوم، والغاصب والمغصوب.
ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري تَجُوزُ الحدَّ.. وتخترق بداهات العقول!.
وتَطْوِي مديد المسافةِ.. بين بليغ الحكمةِ.. وفرط الجنون!.









