- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
مصطفى إبراهيم يكتب: عاصفة “بيغاسوس” تضرب إسرائيل من الداخل
مصطفى إبراهيم يكتب: عاصفة “بيغاسوس” تضرب إسرائيل من الداخل
- 20 يناير 2022, 4:31:46 م
- 706
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على رغم إعلان وزارة التجارة الأميركية إدراج شركة NSO الإسرائيلية، ضمن قائمة الشركات المحظورة، باعتبارها تمثل تهديداً للأمن القومي، إلا أن إسرائيل مستمرة في الدفاع عن الشركة وبرنامجها التجسسي.
فضيحة وجدل وعاصفة جديدة تضرب إسرائيل مرة أخرى، بعد التحقيق الذي أجرته صحيفة Calcalist، وفيه أن الشرطة الإسرائيلية استخدمت بشكل تعسفي برنامج “بيغاسوس” لاختراق الهواتف الذكية، الذي طورته شركة السايبر الهجومي الإسرائيلية NSO، من أجل التجسس على الإسرائيليين والمتظاهرين الذين احتجوا ضد رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتانياهو، وعلى رؤساء بلديات ومقرب من عضو الكنيست وموظفين في شركة حكومية ومشتبهين بارتكاب جرائم ومخالفات، وذلك من دون استصدار أمر من المحكمة أو إشراف قاض على هذا التجسس.
وكشف التحقيق أنه عام 2020، عندما شغل أمير أوحانا منصب وزير الأمن الداخلي، قامت الشرطة بتركيب برنامج المراقبة من بعد على هواتف قادة الاحتجاجات، واستولت على هواتفهم واستطاعت الاستماع إلى جميع أحاديثهم ومشاهدة جميع مراسلاتهم. وفي حالة أخرى، استخدمت الشرطة البرنامج للبحث عن أدلة على الرشوة على هاتف رئيس البلدية.
يظهر من العنوان الرئيسي للتحقيق طبيعة النظام السياسي والقضائي الإسرائيلي، وحقيقة التعقيدات والمراوغات القانونية وما إذا كانت هذه المراقبة الصارمة تمت الموافقة عليها والإشراف عليها وفي أي إطار قانوني دقيق.
والأخطر مدى تبعية النظام القانوني والقضائي إلى الأجهزة الامنية والشرطية، التي تتوجه إلى النظام القضائي من أجل الاستجابة لطلبات الأجهزة الأمنية التي تقدم إليه بأشكال مختلفة وبطرائق سرية، من أجل تمرير قرارات بالمراقبة والتجسس كما حصل من استخدام الشرطة تقنية “بيغاسوس”، ما يؤكد أن القوانين والنظام القضائي والقضاة، لا تعبر عن ادعاء أن إسرائيل دولة ديموقراطية.
ووفقاً لما ذكره موقع “واي نت” الإلكتروني أن ضابطاً رفيع المستوى في الشرطة أصدر الأمر باستخدام برنامج التجسس، ونفذه فريق العمليات الخاصة في لواء السايبر “سيغينت” (استخبارات الإشارة) التابع للشرطة، الذي تُفرض سرية كاملة على عملياته.
الشرطة الإسرائيلية لم تنكر الادعاء بأن برنامج “بيغاسوس” زُرع في الأجهزة الخليوية لإسرائيليين، وقالت إن “جميع أنشطة الشرطة في هذا المجال تتوافق مع القانون، على أساس أوامر المحكمة وإجراءات العمل الصارمة”.
وعلى رغم نفي القضاء ما ذكرته الشرطة، ورد القضاء بالقول إن “طلبات الأوامر القضائية لاستخدام تحقيق “إن إس أو” في بيغاسوس غير معروفة لدى القضاء”، وقد رفض المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلي العام أفيخاي ماندلبليت ادعاء الشرطة.
لكن الحقيقة التي لا يدركها كثيرون أن هذه الدراما لا تتوقف عند الأوامر القضائية من المحكمة أو من الجهات الرقابية، فالحكومة الإسرائيلية توفر مظلة قانونية خاصة بالشرطة، وتتعلق في قسم قانون التنصت على المكالمات الهاتفية الذي يسمح لمفوض عام الشرطة بالموافقة على التنصت حتى من دون أمر قضائي.
