- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
"محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون!! (4)
"محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون!! (4)
- 5 أبريل 2021, 5:36:09 م
- 1255
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تم استخدام ورقة "محمد نجيب" لضرب ثورة 23 يوليو, وتحديدا "جمال عبد الناصر" قبل منتصف ثمانينات القرن الماضي.. كانت مذكراته "كنت رئيسا لمصر" بداية لحرب مستعرة على جبهة جديدة.. فجماعة "الإخوان" وكل "الجماعات المفقوسة" عنها تحولت إلى خطر على أى حاكم, بعد اغتيال "أنور السادات" الذى فشل فى أن يتخلص من عبء نظام شارك فى تأسيسه!! وعلى الدرب سار كل من يؤرقهم "عبد الناصر" لذلك ستجد أن "محمد نجيب" تحول إلى "قميص عثمان" فى المعركة ضد ثورة يوليو وقائدها وزعيمها, وهو واحد فقط إسمه "جمال عبد الناصر"!!
تلك الإشارة واجبة, قبل أن أستأنف قراءة مذكرات "محمد نجيب" بصوت عال.. ففيها كتب: "عام 1934 كان من الأعوام السعيدة فى حياتي.. فى مايو تم نقلى إلى سلاح الحدود, وبدأت خدمتي على الجبهات الأمامية" ثم يكشف ويفسر معنى "الجبهات الأمامية" فى مفهومه.. ألا وهى مطاردة المهربين وتجار المخدرات!! ثم يمضى فى إضافة سبب آخر لسعادته بالعام المهم فى حياته, فيقول: "وفى أغسطس تزوجت للمرة الثانية بعد أن طلقت زوجتي الأولى بأربعين يوما!! تزوجت عائشة محمد لبيب التى كانت مثل أمي.. يتيمة وابنة قائد عسكرى راحل فى سلاح الفرسان.. وكانت تعيش مع أمها الأرملة وثلاث بنات – عزيزة وفاطمة وخديجة – فى بيت كبير بحلمية الزيتون, الذى عشنا فيه بعد حرب فلسطين"
يحدثك "محمد نجيب" عن أن عائلة زوجته كانت تعيش على 80 جنيها فى الشهر, رغم أن ثروتها كانت 512 فدان فى بنى مزار بصعيد مصر.. لكن هذه الثروة كانت تحت إشراف وهيمنة وزارة الأوقاف حتى أصبح الورثة مديونين بحوالي 26 ألف جنيه, وهى تساوى نصف قيمة الأرض.. ويكتفى بذكر هذه المعلومة, دون توقف أو إشارة إلى أن الملك "فاروق" نهب ملايين من أموال الأوقاف, وآلاف الأفدنة.. وكذلك فعل ساسة ورجال حكم زمن الملكية الذى يدافع عنه "خدم الاستعمار"!! وتكفى هنا الإشارة إلى أن "على عبد الرازق" وزير الأوقاف فى حكومة "النقراشي" تم إجباره على تقديم استقالته, لرفضه تنفيذ "منطوق سامى" بوضع يد الملك على آلاف الأفدنة!! ثم يذكر كاتب المذكرات بالنص: "بعد الثورة تم إلغاء نظام الوقف, وورثت عائشة 70 فدانا.. كان ريعها 1400 جنيه سنويا, وهو ما كان يساوى نصف راتبي وأنا رئيس جمهورية"!! ثم يعبر على الواقعة بسرعة وخفة شديدين.. فالثورة المتهمة بأنها تربصت بالأغنياء – الإقطاع – هى نفسها الثورة التى أعادت حقوقا لأصحابها, ومنهم زوجة "محمد نجيب"!!
حكايات "محمد نجيب" عن معاركه فى "الجبهة الأمامية" مسلية, ولا أرى داع لسردها حتى نواصل القراءة بجدية!! لكنه يتحدث عن انتصاراته التى جعلته يحصل على "نيشان" بعد تقرير سرى كتبه عنه الأميرالاى "هاتون بك" والذى ذكر فى تقرير سرى: "إن محمد نجيب ضرب رقما قياسيا فى دورات الصحراء.. سواء على ظهر الجمال أو بالسيارة, وهو رجل شجاع ذو مخالب قوية.. وهذا التقرير وسام آخر".. وبعد سرده لتلك الواقعة.. بدأ القصف ضد "جمال عبد الناصر" الذى اتهمه بأنه: "أخفى هذا التقرير من ملف خدمتى"!!
