- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمود عبد الهادي يكتب: عام على حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا | (5) إلى متى تستمر الحرب؟
محمود عبد الهادي يكتب: عام على حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا | (5) إلى متى تستمر الحرب؟
- 25 مارس 2023, 2:53:42 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من غير المنتظر أن يشهد العام الجاري إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، لعدم توفر الظروف والعوامل اللازمة لذلك، إلا في حالة واحدة فقط، وهي التخلص من الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بطريقة أو بأخرى، على نحو ما أوضحنا في المقال السابق الذي خلص إلى أن سيناريو توقّف الحرب غير قابل للتحقّق، وهذا يصب في صالح السيناريو الثاني: سيناريو استمرار الحرب، الذي تؤكده التطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة التي توضّح يوماً بعد يوم عدم حرص الولايات المتحدة على إيقاف الحرب إلا وفقاً للشروط التي حددتها لذلك، الشروط التي لم تطبق عليها إبّان الحرب التي شنّتها على العراق وأفغانستان.
فإلى متى ستستمر الحرب في أوكرانيا؟ وما التطورات المحتمل حدوثها في السنوات القادمة من الحرب؟
الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة والدول الغربية لأوكرانيا لا يهدف إلى الضغط على روسيا لإيقاف الحرب، وإنما إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية وإجبارها على الانسحاب، وإسقاط نظام بوتين، أو إرغامه على الإذعان للشروط الأميركية والنظام العالمي القائم على القواعد.
مؤشرات استمرار الحرب
منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، توقعت الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية أن تستمر الحرب لعدة سنوات، وقد مضى العام الأول على الحرب مع الكثير من التطورات السياسية والعسكرية التي قلبت المعادلات التي كان من المتوقع حدوثها في بداية الحرب. وبمراجعة سريعة لسير هذه التطورات على مدى العام الأول للحرب، يمكننا الوقوف على المؤشرات الرئيسية التالية، والتي لها انعكاسات واضحة على مسار الحرب في الأعوام القادمة:
- بدأت الحرب بحشد هائل من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية في مواجهة القوات الأوكرانية التي كانت تقف وحدها تقريباً، باستثناء الدعم الأميركي المحدود ضمن خطة التأهيل الأميركية السابقة للقوات الأوكرانية. وكانت التوقعات حينها أن القوات الروسية ستسيطر على أوكرانيا في بضعة أيام أو أسابيع على الأكثر. ولكن هذا لم يحدث حتى نهاية العام الأول للحرب، رغم التغييرات الكثيرة التي أجرتها القيادة الروسية على جبهة القتال. وحتى الآن أصبح هدف سيطرة القوات الروسية على أوكرانيا أو على المقاطعات الحدودية الشرقية على أقل تقدير بعيد المنال عن طريق الحرب التقليدية.
- استعانة القيادة الروسية بقوات شركة فاغنر، ومن قبلها بقوات شيشانية، كشفت عن مدى ضعف القوات العسكرية النظامية التي تقودها وزارة الدفاع الروسية، وعجزها عن تحقيق نصر عسكري يناسب حجم التفوق الروسي. فلم تكن روسيا تتوقع أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة ستدعم الجيش الأوكراني إلى الحد الذي حدث، والذي اقترب من تحقيق التوازن العسكري التقليدي بين روسيا وأوكرانيا، بل يسعى إلى التفوّق عليها.
- في الوقت الذي استطاعت الولايات المتحدة أن تؤسس تحالفاً عالمياً كبيراً ضد الحرب الروسية على أوكرانيا؛ فشلت روسيا في التحرك لتأسيس تحالف دولي مناهض، حتى أصبحت معزولة دولياً إلى حد كبير، ولا يؤيدها في موقفها سوى إيران وسوريا ونيكاراغوا وإريتريا ومالي وكوريا الشمالية وبيلاروسيا، وباستثناء الأخيرتين فإن بقية الدول ليس لها وزن في معركة روسيا السياسية والعسكرية والاقتصادية. أما إيران فرغم تأييد روسيا في المحافل السياسية، إلا أنها لا تستطيع القيام بدور الحليف الرسمي لروسيا في هذه الحرب، حرصاً على علاقاتها التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، وتجنباً لمواجهة المزيد من العقوبات الاقتصادية، وتجنباً لوضع المزيد من العراقيل في وجه حل الملف النووي.
