- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
مزهر جبر الساعدي يكتب: المنطقة العربية وجوارها أكمة بحاجة إلى الأضواء الساطعة
مزهر جبر الساعدي يكتب: المنطقة العربية وجوارها أكمة بحاجة إلى الأضواء الساطعة
- 10 يونيو 2023, 4:53:57 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في السنوات الأخيرة تناقلت وسائل الإعلام، سواء العربية منها أو الأمريكية أو الإسرائيلية أو غيرها؛ نقلا عن تصريحات لمسؤولين في الدول المعنية، عن النية في إقامة أو بناء خطوط للسكك الحديد، تربط دول الخليج العربي ودول عربية أخرى تقع على هذا المسار، وهي الأردن ومصر وفلسطين والعراق.
في عام 2018 تحدث نتنياهو؛ عن النية في إقامة خطوط لسكك الحديد تربط الخليج العربي ودولا عربية أخرى والأراضي الفلسطينية المحتلة، وإسرائيل، نتنياهو قال موضحا في وقتها؛ إن من الطبيعي وضع حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي حتى يكون بالإمكان البدء بهذه المشاريع، لكن الظروف معقدة على هذا الطريق؛ لذا، من المهم البدء بعملية تطبيع العلاقات مع الدول العربية، ومن ثم إقامة هذه المشاريع بين إسرائيل وبينها، وهي الكفيلة بوضع الحلول للفلسطينيين، ولم يقل إقامة دولة للفلسطينيين. في العام ذاته تناول وزير النقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال زيارة له لمسقط؛ الموضوع نفسه. وفي العام نفسه تناولت الصحف الإسرائيلية الموضوع، وبإسهاب.
لم ينف في حينها هذه التصريحات، أي مسؤول عربي، سواء في الدول التي سيبدأ منها المشروع، أو التي سينتهي بها، أو التي تقع على خط سيره. من المهم الاشارة هنا إلى أن هناك مشروعا للربط السككي وهو مشروع إيراني؛ يمتد من الشلامجة مرورا بالعراق، إلى الموانئ السورية وتحديدا إلى ميناء اللاذقية، مرورا بالتنف أو البوكمال، لربط الموانئ الإيرانية المطلة على الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط. المشروع الإيراني طرح منذ عدة سنوات، لكنه لم ينفذ، ربما لمعارضة أمريكا. في الوقت الحاضر جُدد طرح هذا المشروع، في تزامن مع اتفاق إيران وروسيا على مد خطوط للسكك الحديد تربط إيران بروسيا إلى الهند، وربما بالعكس أي من روسيا والهند عبر إيران والعراق وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط. في مايو الماضي؛ نشر موقع أكسيوس وهو موقع إلكتروني أمريكي؛ أن مستشاري الأمن القومي السعودي والأمريكي والإماراتي والهندي؛ سيناقشون مشروع بنية تحتية تربط دول الخليج العربي وبعض الدول العربية بشبكة سكك حديدية مع الهند.. وبيّن الموقع في المنشور ذاته؛ أن فكرة المشروع أي مشروع السكك الحديدية ظهرت في المحادثات التي كانت قد جرت قبل الـ18 شهرا الماضية في منتدى مجموعة آي 2 يو 2” (I2U2)، وهو المنتدى الذي يضم إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة والإمارات والهند، والذي تأسس عام 2021، (الحديث لم يزل لموقع أكسيوس) الهدف منه هو إقامة بنية تحتية استراتيجية لمشروع ربط دول الخليج العربي بالهند، وهو هدف استراتيجي أمريكي في منطقة الشرق الأوسط، في ظل تزايد النفوذ الصيني في المنطقة، من خلال مشاريع الصين في الحزام والطريق. الموقع ذاته أشار إلى أن إسرائيل، وفي اجتماعات المنتدى العام الماضي؛ كانت قد طرحت فكرة إقامة مشروع للسكك الحديد لدول المنطقة، وقد تنضم إليه في حال تحقيق تقدم في الجهود المبذولة للتطبيع مع دول المنطقة. صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصادرة في 30 أبريل؛ أكدت نقلا عن سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي؛ أن البيت الأبيض يعكف على مشروع إحياء عملية التطبيع، بالإضافة إلى مناقشة الملف النووي الإيراني. واختتم موقع أكسيوس موضحا؛ أن سفارات السعودية والإمارات والهند لم ترد عليه عندما طلب التعليق على التسريبات التي نشرها. تأتي هذه التسريبات في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية وجوارها الإسلامي؛ تهدئة وانفراجات سياسية، وحلحلة وتفكيكا للمشاكل والصراعات وحتى الحروب الأهلية في اليمن، أو في غيرها من الدول العربية، إضافة إلى عودة سوريا إلى الحضن العربي هذا من جانب، ومن الجانب الثاني تشهد المنطقة العربية وجوارها الإسلامي؛ توجها لبناء علاقات أو شراكات مع الصين بالدرجة الأولى، ومع روسيا بدرجة أقل. أما من الجانب الثالث فإن القضية الفلسطينية وما يتعرض له الفلسطينيون من قتل وتهديم منازل وقصف إسرائيلي مستمر بحجة أو بغيرها، تواجه