- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عبد الوهاب بدرخان يكتب: بين الترامبية و«الدولة العميقة» الأمريكية
عبد الوهاب بدرخان يكتب: بين الترامبية و«الدولة العميقة» الأمريكية
- 19 يونيو 2023, 4:27:51 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الانقسام غير المسبوق في حدّته لا يزال مهيمنا على الولايات المتحدة، والعالَم يراقب بذهول وحيرة كيف أن المسلسل الذي بدأ عمليا مع ترشّح دونالد ترامب للرئاسة وفوزه عام 2016 يواصل الفرز عميقا بين فئات المجتمع، إذ إن حملته آنذاك دشّنت نمطا مختلفا من اللغة والمصطلحات والمواقف غير المألوفة. قيل إنه استخدم الشعبويةَ وطمس النخبوية، ثم تبيّن سريعا أن الحدث تجاوز التنافس التقليدي بين الحزبين الكبيرين، ليصبح تأسيسا أو ترسيخا للترامبية كمسار قائم بذاته، استطاع حرف الحزب الجمهوري وجرفه في تياره.
ولم يؤدّ خروجه من البيت الأبيض عام 2021، على وقع هجوم على مبنى الكونغرس، إلى تغيير الواقع الذي أنشأه أو إلى عودة الحزب لتقاليده السابقة، بل إن زعماءه ظلّوا بمعظمهم، وبمن فيهم الجدد، تحت مظلة ترامب، بدليل تضامنهم معه جميعا ضد الملاحقات القضائية التي يتعرّض لها.
ورغم القضايا التي وجّهت فيها اتهامات جدّية ضدّه، ومنها نقل وثائق رسمية سرية أو فائقة السرّية رفضَ تسليمها، فإن استطلاعات الرأي تواصل إظهار تأييد الناخبين له بنسب أقلّها 61%. ورغم أن استطلاعات أخرى بيّنت أن 73% يعتقدون أنه لم يكن ينبغي أن يحمل ترامب هذه الوثائق ويحتفظ بها، فإن الرئيس السابق المتهم استطاع أن يقنع 76% بأن ثمة «دوافع سياسية» وراء «مطاردته»، ولم يتردّد في اتهام الرئيس جو بايدن بـ«تدبير القضايا الاتحادية» المتعلّقة بالوثائق لـ«تقويض» حملته الانتخابية.
غير أن العديدَ من وزرائه وأعوانه السابقين، يعتبرون أنه أخطأ في التعامل مع طلبات استرداد الوثائق، ويتساءلون قبل سواهم عن «دوافع» إصراره على الاحتفاظ بها وعرقلته عمل المحققين الساعين إلى استعادتها. منذ بداية ولايته الرئاسية أظهر ترامب ميلا واضحا إلى التشكيك في «مجتمع الاستخبارات»، الذي لا يستطيع أي رئيس أمريكي التقليلَ من أهميته.
وقبل دخوله البيتَ الأبيض كان مزمعا على إقفال التحقيقات في التدخل الروسي في الانتخابات، ثم اصطدم بتحقيقات حول اتصال أو ارتباط أعوانه الجدد بديبلوماسيين روس، وبعد فترة أقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (أف بي آي)، وفي مناسبات عدة أبدى استخفافاً بهذا الملف، خصوصاً خلال قمة هلسنكي (2018) مع الرئيس فلاديمير بوتين، أو استعرض معلومات سرّية أمام زوار أجانب.
أمّا الآن، وفي سياق الملاحقة القضائية، فإن ترامب صار أكثر وضوحا في تحديد هدفه، إذ قال: «عندما أعيدُ انتخابي سأقضي نهائيا على الدولة العميقة»، متعهّدا بـ«ملاحقة بايدن وعائلته»، وبعدما وصف وزارة العدل بـ«قلة العدل»، اتهمها بالفساد وبأنها «تعمل لحساب اليسار الراديكالي».. ولكل ذلك أصداء واسعة في آذان أنصاره. بمعزل عن مصير حملته الرئاسية المقبلة، يذهل الرئيسُ السابقُ خصومَه بقدر ما يرضي أنصارَه بمهارته الديماغوجية، واختلافه التام عمّن سبقه من رؤساء أمريكيين.
استطاع أن يثير أكثر من جدل: أولا، بين مبدأيْ «لا أحد فوق القانون» و«عدم جواز استخدام الحكومة سلطتَها ضد معارضيها». وثانيا، باستخدام «المعركة القانونية» لمصلحة «المعركة الانتخابية»،
وباستخدام الاثنتين لحرف الأنظار عن الاتهامات الخطيرة ضدّه. وثالثا، بعودة أنصاره إلى التلويح بالعنف وحتى بـ«الحرب» (نائب أريزونا آندي بيغز)، وكأن غزوة مبنى الكابيتول كانت مجرد نزهة!
المحكمة الفيدرالية تسمّي الدعوى «الولايات المتحدة ضد دونالد ج. ترامب» بسبب تعريضه أمن أمريكا للخطر، باحتفاظه بمخططات عسكرية ومعلومات تتعلّق بأسلحة نووية. أما أنصاره خارج المحكمة فيقلبون الاسم ليصبح «ترامب ضد الولايات المتحدة»!