- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمود علوش يكتب: كيف سيُدير فيدان السياسة التركية في سوريا؟
محمود علوش يكتب: كيف سيُدير فيدان السياسة التركية في سوريا؟
- 19 يونيو 2023, 4:24:12 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد انجلاء غبار الانتخابات التركية، تتجه الأنظار إلى السياسات الجديدة التي ستنتهجها أنقرة في بعض القضايا الدولية، وعلى رأسها سوريا.
فمنذ اندلاع الحرب في سوريا شهدت السياسة التركية 3 تحولات بارزة.
- الأول بعد اندلاع الحرب وحتى عام 2016، حيث انخرطت أنقرة في دعم وتسليح فصائل المعارضة السورية من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد.
- والثاني بين عامي 2016 و2019، وهي الفترة التي تحولت فيها تركيا إلى الانخراط العسكري المباشر في الصراع من خلال شن عدّة عمليات عسكرية لإبعاد خطر تنظيمي داعش ووحدات حماية الشعب الكردية عن أراضيها، بالتوازي مع دخولها في شراكة مع روسيا وإيران ضمن منصة أستانا.
- أما التحول الثالث فبرز بعد عام 2019 واتسم بتعزيز الشراكة مع موسكو وطهران واستقرار مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا مع شروع أنقرة بشكل تدريجي في فتح قنوات تواصل مع النظام السوري بدءا من القنوات الأمنية والاستخباراتية وصولا إلى القنوات السياسية.
في كل هذه التحولات، لعب هاكان فيدان -الذي كان يرأس جهاز المخابرات التركية خلال هذه السنوات- دورا بارزا في تشكيل السياسة التركية في سوريا.
مع تولي فيدان منصب وزير الخارجية، فإنه إلى جانب خبرته الاستخباراتية في التعامل مع تعقيدات الصراع السوري والمصالح التركية، سيُشرف أيضا على إدارة الموقف السياسي التركي في سوريا. يُعطي تعيين فيدان في وزارة الخارجية مؤشرا على أن تركيا ستعمل في الفترة المقبلة على المواءمة بشكل أكثر فعالية بين مصالحها الأمنية في سوريا والدبلوماسية التي فرضت عليها في السنوات الأخيرة إيجاد مسار آخر لتعزيز مصالحها الأمنية من خلال الانفتاح على الحوار مع النظام السوري.
حتى في الفترة التي كان فيها فيدان في جهاز المخابرات، كانت أنقرة قد شرعت بالفعل في مفاوضات علنية مع النظام وعقدت سلسلة محادثات معه في موسكو برعاية روسية وإيرانية ضمن الآلية الرباعية وعلى مستويات أمنية وعسكرية وسياسية. لا يزال من غير الواضح التأثير المحتمل لفوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة على مسار الحوار مع النظام، لكنّه من المرجح أن يستمر في الفترة المقبلة مع فارق أن تركيا ستتمكن من إدارة سياستها الجديدة في سوريا بضغط داخلي أقل، الأمر الذي سيجعل هذه السياسة أكثر وضوحا من حيث الإستراتيجية الجديدة والوسائل التي ستسلكها.
قبل الانتخابات التركية، بدا أن عامل الضغط الداخلي على أردوغان بسبب قضية اللاجئين السوريين لعب دورًا رئيسيًا في إعادة تشكيل السياسة التركية في سوريا. كان أحد أهداف هذه الانعطافة الإظهار للناخب التركي أن الحكومة تعمل بالفعل على معالجة ملف اللاجئين من خلال محاولة التوصل إلى ترتيبات مع النظام تُمهّد لبدء إعادة طوعية وآمنة اللاجئين إلى بلدهم.
يُمكن القول إن هذه الإستراتيجية نجحت في تخفيف تداعيات قضية اللجوء على أردوغان في فترة الانتخابات، وإضعاف قدرة المعارضة التركية على الاستفادة من هذه الورقة. حتى في الوقت الذي تبنى فيه زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو خطابًا عدائيًا متشددًا ضد اللاجئين السوريين، بقي تأثير قضية اللاجئين في المنافسة الانتخابية أقل مقارنة بالقضايا الأخرى. ويرجع جانب من أسباب ذلك إلى الفوائد التي جناها أردوغان من وراء انعطافته الأخيرة في سوريا، وفي جانب آخر إلى الوعود التي قدّمها بالعمل على إعادة قسم كبير من اللاجئين على مدى العامين المقبلين.