في إسرائيل لا حاجة إلى لجنة تحقيق في هذا الموضوع لمعرفة من أعطى الأوامر، وهذا يدلل على إجماع لدى الإسرائيليين على أن النظام القضائي والقانوني الإسرائيلي مقدس مثل الجيش “البقرة المقدسة”، في نظرهم ولا يخطئ، وعدم قيام الإسرائيليين برد فعل يثبت مدى هدوئهم عندما تكون القوانين والقضاة والأوامر بمثابة ختم مطاطي لانتهاكات الحقوق الأساسية.
هذا هو النظام السياسي الإسرائيلي، والنظرة المشوهة للواقع القانوني في إسرائيل، التي تبدو من بعيد انها تشرف بشكل موضوعي في دولة تدعي الديمقراطية على الأجهزة الأمنية في إسرائيل.
وهذا ما يعيشه الفلسطينيون من ظلم القانون الإسرائيلي وكذبة سيادة القانون والنظام القضائي الإسرائيلي التابع خاصة ما تسمى المحكمة العليا والمتماهية مع النظام السياسي والحكم العسكري وقراراتهما، وانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل يومي. فالمحكمة العليا تمنح الحكم العسكري حرية التصرف في انتهاكات حقوق الإنسان، وشرعت بشكل فعال بعض انتهاكات القانون الدولي في أحكامها، كالتعذيب والاستيطان.
ادعاء إسرائيل أنها واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط والدولة الليبرالية الحريصة على حقوق الإنسان وسيادة القانون، يتحقق حصراً عندما يتعلق الأمر بها وبالإسرائيليين، ويتوقف ذلك في حالة الفلسطينيين وآخرين.
في هذا الإطار تمكن قراءة فضيحة زرع برنامج “بيغاسوس” للتجسس في الهواتف المحمولة لموظفي منظمات المجتمع المدني الفلسطينية التي أعلنتها إسرائيل منظمات إرهابية.
كما أن النظام القضائي والقانوني الإسرائيلي يعمل دائماً على الموافقة على طلبات الأجهزة الأمنية التي يتم إحضارها إليه بشكل أحادي الجانب، والتي لا تتعلق بالضرورة بقضايا أمنية على الإطلاق، وبحضور رجل الأمن الذي يطلب الأمر بشكل عاجل. حتى قاضية المحكمة العليا السابقة داليا دورنر والمراقبون المتقاعدون، اعترفوا بالفعل بأن القضاة يعملون كأختام مطاطية لهذه الأوامر، وهم سعداء غالباً بذلك.
وهذا يدحض ديمقراطية إسرائيل وانها تضع برنامج بيغاسوس تحت استخدام أنظمة استبدادية في العالم، وبضمنها أنظمة عربية، من أجل التجسس على معارضين وناشطين في منظمات حقوق الإنسان.
على رغم إعلان وزارة التجارة الأميركية إدراج شركة NSO الإسرائيلية، ضمن قائمة الشركات المحظورة، باعتبارها تمثل تهديداً للأمن القومي، إلا أن إسرائيل مستمرة في الدفاع عن الشركة وبرنامجها التجسسي، وتصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينت أنه سيعمل جاهداً مع الرئيس الأميركي جو بايدن على شطب الشركة من القائمة السوداء، ما يعني استمرار الشركة المدعومة بشكل رسمي من الحكومة، وما تقدمه من خدمات سياسية وأمنية واقتصادية مهمة لإسرائيل، على رغم التقارير التي قالت إن شركة السايبر الهجومي الإسرائيلية NSO، معرضة لخطر الإفلاس والعجز عن سداد ديونها، وتدرس إغلاق القسم المسؤول عن تطوير برنامج التجسس “بيغاسوس” أو طرح الشركة بكاملها للبيع.
تستفيد إسرائيل من “بيغاسوس”، والشركة المنتجة وما تقدمه وقدمته سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، علماً أنها محمية من النظام السياسي الإسرائيلي. كما أن إسرائيل تعتبر نفسها الام الوحيدة لـ”الهاي تيك” في العالم، وهذه قد تكون الإجابة عن سؤال، لماذا تتمسك إسرائيل بهذه الشركة وبرنامجها؟ وما الذي قدمته بخاصة في عهد نتانياهو؟ ربما نذكر أيضاً أن هذا كان مدخل التطبيع مع بعض الدول العربية.