- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمد قدري حلاوة يكتب : استعادة
محمد قدري حلاوة يكتب : استعادة
- 23 مارس 2021, 12:43:07 م
- 1249
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تتتابع على الشاشات المضيئة ذبذبات القلب بخطوطها الصاعدة والهابطة كالأهرامات المتلاصقة.. كلما صعدت وهبطت أعطت دليلا على إستمرار القلب المنهك في بث نبضات الحياة.. مجرد خطوط تسفر عن عنفوان حياة أو خمود موت.. أقصر طريق بينهما إستقامة الخط وصافرة منذرة بمحاولات يائسة من نبضات كهربائية تحاول إفاقة القلب الخامد...لا شئ يجدي عندما يقرر القلب المتعب أن يستريح...
إنطلق في الحقل يطارد الفراشات.. صيحات الكبار من بعيد " لا تبتعد كثيرا..".. كان يخاف من الظلام و "الغول".. سمع صديقه يقول أنه_ الغول _ يقطن في آخر الحقل.. هناك عند شجرة " السنط" العتيقة.. ربما لذلك لم يجرؤ أحد على إقتلاعها..والده الذي يضرب الأرض بفأسه في حركة أبدية.. . طيور " أبو قردان" تخطو في هدوء و رشاقة.. تهبط بمنقارها تلتقط صيدها.. تلك البقرة المعصوبة العينين.. تخور وتدور بلا نهاية.. خرير الماء الرقراق في الجدول.. يجري مهرولا لبيته قبل حلول الظلام.. الخوف من صفير الهواء في حلكة الظلام.. هل تكون تلك هي أصوات العفاريت المروية في حكايات الجدة؟ .. كم كانت الحياة بسيطة.. كيف تعقدت وأصبحت بهذا الشكل؟..
الأهل حوله وطاقم التمريض يمر بين حين وآخر لتفقد المحاليل المعلقة بالأوردة الكليلة.. بينما طائف من الصور يتداعي إلى ذهنه.. يقولون إنه في غيبوبة.. قلقون يخفت أملهم في نجاته شيذا فشيئا..مساكين هم آه لو يعلمون!!.. الآن.. والآن فقط تتجلى المعاني والرؤي..
مرت كالطيف في حشا الروح.. هي كما هي لم تكبر ولم تشيخ..بشعرها الأسود الناعم المضفر..كيف تشكل العقيق جدائلا؟.. عينيها السوداء الآسرة .. أهدابها التي تقف كالحرس على أبواب الجنان.. كالحراب المسنونة.. تقول لك إحذر أن تبحر في عباب اللجة والسحر.. عيناها فخا وشركا لم ينجو منهما أحد...نداهة.. ذهاب بلا عودة.. تغمرك بهدوء وحسم كالرمال الناعمة.. بإبتسامات الوعود.. وتقطيبة حاجبي الرعود. حاضرة غائبة.. غائبة حاضرة.. ملكت النقائض والأضداد.. وبالأضداد يكتمل المعنى..
يبدو أن الحالة تسوء.. والأمل يضعف..الغيبوبة قد طالت وكل المحاولات قد باءت بالفشل.. هكذا يقول الأطباء. . حديث هامس حول الخطوات القادمة.. ماذا لو حدث المقدور؟.. هناك ترتيبات لا بد منها.. عندما تفر خيوط الأمل وتتمزق.. يصبح اليأس واقعا وحلا ناجعا.. القدرة على التكيف والفقد والنسيان ضرورة وسيرورة حياة...
العصافير تزقزق كل صباح.. دائما ما يستيقظ على صوت جلبتها..يتنازعون أحيانا.. غالبا ما يعودون للهدوء بعدها.. مد يده داخل القفص يضع لها الحب و الماء.. لاحظ أنهم صامتون اليوم.. وقف أحدهما ساكنا على الأرجوحة منتفخ العنق.. والآخر في سكون في قاع القفص.. لا يقبلون على طعام او شراب.. في اليوم التالي كان واحدا منهما راقدا رقدته الأخيرة بلا حراك..ماذا يفعل بالآخر هذا الصامت بلا دموع؟..لاحظ أن عنقه قد إنتفخ هو الآخر.. فتح باب القفص.. بدا العصفور مترددا للحظات ولاح أنه يتسائل أألآن؟..وأين يذهب بعد وليفه؟ ماذا يفيد التحليق في اللحظات الأخيرة؟. أنطلق مرفرفا بجناحيه نحو السماء.. ما أروع أن تستنشق عبق الحرية وتنطلق في فضائها ولو في لحظاتك الأخيرة..
أستقام الخط.. ودائما ما يقصر الطريق بين نقطتين بالخط المستقيم.... البداية والنهاية..الحياة والموت.. الجميع يهرول في الحجرة.. والبعض يبكي وينتحب.. صرخ أحدهم " لقد توقف القلب".. إنهم لا يعلمون الحقيقة.. الذكرى والفرح والأحزان.. ما لسواهما القلب ينبض ويخفق.. القلب إستعاد الحياة.. وهل الحياة سوي بضعة لحظات ومشاعر وذكريات مستعادة؟..