- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مصر وصفقة طائرات إيرباص: من يحاسب على الفساد؟ وهل هي شروط المشتري الجديد؟
مصر وصفقة طائرات إيرباص: من يحاسب على الفساد؟ وهل هي شروط المشتري الجديد؟
- 4 أبريل 2024, 1:19:41 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"خلو بالكم.. ما احناش إن شاء الله فسدة، خدنا أموالكم وضيعناها، ضيعناها بفساد أو بدلع، لا محصلش، إن كنا عملنا فكل حاجة اتعملت على أرض مصر، أي حد يشوفها، بأقول الكلام ده مهم، الكلام ده تسجيل من إنسان انتوا اختارتوه وقلتوا له تعالى تولى المسئولية، وأنا قلت لكم تعالوا نتولى المسئولية".
"الرئيس قاعد واخد باله إن الفساد اللي اتعمل لا يمكن يسيبه.. واللي خد الأرض جوه الميناء لا يمكن يسيبه حتى لو عمل ورق في غفلة من الزمان، وأنا لو ماعملتش كده يقدر المحافظ يعمل كده.. لا خايف، يقدر وزير النقل يعمل كده.. لا خايف، اللي عايز يبني بلد مابيخافش أبدا إلا من ربنا سبحانه وتعالى اللي هيحاسبه".
الفقرتان السابقتان هما أجزاء من خطب للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مناسبتين مختلفتين، الأولى في احتفال يوم الشهيد في 9 مارس 2024، والثانية من افتتاح ميناء الإسكندرية في 15 يونيو 2023.. كلمات في مناسبتين مغزاهم واحد، ألا وهو تعهد الرئيس بمحاربة الفساد أينما كان وحيثما وجد ومهما كان المتورط فيه.
استراتيجية مكافحة الفساد
منذ اللحظات الأولى لتولي السيسي رئاسة الجمهورية في مصر، كانت محاربة الفساد من أهم محاور سياساته وتصريحاته وخطبه، وكانت الخطوة الأهم في سياسات الرئيس لمحاربة الفساد، إعلانه استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، في خلال الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، والذي عُقد بمقر هيئة الرقابة الإدارية في 9 ديسمبر 2014.
وجاءت الدعوة تطبيقًا للمادة 218 من الدستور المصري التي تنص على: "تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك، وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها بمكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية؛ ضمانًا لحسن إدارة الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية، وذلك على النحو الذي يحدده القانون".
وتضمنت استراتيجية مكافحة الفساد التي تبنتها مصر ثلاثة محاور رئيسة، وهي:
المحور الأول: إصدار القوانين واللوائح التي من شأنها تحقيق مكافحة الفساد.
المحور الثاني: تمكين الجهات الرقابية والقضائية القائمة من العمل على إنفاذ تلك الاستراتيجية.
المحور الثالث: توافر الإرادة الحقيقية لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد دون تستر على الفساد والمفسدين أيًّا كانت مناصبهم أو مواقعهم.
قد يسأل البعض: لماذا كل هذه المقدمة الطويلة؟ ببساطة للتأكيد على أن عنوان التقرير هو في صميم سياسات الرئيس، ومن قلب الدستور الذي أقسم اليوم الثلاثاء على تطبيقه.
صفقة طائرات إيرباص.. عين الفساد
قبل أيام، خرج رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لشركة "مصر للطيران"، يحيى زكريا، بتصريحات لو خرجت في زمن الرئيس المخلوع مبارك، أو المعزول مرسي، لانهالت على النائب العام البلاغات والدعاوى المطالبة بحبس الرجل وسجنه بتهمة إهدار المال العام.
لكن الزمن غير الزمن، ومصر الآن باتت تنتظر أن يقوم الرئيس بكل شيء، كبيرا كان أو صغيرا، رغم أن تصريحه في حفل افتتاح ميناء الإسكندرية المذكور آنفا، يتعارض تماما مع ذلك، بل ويشجع كل مسؤول على ممارسة مهام عمله لاسيما في محاربة الفساد.
نعود إلى تصريح "رئيس مصر للطيران" المشار إليه، الذي قال فيه إن الشركة تعاقدت على بيع 12 طائرة من طراز "إيرباص A220-300"، على أن يتم تسليم أول طائرة من الصفقة للشركة الروسية أزور للطيران خلال الشهر المقبل، وباقي الطائرات على دفعات حتى مارس 2025.
ربما هذا الجزء من تصريحات الرجل لا يشوبها تهما بعينها، لكن تكملة التصريح الذي أدلى به لقناة "بلومبيرغ الشرق" المملوكة للسعودية، أفصحت عن كارثة تستوجب محاكمة لا محاسبة.
كارثة التصريح تجلت في نقطتين خطيرتين، ألا وهما أسباب بيع الطائرات، وجهة إنفاق العائد من بيع هذه الطائرات.
أين دراسات الجدوى؟
رئيس مصر للطيران قال إن الشركة قررت بيع الطائرات لعدم ملاءمتها للظروف المناخية الحالية، مضيفا أن العائد من بيع صفقة الطائرات، سيوجه إلى سداد ثمن قرض شراء الطائرات ذاتها.. "من دقنه وافتل له" كما يوصف المثل الشعبي المصري.
بالعودة إلى تاريخ هذه الدفعة من الطائرات مع "مصر للطيران"، سنجد أن الشركة تعاقدت على شراء 12 طيارة إيرباص A220-300s في عام 2017، وبدأت تسلمها في الفترة ما بين شهري سبتمبر 2019 – وسبتمبر 2020، وسط احتفاء إعلامي كبير وترحيب بالطائرات والصفقة ودورها في تطوير "مصر للطيران".
