- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مدى الفاتح يكتب: 2023: واشنطن وإيران: إحياء الاتفاق النووي؟
مدى الفاتح يكتب: 2023: واشنطن وإيران: إحياء الاتفاق النووي؟
- 4 يوليو 2023, 7:07:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في ظل مزاحمة أحداث دولية كالحرب الأوكرانية، والتهديد الصيني لتايوان ومستجدات إقليمية أخرى، تراجع الاهتمام بمتابعة الشأن الإيراني، خاصة ما تعلق بالمشروع النووي على أهميته. كان آخر ما شغل العالم هو المظاهرات الكبرى، التي تسبب بها مقتل الفتاة مهسا أميني على يد قوات الشرطة الأخلاقية. كادت هذه الاحتجاجات أن تشكل تهديداً للنظام بعدما عمت أنحاء متفرقة من البلاد، وبعد أن انخرط فيها ملايين الغاضبين. بجانب هذا الحدث كان هناك شيء آخر وهو الخبر، الذي شغل العالم لبعض الوقت والمتعلق بتحذير وكالة الطاقة الذرية من أن وصول إيران للقنبلة النووية بات مسألة وقت. أكد تقرير حديث للوكالة نشر في مايو الماضي هذه الحقيقة، بل ذهب للقول إن إيران أنتجت كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسب لا يمكن أن تكون محصورة في الاستخدام السلمي.
تريتا بارسي الكاتب في مجلة «فورين بوليسي»، ناقش ذلك في مقال له نشر قبل أسبوعين اعتبر فيه أن إيران باتت أقرب للقنبلة النووية من أي وقت مضى. هذا الاقتراب النووي مفهوم إذا وضعنا في الاعتبار أن إيران كانت تتصرف بشكل منفرد بعد أن أصبحت غير مقيدة بأي التزام دولي، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، الذي كان يقيد، لحد ما، نشاطاتها. المفاوضات، التي عقدت عليها آمال كثيرة خلال العام الماضي، سرعان ما وصلت لطريق مسدود، فلا الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، نجحت باستمالة إيران، وجعلها تؤخر بشكل طوعي مسألة مواصلة التجارب لتحقيق طموحها النووي، ولا إيران نجحت في إقناع مفاوضيها بأن برنامجها سلمي، وأنها لا تهدف للقيام بأي عمل يهدد السلم والأمن الإقليمي. بالنسبة للمراقبين كانت فرص تلك المفاوضات في النجاح ضئيلة، خاصة مع إصرار كل طرف على إدراج بنود وقضايا غير متعلقة بالمسألة النووية، كالسياسة الإيرانية أو التجارة الحرة، أو العقوبات أو غيرها.
المباحثات حول تخفيض التوتر اسم جديد لخطوط التواصل بين الجانبين الإيراني والأمريكي وهو اسم يطلق على حوارات غير مباشرة، كان بعضها برعاية سلطنة عمان
ما أحدثه عامل الحرب الأوكرانية من متغيرات كان لصالح إيران، فمن ناحية تراجعت أهمية الملف الإيراني وتأثيراته في أوروبا في ظل التهديد الروسي الوشيك، ومن ناحية أخرى لم تعد الولايات المتحدة متحمسة للقيام بضربات حاسمة لإعاقة المشروع النووي، خاصة بعد هزات طالت علاقتها بدول المنطقة. المملكة السعودية، التي أصبحت أقل ثقة في النوايا الأمريكية، قامت بخطوة مهمة في مارس الماضي، حين مدت يدها لمصافحة إيران مستعيدة التبادل الدبلوماسي، ومنهية سنوات من الجفاء والعداء البارد. نظر كثير من الفاعلين في المنطقة لهذه الخطوة بترحاب آملين أن تنهي عهد الحروب بالوكالة، خاصة ما يتعلق بالدعم الإيراني لميليشيات الحوثي اليمنية. كانت تلك خطوة مهمة، لكن التغيير الأهم كان ما رشح بعد ذلك من أنباء عن توجه أمريكي في إدارة بايدن نحو تخفيض التوتر مع الدولة، التي كان ينظر إليها لوقت طويل كنظام مارق معادٍ. الحديث عن تخفيض التوتر واستبعاد الحل العسكري والتقليل من لغة التهديد، ربما يعيد إلى الأذهان التحليلات، التي كانت تذهب إلى أن الأمريكيين ليسوا جادين في قمع المشروع النووي الإيراني، وأن كل ما كان يطفو على السطح من توترات كان مجرد تصعيد متحكم به، ولا يمكن أن يصل بأي حال لحافة الحرب المفتوحة الحقيقية. يمكن أن نأخذ ذلك النوع من التحليل على محمل الجد، فربما يكون لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة إحساس بأهمية وجود إيران كدولة شيعية قوية في محيط سني، لخلق بعض التوازن الجيوسياسي، لكن علينا ألا ننسى في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة لم تكن تستطيع في الحقيقة فعل شيء، فالجميع يعلم أنها غير راغبة في تكرار مآسي التدخل العسكري، خاصة بعد الانسحاب المخزي من أفغانستان، وفشلها في كل عملياتها العسكرية ذات التكلفة العالية. مع ذلك تشير بعض الشواهد إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي قاد انسحاب بلاده من تعهداتها بموجب الاتفاق النووي، كان يفكر بشكل جاد في توجيه ضربة موجعة للمشروع النووي الإيراني. تلك الفكرة لم تتحقق بسبب عدم حماس مسؤولي إدارته لخوض تلك المغامرة، ربما لتفكيرهم في حساسية الأمر وما يمكن أن ينتج عن انتقام إيراني. تبدو الولايات المتحدة عاجزة، ليس فقط في ما يتعلق بالمسألة الإيرانية، التي لم تستطع حلها لا بالتفاوض غير المباشر ولا بسياسة العقوبات، وإنما أيضاً إزاء كل النزاعات الدولية. في مقابل العجز الأمريكي والانشغال الأوروبي بدأت إيران تتصرف بلا اكتراث، على طريقة شخص لم يعد لديه ما يخسره، ليس فقط على مستوى وقف التعاون مع الوكالة النووية ومواصلة العمل بشكل سري وخالٍ من الشفافية، ولكن أيضاً عبر متابعة دعم أذرعها العسكرية في المنطقة، وتحدي الغرب عبر توريد طائرات درون إلى روسيا، وعبر التجاهل الواضح لحقوق الإنسان، كما ظهر في تعاملها مع موجة المظاهرات.
المباحثات حول تخفيض التوتر هو اسم جديد لخطوط التواصل بين الجانبين الإيراني والأمريكي وهو اسم يطلق على حوارات غير مباشرة، كان بعضها برعاية سلطنة عمان، بغرض أساسي هو حفظ ماء وجه البلدين، اللذين قررا في وقت سابق أنه لا مكان للتفاوض أو التراجع عن المواقف، فعلى ما يبدو خلص الطرفان لأنه لا بديل عن التفاوض لبحث تقييد البرنامج النووي وللمساعدة في إطلاق سراح محتجزين أمريكيين ترى واشنطن أنهم محبوسون بلا جريرة. ترى مجلة «إيكونومست» أن الاتفاق الجديد، حتى إن تحفظ الطرفان على إطلاق اسم اتفاق عليه، واعتبرا أنه مجرد تفاهم، سيكون مفيداً لإدارة بايدن لجهة كسب الوقت، فبواسطته ستضمن إغلاق هذا الملف، على الأقل حتى نهاية العهدة الرئاسية. إيرانياً، سوف يخفف الوصول إلى تفاهم الضغط على الحكومة المأزومة اقتصادياً، عبر رفع بعض العقوبات وعبر السماح بتدفق الأموال المحتجزة، كالديون العراقية والكورية الجنوبية البالغة عشرة مليارات دولار، وهو مبلغ كبير وكاف لبعث الروح في الاقتصاد، الذي بات يعاني من الشلل، حتى لو كان ذلك على طريقة الأموال مقابل الغذاء والدواء، كما تقترح بعض الأطراف. لن يتحدث أحد، خاصة الأمريكيين، عن إحياء للاتفاق النووي أو وضع اتفاق جديد أو معاهدة، ولعل أحد أسباب ذلك، بجانب حفظ ماء الوجه، هو التهرب من مواجهة الكونغرس واللوبيهات المعادية لإيران، أو التي ترى أنه لا يمكن التعاون معها بسبب سجلها الحقوقي أو مساندتها لروسيا.
تستند التفاهمات الجديدة على منطق تم طرحه إبان الاتفاق الأول عام 2015 وهو أن خلق ارتباط مع إيران يساهم في تحسين سلوكها والتقليل من المخاوف بشأنها، أو بكلمات أخرى تحويل الاتفاق لصفقة تستلم بموجبها إيران أموالا طائلة مقابل تجميد مساعيها النووية. هذا المنطق لم يثبت نجاحه في السابق، بل أكدت التجربة أن السياسة الإيرانية لم تتغير بعد الاتفاق، يدرك المتحمسون الأمريكيون للتفاهمات الجديدة ذلك بكل تأكيد، لكنهم يرون، في الوقت ذاته، أن لا بديل، فبالنسبة إليهم كان الاتفاق السابق، مع كل ما وجه إليه من انتقادات، يضع البرنامج النووي تحت السيطرة، بعكس العقوبات، التي أضرت بالاقتصاد الإيراني وبالمواطنين، لكن من دون أن تهدد بقاء النظام أو تعطل مشروعه النووي.