- رغم المواقف المشتركة بين الصين وروسيا تجاه الولايات المتحدة والنظام العالمي، ورغم موقفها المتفهم لدوافع روسيا من الحرب على أوكرانيا، وطرحها مؤخراً مبادرة سياسية لإيقاف الحرب، إلا أنها لم تقدم على إقامة تحالف دفاعي مشترك مع روسيا، ولم ترسل أي دعم عسكري أو لوجستي لروسيا، وتراقب بحذر شديد تطورات هذه الحرب، ومراحلها، ونتائجها، وما يمكن أن تؤول إليه، فهي تعلم أنها تخضع لرقابة شديدة من الولايات المتحدة والدول الغربية، وتعلم أن اكتشاف أي محاولات لدعم روسيا، سيعرّضها لعقوبات اقتصادية شديدة من الدول الأوروبية، وسيزيد من تعقيد الملفات المتأزمة بينها وبين الولايات المتحدة، خصوصاً وأن الصين التي تتطلع إلى تغيير النظام العالمي وتعزيز مكانتها في قيادة العالم عن طريق الحوار لا المواجهة المسلحة؛ تعلم أنها المعنية الأولى بنتائج الحرب في أوكرانيا.
- أصبح جليّاً تماماً أن الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة والدول الغربية لا يهدف إلى الضغط على روسيا لإيقاف الحرب، وإنما يهدف إلى إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية وإجبارها على الانسحاب، وإسقاط نظام بوتين، أو إرغامه على الإذعان للشروط الأميركية والنظام العالمي القائم على القواعد. ولذلك تم إهمال المبادرة الصينية لإيقاف الحرب، بحجة أنها غير واقعية، ولا تتضمن انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا.
- تقود الولايات المتحدة عملية دعم أوكرانيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإنسانياً، وتعمل مع حلفائها على مواصلة الدعم السياسي للحكومة الأوكرانية عن طريق المنظمات الدولية والحلفاء والشركاء، للتأكيد على حقّها المشروع في الدفاع عن أراضيها، وتحديد خياراتها الأمنية وتحالفاتها الإقليمية والدولية. وكان آخر هذا الدعم سابقة إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس بوتين الذي يترأس دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وعسكرياً؛ تعمل الولايات المتحدة على تعزيز القدرات العسكرية للجيش الأوكراني بدعم وتأييد الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبمشاركة 33 دولة غربية في مقدمتها ألمانيا وبريطانيا، وأكثر من 10 دول غير أوروبية في مقدمتها اليابان وكوريا الجنوبية، من أجل تزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة والمعدات المتطورة التي تضمن تفوّقه على القوات الروسية، في الحرب التقليدية الجارية حالياً، حتى تحقيق النصر مهما بلغ الثمن.
كما تعمل على تعزيز الدعم الاقتصادي بمشاركة البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع. وأخيراً الدعم الإنساني الموجه لرعاية المتضررين والنازحين واللاجئين الأوكرانيين، والذي يسهم فيه الاتحاد الأوروبي بدور كبير، تمثل في استيعاب 4 ملايين لاجئ في دول الاتحاد الأوروبي، لهم كامل الحق في دخول سوق العمل، والحصول على الإقامة والتعليم والرعاية الصحية. وقد أنفق الاتحاد الأوروبي في العام الأول للحرب حوالي 67 مليار يورو، بالإضافة إلى رصد 18 مليار يورو حتى مارس/آذار 2024، مع الاستعداد لتمديد الدعم حتى مارس/آذار 2025 إذا لزم الأمر.
من المتوقع استمرار الحرب التقليدية بضع سنوات قادمة، ولكن نتائجها على البنى التحتية والخسائر البشرية ستكون أكبر بكثير مما كانت عليه في السنة الأولى، حسب النتائج المترتبة على كل احتمال من الاحتمالات.
سنوات الحرب القادمة
بالنظر إلى المؤشرات السابقة يمكننا استنتاج ما يأتي:
- أن نتائج الحرب ليست في صالح روسيا حتى الآن، وهذا يعني أنها ستجد نفسها أمام خيارات محدودة جداً لتحقيق انتصارات سريعة، وتجنّب الهزيمة والاضطرار إلى الانسحاب، ومن هذه الخيارات المتوقعة ما يأتي:
- إحداث تغييرات جذرية في قيادة العمليات العسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع، من شأنها تأكيد تماسك الجيش الروسي، وتحقيق انتصارات جزئية سريعة تعيد له هيبته في ميدان القتال، وتقلل حجم خسائره البشرية التي قد تقصم ظهر النظام.