الرئيس "محمد نجيب" الحزين على تقرير كتبه عنه ضابط إنجليزي, بعد أن ظهر كواجهة للثورة.. وأصبح ثانى رئيس للوزراء بعد 23 يوليو, وأول رئيس جمهورية بعد إسقاط الملكية.. يقفز بخفة بعد أول لكمة يوجهها تجاه "عبد الناصر" ليحكى عن قربه من البدو فى الصحراء, لدرجة أنهم كانوا يستعينون به كطبيب.. هو الذى يقول: "كنت أعالج أمراضهم البسيطة بالأدوية التى أحملها فى حقيبة الإسعافات الأولية – الأسبرين والقطرة والمراهم والأربطة – وأصبحت لى شهرة فى الصحراء كطبيب.. تحولت خيمتى إلى مستوصف.. وفى يوم وقعت فى شر أعمالي, حين جاءني أحد الشبان من الذين ينتمون لأقوى وأكبر القبائل.. طلب منى أن أعالجه من الضعف الجنسي.. إرتبكت.. لم أدر ماذا أفعل فى هذه الورطة.. وبلمحة فاحصة أدركت أن الشاب هزيل جدا ويحتاج إلى تغذية.. قمت إلى مخزن الأطعمة, وأعطيته منها بعض اللحوم والمأكولات المغذية.. أعطيته معها شرابا مقويا, ولكى أوحى له بالشفاء أعطيته حبتين للإسهال.. أكدت له أن هذه الأقراص من نوع نادر جدا يصعب الحصول عليه.. خرج الشاب وكله ثقة فى نفسه ومقتنع بالشفاء.. بعد فترة تم نقلى من هذا المكان, وعدت إليه بعد 11 سنة لأترأس محكمة عسكرية عرفية, تختص بنظر دعاوى القبائل.. فإذا برجل طويل القامة, قوى العضلات يهجم على ويعانقني بحرارة ويقبلني فى كل مكان.. عرفت منه أنه الشاب النحيل المريض, الذى جاءني يطلب العلاج المناسب لضعفه الجنسي.. ثم قدم لى غلاما فى العاشرة من عمره, وقال لى: هذا يا سيدى ابنى البكر"!!.. وأكتفى بهذه الحكاية رغم أنه قدم أكثر منها فى مذكراته, وكلها ستعقد الدهشة على وجهك قدر ما تفجر الضحكات والدموع.. على حالة شعبنا قبل 23 يوليو, وكيف كان كثيرون يتلاعبون بعقولهم ومشاعرهم وجهلهم!! دون داع لأن أشير إلى أنه يقول عن فترة عمله فى الصحراء: "إنتهت بنجاحى فى إعداد الكثير من الدراسات حول حياة البدو وكيف نرفع مستواهم.. وسر استغلال المعادن.. وكنت ألقى المحاضرات العلمية الدقيقة فى هذه المعلومات"!!
يقول "محمد نجيب" فى مذكراته: "يوم 5 مارس عام 1938 ولد ابنى البكر, كنت أريد تسميته صلاح الدين الأيوبي.. لكن زوجتي أرادت تسميته فاروق على اسم ملك مصر الجديد ليجلب له الحظ.. قعدنا نتناقش فقلت لها: إذا كانت التسمية على اسم الملك, فلنسمه جورج على اسم ملك انجلترا لأن حظه أفضل بالتأكيد من ملك مصر.. كسبت زوجتي المناقشة.. وأكثر من مرة كنت أريد تغيير اسمه من فاروق إلى صلاح الدين الأيوبي.. لأننا كنا نناديه باسم صلاح الدين وأحيانا نناديه باسم جورج"!!
إضحك.. إذا أردت!!
قد تضحك أكثر إذا قرأت قصة لقاء "محمد نجيب" – أبو فاروق – بالملك "فاروق" لأول مرة كما يرويها.. هو كتب: "كنت قد رقيت إلى رتبة رائد.. كنت مسئولا عن المتحف الحربى فى القاهرة, فى غياب المدير الذى يقوم بجولة لزيارة متاحف أوروبا العسكرية.. صدر لى الأمر بالسفر إلى الإسكندرية, حيث كان الملك فاروق يقضى الصيف.. كانت معي سيارتين محملتين بالتحف العسكرية.. كان فاروق وقتها عمره 18 سنة, وكان عمرى 37 سنة.. وصلت إلى الإسكندرية, فطلب رجال الملك منا أن نفرغ حمولة السيارتين وننتظر جلالته فى الحديقة حتى ينتهى من السباحة.. جاء الملك فاروق بلباس البحر وصندل وقبعة تحميه من الشمس.. كنت أنا ورجالى نرتدى كامل ملابسنا الرسمية.. أخرجت التحف التى كانت معنا للملك, وضمنها مسدسان صغيران.. أحدهما من النحاس ويرجع إلى عصر الخديوي إسماعيل والآخر من معدن آخر.. وعندما أخرجتهما.. قال لي فاروق: أنت قوى.. ماذا تأكل؟! قلت: فول يا مولاي.. بقيت معه 6 أيام, وكان معجبا بما كنت أقوله عن المتحف الذى لم يزره مرة واحدة فى حياته.. فى ليلة كنت أعرض عليه شرائح أفلام عن المتحف.. أخذها منى ولم يعدها بعد ذلك.. وسألني: من أين أشترى أقدم مسدس فى مصر؟ قلت له: إسماعيل – يقصد الخديوي ويروى أنه قال اسمه مجردا – اشترى مجموعة مسدسات عام 1871, وأربعة منها موجودة فى الجيزة.. فأصدر أوامره لى أن أحضر له واحدا منها, ورغما عنى أحضرت له ما طلب وعندما أعطيته له.. فرح به كطفل حصل على لعبة"!!