حديث رئيس الشركة عن الأسباب وجهة إنفاق العائد يطرح عدة أسئلة، ربما لن تجد من يجيب عنها، لكننا سنطرحها على أي حال:
- أين كانت دراسات الجدوى قبل التعاقد على الصفقة؟ وهل أجرت الشركة تجارب للطائرات قبل التعاقد أو فحصت مواصفاتها الفنية؟
- ما المعايير التي يتم اتباعها عند إبرام الصفقات في الشركة؟ ولماذا لم تكن الشركة تعتمد على هذه الطائرات في الرحلات مؤخرا، كما تكشف مواقع تتبع الطيران؟
- هل كان هناك معايير من الأساس عند التعاقد أم أن الأمر تم "لرفع الروح المعنوية" للشركة الخاسرة وليجد الإعلام مادة للاحتفاء بها؟
- لماذا بعد حوالي 4 سنوات اكتشفنا فجاة أن الطائرات غير ملائمة لظروفنا المناخية؟
- ما هو الثمن الذي دفعته مصر عند التعاقد على الصفقة؟
- كم بلغ حجم القرض الذي حصلنا عليه من أجل إتمام التعاقد؟ وكم فوائده؟ وممن حصلت عليه الشركة؟ ومن سيتحمل الخسائر؟
- هل صفقة البيع ستعوض ما تم دفعه عند الشراء (سعر الطائرة الواحدة حوالي 91 مليون دولار)؟ وهل يشمل سعر بيعها فوائد القرض؟
من المهم الإشارة إلى حقيقة معروفة، ألا وهي أن صفقات بيع وشراء الطائرات سواء من شركة بوينج أو إيرباص، كلها فساد في كافة أرجاء العالم.
ويكفي أن نذكر بما حدث في العام في 2020، عندما توصلت إيرباص إلى اتفاق على دفع غرامة بلغت 3.9 مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ صناعة الطيران، للسلطات الأمريكية بسبب تهم الرشوة لكثير من صفقات الشركة.
هل هي شروط المشتري الجديد؟
اللافت في تصريحات رئيس "مصر للطيران" أنها جاءت بعد أيام من الإعلان عن اتجاه الحكومة لخصخصة إدارة عدد من المطارات، وبالتزامن مع الحديث عن خسائر "مصر للطيران" وخروجها من تصنيف أفضل 100 شركة طيران تجاري في العالم لعام 2023، وكذلك من قائمة أفضل 10 شركات طيران عربيا لأول منذ 90 عاما.
ورغم أن هذا الإعلان صدر في البدء من مواقع ذات توجه معارض لمصر (عربي بوست)، لكن سرعان مع انضمت إليها مواقع أخرى تابعة لدول لا تعادي الدولة المصرية (اندبندنت عربية).
وما هي إلا أيام حتى أعلنت الحكومة المصرية بنفسها عن خطة لطرح إدارة وتشغيل المطارات أمام القطاع الخاص، مستعينة باستشاري دولي للطرح، تزامناً مع دعوة كبرى الشركات العالمية المتخصصة.. كل ذلك بعد أيام من صفقة رأس الحكمة.
ففي 4 مارس 2024، عقد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، اجتماعاً لمتابعة الإجراءات المقترحة من وزارة الطيران المدني لطرح إدارة وتشغيل المطارات بحضور كل من وزير الطيران المدني، الفريق محمد عباس حلمي، ووزير قطاع الأعمال العام محمود عصمت، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية، محمد سعيد محروس، وعدد آخر من مسؤولي الجهات المعنية.
وبحسب بيان مجلس الوزراء المنشور على الصفحة الرسمية للمجلس على فيسبوك: "الاجتماع تناول موقف اختيار استشاري دولي ذي خبرة كبيرة لوضع خطة برؤية متكاملة لعملية الطرح لإدارة المطارات المصرية عبر منظومة احترافية؛ لتنظيم حركة تدفق المسافرين وتأدية الخدمات، بأفضل عروض ممكنة، حيث ستتم دعوة أهم وكبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال، وبتوقيتات محددة للطرح، حيث تم استعراض قائمة بكبرى الشركات الاستشارية، كما تم مناقشة معايير التقييم الفني والمالي للشركات الاستشارية، بجانب مناقشة تصور مبدئي مقترح للإطار الزمني للطرح".
بعد بيان الحكومة، بدأ البعض يربط بين خصخصة إدارة عدد من المطارات كمقدمة لخصخصة قطاع الطيران بأكلمه، وفي القلب منه شركة مصر للطيران، ثاني أكبر ناقل جوي في أفريقيا بعد الخطوط الجوية لجنوب أفريقيا.
وكان على رأس المطالبين بخصخصة الشركة، رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي كتب عبر حسابه بمنصة "إكس: "خصخصة مصر للطيران هى الحل وإدخال شريك استراتيجي وطرحها في البورصة لجميع المصريين وفتح المجال الجوي للعالم كله ووقف الاحتكار".
بالعودة إلى صفقة بيع الطائرات الـ "إيرباص A220-300"، وبعدما اتضحت نية الحكومة في خصخصة قطاع الطيران، فهل كانت هذه الصفقة جزء من شروط المشتري الجديد؟ أم أنها بناء على نصيحة من الاستشاري الدولي الذي تحدث عنه بيان الحكومة؟