- تغيير التكتيكات العسكرية المتبعة حالياً، والتي يبدو أنها لم تتطور منذ الحرب السوفياتية في أفغانستان، كما تطورت صواريخها الباليستية.
- الانتقال إلى استخدام أسلحة تقليدية إستراتيجية شديدة التدمير، تؤدي إلى إلحاق خسائر فادحة في صفوف القوات الأوكرانية، ولكن دون اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل الكيميائية أو البيولوجية أو النووية أو الإشعاعية.
- استهداف أوسع وأكثر دقة للبنى التحتية في جميع المدن الأوكرانية، يدفع الولايات المتحدة والدول الغربية والحكومة الأوكرانية إلى إعادة التفكير في طريقة تعاملها مع الحرب، وتضطرها إلى استعجال البحث عن حلول سياسية بشروط مخففة، لتجنب الوصول إلى حافة الانفجار.
- القيام بمناوشات استفزازية محدودة مع دول أوروبية حدودية خارج أوكرانيا، أو الاستعانة ببيلاروسيا لفتح جبهة قتال جديدة على الحدود الشمالية الأوكرانية، أو افتعال أزمة مع دولة حدودية مثل ليتوانيا أو بولندا، وذلك من أجل زيادة تعقيد الموقف، وإجبار الولايات المتحدة والدول الغربية على مراجعة سياساتها ومواقفها. خصوصاً وأن جميع الدول الأوروبية الحدودية مع روسيا وبيلاروسيا الآن، بعد انضمام فنلندا، هي دول أعضاء في حلف الناتو، الذي لا ينفك يردد، بمناسبة وغير مناسبة، أنه حلف دفاعي صلب ومتماسك ولن يتوانى في الدفاع عن أي دولة من أعضائه. ومن المعلوم أن الناتو ليس له كحلف أي دور عسكري في الحرب، ولا يقدم أي دعم عسكري لأوكرانيا، باعتبار دوره ينحصر في الدفاع عن الدول الأعضاء، ويقتصر دعمه لأوكرانيا على المجال السياسي، أما الدعم الغربي العسكري الذي يصل إلى أوكرانيا فهو يتم مباشرة من الدول الغربية إلى أوكرانيا.
2. من المستبعد تشكيل حلف دفاعي روسي مناوئ للناتو، على غرار حلف وارسو سابقاً. الدولة الوحيدة التي يمكنها إحداث فرق كبير في ميزان القوى ومعادلات الحرب القائمة هي الصين، التي لا تسمح لها ظروف علاقاتها مع الغرب حالياً بالدخول في تحالف دفاعي مع روسيا. وهذا يعني أنه ليس أمام روسيا سوى الاعتماد على نفسها فقط في مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية، وتبقى بيلاروسيا هي الحليفة الوحيدة لروسيا التي يمكنها المساعدة بأدوار مساندة محدودة.
3. قد تضطر الدول الغربية قريباً، من أجل تغيير ميزان القوة لصالح أوكرانيا؛ إلى تزويدها بطائرات هجومية نفاثة وصواريخ بعيدة المدى، الأمر الذي سيساعد أوكرانيا على الانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم، ونقل المعركة جزئياً إلى الأراضي الروسية، والرد بالمثل على الصواريخ الإستراتيجية التدميرية التي قد تلجأ إليها روسيا في الأسابيع القادمة. ومن شأن توسيع نطاق الحرب إلى داخل الأراضي الروسية، أن يبدأ فصلاً جديداً من فصول حرب الولايات المتحدة ضد روسيا في أوكرانيا.
ومن المتوقع -في ضوء الاستنتاجات السابقة- استمرار الحرب التقليدية لبضع سنوات قادمة، ولكن نتائجها على البنى التحتية والخسائر البشرية ستكون أكبر بكثير مما كان عليه في السنة الأولى من الحرب، حسب النتائج المترتبة على كل احتمال من الاحتمالات:
- نجاح روسيا في تحقيق انتصارات جزئية أو كلية تمكنها من فرض شروطها على الولايات المتحدة والغرب. نجاح روسيا في توسيع دائرة الأزمات السياسية والعسكرية خارج أوكرانيا.
- نجاح القوات الأوكرانية في نقل المعركة إلى الأراضي الروسية.
- حدوث اضطرابات شعبية واسعة، داخل روسيا، تطيح بالرئيس بوتين.
(يتبع.. سيناريو الانفجار)