أكتفى بهذا القدر من قصة "محمد نجيب" كما كتبها فى مذكراته عن لقائه الأول مع الملك "فاروق"!! وسيكون طريفا أن نقرأ من مذكرات "أول رئيس لمصر" جزء من اللقاء الثاني له مع "الولد الذى حكم مصر" وفيه يذكر: "قابلت فاروق مرة أخرى فى نفس العام, فى حفل تخريج دفعتي من كلية أركان الحرب.. أذكر أننى حرضت زملائي فى الدفعة على عدم تقبيل يد الملك.. لم يسمع أحد منهم كلامي.. عندما جاء الدور على.. لم أقبل يده, ومثلت دور المرتبك الذى لا يعرف التصرف فى مثل هذه المناسبات أمام الملك.. أديت له التحية وسلمت عليه بشدة.. فإذا به يغمز لي بعينه, وظهرت صورة هذه الغمزة فى صور جرائد اليوم التالي"!!
يمكنني أن أصدق حكاية أن الملك "غمز" له كما كتبها.. لكنني لابد أن أتوقف مندهشا أمام ضابط سبق له الخدمة فى الحرس الملكي, ولا يعرف قواعد السلام وتقبيل يد الملك.. فقد كان ذلك جزء من بروتوكولات لقاء الملك.. كان يفعلها الوزراء ورئيس الوزراء وكبار القوم وقتها دون غضاضة, حتى خلصت ثورة 23 يوليو الجميع من هذا السلوك المعيب.. لكن أول رئيس لمصر أراد أن يجعل نفسه ثائرا من طفولته, رغم تعرضه للجلد على ظهره.. وأراد توضيح عمق ثوريته يوم ذهب متخفيا إلى بيت "مصطفى النحاس" ليعرض عليه قيام انقلاب ضد الملك.. أو على الأقل عصيان الأوامر.. سمها كما شئت.. ولعله أراد أن يكشف عمق إيمانه بالديمقراطية التى دفع منصبه, ثمنا للدفاع عنها كما يدعى!!
مازلت أقرأ لك ومعك الصفحات الأولى من مذكرات "محمد نجيب" التى نشرها بعنوان "كنت رئيسا لمصر" وفيها يكشف عن أن ثمن رفضه تقبيل يد الملك أنه سافر مع مجموعة من الضباط المصريين إلى انجلترا وفرنسا فى صيف عام 1939.. وكانت الزيارة لمدة شهرين, زاروا خلالها المدارس العسكرية والمصانع الحربية.. وهو يقول: "كانت هذه أول وآخر زيارة لي لأوروبا.. وقد أثرت فى كثيرا"!! ثم يحدثك عن الحرب العالمية الثانية وموقفه منها, فيقول: "أنا كمصري لم أكن أهتم بانتصار الانجليز.. كنت أهتم أن يعاملوننا كحلفاء.. لا كتابعين.. لم يكن يهمني أن تنتصر المانيا, لأننى لا أريد استبدال احتلال باحتلال.. ما تمنيته أن تقلل الحرب من قوة انجلترا وفرنسا ليشعروا بأهمية إطلاق حرية العرب"!!
اعتقادي أن "خدم الملكية والاستعمار" يجب أن يخجلوا من أنفسهم, إن كانوا يملكون "حمرة الخجل"!! وأنهم يخجلون من قراءة مذكرات الرئيس "محمد نجيب" التى تكشف سذاجة وضحالة هذا الرجل الطيب.. فهم يرفعون قميصه باعتباره دافع عن الديمقراطية, فدفع الثمن بأن يعيش فى قصر "مصطفى النحاس" الذى يقول عنه "فيلا" ووصفه بأنه "معتقل" ثم رفض أن يغادره بعد أن قال له السادات: "أنت حر طليق" ليعيش فيه بعد ذلك 13 عاما!!
ويحكى "محمد نجيب" عن رؤيته للاستعمار, وموقفه من الانجليز.. وبغض النظر عن أن حكاياته كلها مسلية, ولا تمت للحقيقة بصلة.. سألزم نفسى بعرضها كما رواها.. مع تمسكي بحق التعليق أو تصحيح الوقائع لإيماني بأن ناقل الكذب لابد وأن يكون كاذب!!.. يتبع