- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
محمد يتيم يكتب: هل فشل الإسلاميون وانتهى زمن الإسلام السياسي؟
محمد يتيم يكتب: هل فشل الإسلاميون وانتهى زمن الإسلام السياسي؟
- 10 سبتمبر 2023, 4:05:31 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
(1)
سؤال يتكرر: هل أخفق الإسلاميون وانهار مشروعهم؟ ربما هذا ما يتمناه خصومهم، ويُستدرج للتصريح به إسلاميون غاضبون من تنظيماتهم، أو تنظيمات غاضبة منهم. وهناك إسلاميون وغير إسلاميين متربصون ينتظرون انقلابا أو تزويرا في الانتخابات ليصرخوا "ألم نقلها لكم!"، معتبرين أن نقمتهم على تنظيماتهم أو إبعادهم ديمقراطيا عن المسؤولية؛ هما المشكلة الكبرى، وأن زمن صعود نجم التنظيمات والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية سياسيا هو سبب ذلك، وأن التاريخ قد "انتقم لهم وأنصفهم" بالتراجع الانتخابي لأحزابهم.
إن منطق التداول في السلطة، هو من أجمل ما أنتج الفكر السياسي الحديث. ومن ضمن مستلزمات هذا المنطق هو الاعتراف بالفائز ديمقراطيا وتهنئته
(2)
يخطئ من يحكم على عقيدة أو فكرة أو مشروع إصلاحي بالإخفاق بسبب عدم استجابة مجتمع معين له أو مواجهته من قبل خصوم الإصلاح، وحتى إذا كان ذلك من الغالبية المطلقة في ذلك المجتمع. ولو كان ذلك صحيحا، لاعتبرنا عددا من الأنبياء والمصلحين الكبار في التاريخ فاشلين. والحقيقة هي أن كثيرا من الأنبياء قد قُتلوا، وكثيرا من المصلحين ابتُلوا وواجهوا المعارضة والإعراض من قومهم.
وفي الحياة السياسية المعاصرة، التي تقوم على منطق التداول السياسي والآليات الديمقراطية، فإن انحسار تنظيم أو حزب سياسي لا يعني بالضرورة هزيمة الفكرة أو المشروع الفكري والسياسي الذي يمثله. إنه منطق التداول في السلطة، وهو من أجمل ما أنتج الفكر السياسي الحديث. ومن ضمن مستلزمات هذا المنطق هو الاعتراف بالفائز ديمقراطيا وتهنئته.
وينطبق هذا، بطبيعة الحال، في الحالات التي تقوم فيها العملية الديمقراطية بنزاهة وشفافية، بدون تدخل من قوى خارجية تسعى للتحكم في العملية نفسها، وليس في الحالات التي تخترق فيها قواعد هذه العملية.
(3)
في بعض الأحيان، قد تصبح مسارات العمل السياسي محدودة وصعبة، وذلك قد يعود لهشاشة التجربة الديمقراطية في بلد معين. الأحزاب والدول قد تتبع منطق التداول السياسي، حيث تشهد فترات من الصعود وأخرى من الهبوط، ومع ذلك، العقيدة والفكر لا يتغيران. عندما نرجع إلى فكر ابن خلدون، نجد أن الاستبصار الديني هو ما يلعب دورا مركزيا في بناء الشرعية الاجتماعية، وعلى أساس هذه الشرعية، تبدأ دورة جديدة من الإصلاح، أو تقام دولة جديدة، بالمفهوم الخلدوني للدولة.
(4)
الذين يتحدثون عمّا يطلقون عليه "فشل الإسلام السياسي" بناءً على التراجع الانتخابي، رغم نجاحه في تجارب أخرى كتركيا، يمكن تقسيمهم إلى فريقين:
- الفريق الأول لا يؤمن بالمشاركة السياسية ولا بالنضال من داخل المؤسسات. هؤلاء قد يقولون بصمت "لقد أخبرناكم من قبل أن هذا الطريق مغلق، والصراخ فيه كصراخ في الصحراء".
الثغرة الكبيرة في منطق هؤلاء هي أنهم لا يفهمون حقا رسالة المصلح ودوره. فدور المصلح يتمثل في إقامة الحجة وإبراء الذمة، بالإضافة إلى السعي للإصلاح وفق المقدور. منطق هؤلاء مُوجَّه نحو السياسة بشكل أكبر حتى من المنطق الذي يتبعه السياسيون أنفسهم. وهو يتعارض مع منطق الأنبياء وحملة الرسالة، الذين يركزون على تبليغ الرسالة وإقامة الحجة وإبراء الذمة.
في الواقع، هؤلاء يتفقون مع خصوم الحركات الإسلامية، الذين يشعرون بالتهديد بسبب منافسة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ودخولها الميدان السياسي. وهؤلاء الخصوم يتمنون لو أن هذه الحركات ظلت مشغولة فقط بالنقاشات الكلامية حول قضايا تاريخية قد تم الفصل فيها من قبل.
- أما الفريق الثاني من النقاد، وهم السياسيون العلمانيون، فرفضهم ليس فقط لمشروع سياسي معين. قضيتهم الحقيقية هي مع منهج كامل للعمل، الذي يستمد مفاهيمه وأهدافه من المرجعية الإسلامية.
(5)
في مجال العمل السياسي، قد تكون هناك فترات من الصعوبات والتحديات، سواءً كانت ناتجة عن أسباب داخلية أو خارجية. ورغم هذا التذبذب، فإن العقيدة والفكرة تظل قائمة. وهنا يأتي دور مفهوم الاستبصار الديني كما عبر عنه ابن خلدون، الذي يكون له الدور في تأسيس شرعية اجتماعية تقوم على أسسها دولة جديدة أو حضارة متجددة.
العصبية، والقبيلة، وأشكال التنظيم والشرعية الاجتماعية، كلها لا تُمكّن من بناء حضارة أو أمة إذا كانت بدون فكرة أو عقيدة. الدول والتنظيمات تتجدد بتجدد الأفكار والهمة النضالية، وتفقد قوتها عندما يضعف تجديد الفكر والهمة.
وكلما ضعفت الإرادة والصمود، تكون الهزيمة قريبة. فالخوف، كما قال جمال الدين الأفغاني، هو فكرة تعترض الذهن والنفس، مما يؤدي إلى هزيمة محتملة. والتنظيمات التي يقودها قادة غير ثابتين فكريا ومهزومون نفسيا هي التي تكون على أعتاب الهزيمة.
إن الإصلاح هو نتيجة لهمة وإرادة قوية، والمصلح يسعى لتحقيق الإصلاح باستطاعته، معتمدا على الله ومتوكلا عليه.
(6)
وأخيرا وليس آخرا، يبدو أن للقضية وجها آخر، ألا وهو الفقر في الثقافة الديمقراطية التي تقوم على الإقرار بنتائج العملية الانتخابية والاعتراف بالهزيمة، هذا إذا كانت العملية الانتخابية ديمقراطية وسليمة. ومن الأولى اعتبار تحديات المشاركة السياسية في الأوضاع غير الديمقراطية أو في الأوضاع التي تتسم بالهشاشة الديمقراطية، وتقدير التصرف السياسي الملائم لهذه الأوضاع المتهاشة. ففي هذه الحال، تسهم المشاركة السياسية في إبراز عيوب الوضع السياسي، ويصبح من الأولويات النضال من أجل دمقرطة الحياة السياسية. وهذا الطريق شاق وطويل ويحتاج إلى وعي تاريخي ووضوح في نظرية العمل.