مع أن أردوغان ضمن ولاية رئاسية ثالثة، فإن عامل الضغط المتمثل في قضية اللاجئين لن يتراجع؛ لأن تركيا ستُجري بعد نحو 9 أشهر انتخابات محلية مهمة، وسيسعى فيها حزب "العدالة والتنمية" الحاكم إلى استعادة البلديات الكبرى التي خسرها لصالح المعارضة في انتخابات 2019، لا سيما إسطنبول وأنقرة، فإن أردوغان سيُركز جهوده في العام الأول من ولايته الجديدة على إعادة جزء كبير من اللاجئين السوريين.
هناك مساران يعمل عليهما أردوغان لتحقيق هذا الهدف: الأول يتمثّل في المشروع الجديد الذي تعمل عليه تركيا بتمويل قطري من أجل بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في شمال سوريا، وتأهيل مساحة واسعة من المناطق من أجل توفير ظروف مناسبة تُغري اللاجئين من أجل العودة والاستقرار فيها. أما المسار الثاني فيتمثل في مواصلة المفاوضات مع النظام من أجل التوصل إلى ترتيبات تضمن عودة اللاجئين الذين فروا من مناطقهم خلال سنوات الحرب من دون تعرضهم لأي مخاطر أمنية. وفي المسار الثاني، يبدو التوصل إلى مثل هذه الترتيبات معقدا بالنظر إلى ارتباطها بمسارات أخرى كمستقبل الوجود العسكري التركي في شمال سوريا وملف التسوية السياسية الشاملة للصراع السوري.
حتى لو نجحت جهود تركيا في إعادة قسم كبير من اللاجئين إلى بلدهم خلال عام أو عامين، فإن معالجة كاملة لملف اللاجئين السوريين في تركيا لا يُمكن أن تتحقق من دون التوصل إلى سلام في سوريا. مع ذلك، فإن إعادة ثلث عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا أو نصفهم كحد أقصى تساعد في تخفيف الضغط على أردوغان في هذا الملف. هناك سبب يدفع النظام إلى خفض رهاناته على إحداث تقدم في المفاوضات مع تركيا في المستقبل المنظور، لأن أردوغان تجاوز ضغط الانتخابات، فإنه لم يعول على تعزيز شرعية النظام من دون أن يضمن في المقابل رضوخ الأخير لـ3 مطالب تركية رئيسية: تعديل اتفاقية أضنة بما يُتيح لتركيا التدخل عسكريا في سوريا بعمق 30 كيلومترًا لمواجهة أي تهديدات أمنية في المستقبل، وضمان إعادة اللاجئين السوريين، وتحقيق تسوية سياسية شاملة للصراع.
قبل الانتخابات، اشترط النظام مرارًا أن تقبل تركيا بوضع جدول زمني لسحب قواتها من سوريا مقابل التوصل إلى تسوية للخلاف بين أنقرة ودمشق. قاومت تركيا هذا الشرط ومن المرجح أن يزداد تمسكها بالحفاظ على وجودها العسكري في سوريا قبل التوصل إلى تفاهم يُحقق الأهداف الثلاثة العريضة لإستراتيجيتها الجديدة في سوريا. بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة، سيكون النظام في موقف تفاوضي ضعيف لفرض شروطه على تركيا. وفي ملف اللاجئين السوريين، فإن المسار المنفصل الذي تعمل عليه أنقرة سيجعلها أقل حاجة لتقديم تنازلات للنظام لأنها أولا تُدرك أن إقناع اللاجئين المقيمين في تركيا بالعودة إلى سوريا لا يُمكن أن يتحقق من دون إيجاد تسوية شاملة ونهاية للصراع، وثانيا لأنها لا تُريد أن تُرهن موقفها التفاوضي مع النظام بملف اللاجئين.
علاوة على ذلك، سيبقى عامل الأمن المشكل الأساسي للسياسة التركية في سوريا. يبدو أردوغان الآن في موقف أقوى لفرض شروطه على النظام السوري من أجل التوصل إلى ترتيبات أمنية شاملة في العلاقات والضغط على دمشق وحلفائها الروس والإيرانيين من أجل تسهيل عملية التسوية السياسية الشاملة مقابل تقديم جدول زمني لسحب القوات التركية من شمال سوريا.
مع ذلك، لا يُمكن تجاهل العلاقات الجديدة التي تُقيمها الدول العربية مع النظام كعامل ضغط على السياسة التركية في سوريا. لقد أضحى النظام بالفعل في موقف أقوى مما كان عليه خلال سنوات الحرب الماضية بينما يعمل محيطه العربي على إعادة تأهيله، لكنّ موقف تركيا سيبقى حيويا لإعادة تأهيل النظام. من دون انسحاب القوات التركية واستعادة السيطرة على المناطق الخاضعة المعارضة، سيبقى النظام عاجزًا عن إظهار أنه انتصر في هذه الحرب بشكل كامل، كما أن المنافع الاقتصادية التي سيجنيها من وراء إصلاح العلاقات مع تركيا ستبقى أساسية له.