- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محند امقران يكتب: العيد ..بين فرحة الصغار ونفاق الكبار
محند امقران يكتب: العيد ..بين فرحة الصغار ونفاق الكبار
- 3 مايو 2022, 5:10:18 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
العيد فرصة للخروج عن المألوف من العادات و السلوك،فرصة لكسر الروتين و الرتابة،فرصة لابداء الفرحة و السرور ،و الانتقال من نمط سلوك اجتماعي إلى نمط سلوك اجتماعي آخر، حتى و لو كان الأمر لفترة قصيرة قد تمتد ليومين او ثلاث، لنركز في رمزية العيد ،فلغة العيد مرتبط بالتعود او العادة ،أي عادة الاحتفال مثلا بمناسبة و لنقل دينية . فالاديان على كثرتها و اختلافاتها تقدم لنا انماطا للخروج عن المألوف و الدخول فيما اسميه "المكروه المباح"،"المنبوذ المسموح"،فإذا كان العيد فرصة للاحتفال، فهو فرصة كذلك للتبذير و الإسراف. رغم ان الاديان مرتبطة بعقلنة الاستهلاك و تعامل الإنسان اليومي مع المادة ،إلا أن العيد يمثل فرصة للاسراف و التبذير ،مباحة اجتماعيا بل مقبولة كذلك ،فلا حرج هنا بين الممارسة الدينية و بين النطاق الثقافي و الاجتماعي كقالب لممارسة العيد ،كمناسبة احتفالية .
العيد الصغير،العيد الكبير،عيد الفطر،عيد الأضحى، عيد القداس،الساباط او الشاباط ..إلى غير ذلك من التسميات المختلفة. والإسلام كغيره من الأديان، يقدم لنا عدة قوالب ومسميات و مناسبات للاحتفال و التلاقي ،لعل من أهمها عيد الفطر و عيد الأضحى، اللذان يشكلان وقفتين مهمتين في ممارسات كل مسلم لشعاءره، خاصة الصيام و الحج اللذين يعتبران من أركان الإسلام. رغم ان عيد الفطر كان من المفترض أن يكون محصلة شهر كامل من التعبدو مراجعة الذات و التقرب من المولى و ممارسة فضيلة التازر و التضامن و التسامح و التفتح على الآخر لما يحمله الصيام من مباديء سامية تتعلق بالتوحيد و العبادات و المعاملات ،هذا كله على المستوى النظري او دعوني اقول ما يجب أن يكون،لكن الواقع ينبهنا إلى شرخ وعطب أصاب منظومة العلاقات الإجتماعية في إطار الشعيرة الدينية.
إن الصوم كركن من أركان الدين الإسلامي، يمثل ممارسة روحية و جسمية هدفها السمو عن الماديات و لو إلى حين ،وترويض النفس و تعويدها على الصبر وممارسة الفضيلة بكل تشعباتها ،و لا أظن أن هناك تعارضا على هذا المستوى بين هذه الممارسة الدينية و الممارسات الثقافية في المجتمعات الإسلامية. العيد بين الدين و الاجتماع البشري كما حاولت انفا، ان اضع العيد كمناسبة في إطار ها الديني ،المناسباتي،فمن الأجدر أن نضعه كذلك في إطار السيرورة الاجتماعية ،و في إطار علاقات التعامل الاقتصادي و التجاري و المالي .فكما قلت بأن العيد مناسبة لكسر الروتين و الدخول في قالب احتفالي ،اسرافي يمكن أن يمثل قطيعة مع ممارسة الصيام بمعناها الروحاني الخالص ،الا أن الواقع و الملاحظ و الممارس ينبهنا إلى أن العيد هو مواصلة للاسراف الرمضاني و لكن بوتيرة أخرى.
يمثل شهر رمضان في العديد من البلدان الإسلامية المتخلفة ،فرصة للتجار لاشباع نهمهم الربحي ،فتكثر في اسواقنا مظاهر الغش في الميزان،و الزيادات اللامعقولة في الأسعار، و تكديس السلع و تبذيرها ،خاصة المواد الأساسية كالخبز او الرغيف المدعم بميزانيات معتبرة من الريوع البترولية أو الميزانيات المخصصة لمواجهة الندرة في شهر رمضان .ويمثل شهر رمضان فرصة للعديد من أشباه الصائمين لأخذ عطل،و التوجه نحو سلوكيات انحرافية فيما يخص المعاملات و احترام اوقات العمل خاصة و خدمة المواطنين المغلوبين على أمرهم. يجمع الشهر الفضيل بين المتناقضات من سلوك بني البشر ،بين الغضب،السب و الشتم،العنف و الأرق الاجتماعي.
العبادة المفتعلة،التمظهر بحسن السيرة و السلوك خلال هذا الشهر و على هذا المستوى فشهر رمضان أصبح فرصة لاشباه الصائمين للتمادي و الإسراف في التعبير عن مكبوتاتهم و غراءزهم الاستهلاكية ،العدوانية،الغريزية،البهيمية،هنا نكون أمام شهر كامل حاد عن أصله بفعل السلوكات النفاقية للكبار خاصة و بطبيعة الحال فالصغار يشكلون استثناءا، هذا الأخير متعلق بصفة البراءة التي يتميز بها صغارنا ،ففي رمضان يتسابق الصغار لتعداد الايام التي اتمها صوما وصلاة و ذكرا و سلوك حسنا ،و يكرم الصغير الذي أتم صوم اول شهر رمضان كاملا،و كما يحظى من صام يومه الأول بتناول افطاره على سقف المنزل فرحة به و تعظيم لشانه و يستمر الأمر على هذا الحال حتى بعد نهاية الشهر.
العيد كممارسة احتفالية ذات أبعاد اجتماعية نفاقية
من مظاهر الاحتفال بالعيد ،ارتداء الملابس الجديدة ،الإسراف في شراء اللعب ،جمع المال،إطلاق العنان للفرحة و الفرجة بالنسبة للأطفال و في المقابل ورغم ماذكرته انفا من انحراف السلوك الجماعي عن المعاني و الأهداف السامية للصوم،إلا أن النفاق الاجتماعي يطغى على السلوك الجمعي ،فنجد أن افرادا مثلا لايفقهون شيئا في معاني الصيام بسلوكاتهم الانحرافية يواصلون العبث بالاسراف في التمظهر بالتقوى و التغافر بعد شهر كامل من النوم و الكسل و التبذير و الصرع. إن التراكمية السلبية هذه قد ادت إلى إخراج العيد من مناسبة احتفالية بنهاية ممارسة ركن من أركان الدين ،إلى مظهر انحرافي على مستوى الفهم القويم للدين و للثقافة،و تكريس العبثية المفرطة على مستوى العلاقات الاجتماعية ،التي أصبحت تتوجه شيئا فشيءا إلى السطحية اكثر منها ممارسة سوية للدين و للعيد كمحصلة تفاعل الدين بالثقافة، ففي مجتمع إسلامي متخلف ضاع فيه سلم القيم و اختزلت فيه الممارسة الدينية السمحة في مظاهر الأكل و اللباس و الزينة و السهر و الموسيقى ،أصبح العيد كذلك صورة مصغرة لحالة الهذيان الإجتماعي و البهتان الذي تعيش فيه المجتمعات الإسلامية المتخلفة.