بصمت عربي وإسلامي، باستثناء إلى حد ما؛ النظام الإيراني فإن له موقفا مختلفا على الأقل حاليا، ولست هنا في وارد تزكية النظام الإيراني، فإن له ما له وعليه وما عليه، إنما لتسليط الأضواء على حقائق الواقع الموضوعي كشفا له؛ فالدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية، سياسيا ومعنويا وإعلاميا، وتسليحيا في التدريب والتصنيع، وهو ما يقوله قادة المقاومة الفلسطينية بوضوح تام. السؤال المهم والخطير هو، هل هناك خلف الأسوار ما هو متحفظ عليه في حقائب مقفلة بالسرية التامة حتى يحين وقتها، أو يتم إنضاج الظروف لإشهارها من قبل الأنظمة العربية، أو حتى من جوارها الإسلامي، وحتى من الدول العظمى والكبرى، بما فيها الصين وروسيا، وليس أمريكا والغرب وإسرائيل فقط؛ الفاعلة في المشهد السياسي العربي؟
طرح مشاريع السكك، لم يكن من فراغ، في مخططات الدول المعنية بها، بل إنها فعلا موجودة في الغرف السرية، وإلا ما جرى الحديث عنها بين حين وآخر
إن طرح مشاريع السكك، لم يكن من فراغ، أو ليس لها وجود في مخططات الدول المعنية بها، بل إنها فعلا موجودة في الغرف السرية، وإلا ما جرى الحديث عنها بين حين وآخر، أو تسريبها لغرض تهيئة النفوس والأذهان لها في حركة استباقية ليس إلا، من حيث المبدأ؛ هي مشاريع اقتصادية مهمة لجهة التنمية وتعزيز السلام والاستقرار والأمن في المنطقة العربية وجوارها، ولكن وهذا هو المهم؛ الكيفية السياسية والأمنية والاقتصادية، التي يتم بها تنفيذ، هذه المشاريع على طريق حفظ حقوق الدول العربية، أو غيرها من الدول التي تقع على هذا الطريق، وأن لا تكون مجرد وسادة تتكئ عليها مصالح الدول الأخرى، وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل، أو غيرهما من الدول التي ربما لا تريد أن تظهر في الصورة والمشهد، على الأقل، في فترات التحضير لهذه المشاريع. وهل يجري تنفيذها على حساب القضية الفلسطينية، أي تمييع الحق الفلسطيني في دولة له ذات سيادة كاملة، قابلة للعيش، كما قال بوش الأب قبل أكثر من ثلاثة عقود، أم يجري الأمر بخلاف هذه الإرادة كليا، أي تحويل أمر الدولة الفلسطينية إلى خيار الرفاهية وتوفير فرص عمل، مع بقاء القضم الإسرائيلي لما تبقى من أرض فلسطين الذي لا يتعدى 18% منها، إلى أن يتم حصرهم في بقعة من الأرض لا تأثير لها، بحكم ذاتي تحت الهيمنة الإسرائيلية.
مشاريع السكك الحديد هذه تثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام التي تحتاج إلى إجابات، أو أنها تحتاج إلى تأكيد أو نفي من الدول التي تجري إقامة هذه المشاريع على أرضها، وهل أن إسرائيل جزء منها، أم أنها ستكون لاحقا جزءا منها بعد ـ كما ورد في تقرير الموقع الأمريكي المشار إليه آنفا ـ عملية تطبيع جديدة ولو بعد زمن، في انتظار تحولات المنطقة والعالم التي عند بلوغها محطاتها الختامية سوف تغير الأوضاع، والعلاقات بين دول المنطقة العربية وجوارها. عندها إذا ما تم تنفيذ مشروع إيران للربط السككي بينها وبين سوريا والعراق، هل يتواءم هذان المشروعان، أم يسيران بتوازٍ من دون صدام؛ بمقايضة ما أو تسوية ما، محورها فلسطين وإسرائيل، مع مشروع طريق سكك الحديد الآخر، أو رفضه من قبل الفاعل الدولي، سواء الروسي أو الأمريكي، في حالة غياب هذه المقايضة أو التسوية هذه، وهما وبكل تأكيد تخصان إسرائيل وفلسطين، وموقف سوريا الأسد من كل هذا، أو لناحية المشروع الإيراني، وموقف الأنظمة العربية من هذا المشروع. من وجهة نظري؛ هناك احتمالان، الأول؛ مفاده العمل الأمريكي على تغيير النظام الإيراني بطريقة أو بأخرى. الاحتمال الثاني؛ هو إجراء صفقة أو مقايضة ما؛ يشترك فيها الجميع لتسوية الأوضاع بما يؤدي إلى أن يتم تنفيذ المشروعين في آن واحد. اعتقد أن الاحتمالين واردان حسبما تقتضيه ظروف وتطورات الأوضاع في الدول العربية، سواء في الخليج العربي أو الدول العربية الأخرى، أو دول الجوار الإسلامي. هذه الأوضاع تجعل من المقاومة الفلسطينية؛ قاعدة لصراع ظاهر في حين، وخفي في أحيان أخرى كثيرة جدا، مع القوى العربية، وغيرها، التي تعمل على تبريد وتهدئة الأوضاع على حساب القضية الفلسطينية، التي تتركز في العمل على إيجاد دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، إنما له من القوة والفعل ما يجعله لاحقا، بعد زمن ما، يظهر بوضوح؛ بما تكون فيه المقاومة الفلسطينية حينها؛ رأس الرمح في هذا الصراع المستقبلي، كما هي عليه حاليا، إنما في وقتها سيكون الفرز التام للخنادق وينتهي خلط الأوراق.
كاتب عراقي