مصطفى إبراهيم – رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات يكتب وداعاً البطل المغوار يحيى السنوار

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 17 أكتوبر 2024, 7:38:10 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

  إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا  مايرضي ربنا ..  إنا لله وإنا إليه راجعون .. قال تعالى : "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" ..  أنعى للأمة الإسلامية استشهاد البطل المغوار يحيى السنوار في الصفوف الأمامية لأرض الرباط أرض غزة العزة ، مقبلاً غير مدبر ، فأصابته قذائف الغدر للعدو الصهيوني ، فأسلم روحه الطاهرة إلى بارئها ،  بعدما ظل يواصل إلقاء القنابل اليدوية على العدو الصهيوني  حتى بعد إصابته في ذراعه  حسبما افاد مصدر عسكري لهيئة البث العبرية .. وقد أفجعني كما افجع كل مسلم وكل حر استشهاد السنوار ، ولكن هذا درب الصالحين وقد سبقه إلى الشهادة سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه ، وفرح المشركون واستبشروا ، وهللوا،  باستشهاده  ، فجاء نصر الله بفتح مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ..  كما سبقه الشهيد الطيار جعفر بن ابي طالب ، وعبد الله بن رواحه، وزيد بن حارثة،  ,  وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن ابي طالب ، وغيرهم من الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم جميعاً، كما سبق السنوار إلى الشهادة مؤسس حماس الشهيد عز الدين القسام الذي كان لاستشهاده الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م، وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك.

بعدما حدد القسام مسؤوليات القادة من بعده، ووزع عليهم مناطق فلسطين، وتأخر امتداد الثورة بعد وفاة القسام بسبب مقتل عدد من القياديين في الجماعة واعتقالهم، وخلال الشهور الخمسة (بين وفاة القسام في 20\11\1935م وبين إعلان متابعة الجهاد في نيسان (أبريل) سنة 1936م) قام أتباع القسام بدراسة خطة عمل شاملة لاستمرار الثورة حتى تتحقق أهدافها، وقاموا بالانتشار في الجبال، وتنظيم الجماعات السرية في أنحاء فلسطين، وخصوصاً في الشمال، كما قام المثقفون من أتباع القسام بتحريض الشعب على الجهاد ..و من المؤكد أن أتباع القسام لم يُلقوا السلاح بعد مقتله، بل قاموا بتنظيم أنفسهم، وأصبح القائد الخليفة هو الشيخ فرحان السعدي، وبقيادة فرحان السعدي بدأت الثورة الكبرى (1936-1939م) عندما قامت مجموعته بقتل يهوديين وجرح ثالث في نواحي قريتي عنبتا ونورس، مما هز البلاد وأحدث جواً عاماً من التوتر، هيّأ النفوس للمشاركة في الثورة، قامت إثرها حوادث يافا التي أدت إلى اشتباكات بين العرب واليهود. وإثر هذه الأحداث تشكلت اللجان القومية في مدن فلسطين وقراها، للإشراف على سير الحركة الوطنية.

 

وأعلنت عن بدء الإضراب الشامل منذ 20\4\1936م، وامتد ستة أشهر كاملة، ثم تشكلت اللجنة العربية العليا لتكون القيادة السياسية الموحدة للعمل الوطني. ومُثلت فيها الأحزابُ كلُّها، وترأسها الحاج أمين الحسيني.. وقد ثبت أن عُصبة القساميين كانت لها القيادة والتوجيه والتنظيم في شمال فلسطين، عندما تجددت الثورة سنة 1937م، ولها دور بارز ورئيس في قيادة منطقة لواء نابلس وتنظيمها، حيث كانت هاتان المنطقتان أشدَّ مناطق الثورة قوةً وعملاً ونشاطاً.. وقد قال المؤلف «رودلف بيترز» صاحب كتاب «الجهاد في الإسلام قديماً وحديثاً»: «لقد تشكلت في أثناء الثورة الكبرى بفلسطين جماعات كثيرة، شنت حرب عصابات، ونجحت في شلّ الحكومة المدنية، وأخضعت مناطق واسعة من البلاد لسيطرتها، وإن كثيراً منها كان يقودها أتباع الشيخ عز الدين القسام، وكانت تتصور النضال بمفهوم ديني بحت، إذ كانت تطلق على نضالها اسم الجهاد، وقد شابهت في عملها منظمات الجهاد المبكرة مثل السنوسية في ليبيا والمهدية في السودان والمحمدية في الهند»، وذكر أن تنظيم القسام أثر تأثيراً كبيراً في الثورة الكبرى في فلسطين (1936-1939م).

كما سبق السنوار أيضا ًإلى الشهادة الشيخ الورع والقعيد الذي ايقظ أمة الشيخ  أحمد ياسين والمهندس عبد العزيز الرنتيسي ومحمود المبحوح وصالح العاروري وإسماعيل هنية  رحمهم الله جميعاً .

ولسان حال السنوار حين وفاته تصوره قصيدة خبيب بن عدي التي قال فيها :-

 

 

لقد جَمّعَ الأحزابُ حَولِي وألّبوا ... قبائلَهُمْ واستَجْمَعُوا كُلَّ مَجمَعِ

 

 

إلى اللهِ أشْكُو غُرْبَتي ثُمَّ كُرْبَتي ... وما أرصدَ الأحزابُ لي عندَ مَصرعَي

 

فَذَا العرشِ صَبِّرْني على ما يُرادُ بِي ... فقد بضّعوا لَحْمي وقدْ يَاسَ مَطْمَعي

 

وذلكَ في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ ... يُبارِكْ على أوصالِ شِلْو مُمَزَّعِ

 

وقد خَيَّرُوني الكُفرَ والموتَ دُونَه ... وقدْ هَمَلَتْ عَيْنايَ من غَيرِ مَجزَعِ

 

وما بي حَذارُ الموتِ، إني لميّتٌ ... ولكنْ حَذاري جُحْمُ نارٍ مُلَفَّعِ

 

فلستُ أُبالي حِينَ أُقتَلُ مُسلِماً .. على أيِّ جَنْبٍ كانَ في اللهِ مَصرَعي

 

ولستُ بمبدٍ للعدو تخشُّعاً ... ولا جزَعَاً، إنّي إلى الله مَرجِعي.

عندما  علمت بنأ استشهادة سألت فعلمت انه كان كل يوم يخرج وسط المعارك ليقنص جندي أو اكثر من الصهاينة، فعبت عليه ذلك، وقلت إن بقاءه حيا أولى لشباب المقاومة الباسلة، ولكن  من الممكن انه كان يفعل ذلك لرف عالروح المعنوية للمجاهدين الأبطال ،  وقد يكون قد تمنى  الشهادة ، كما صرح كثيراً في فيديوهاته المنتشرة على الإنترنت ، وقد نال ما تمنى ، واسلم روحه الطاهرة إلى بارئها ن فاللهم  تقبله في الشهداء، والحقنا به على خير . 

ولقد أطلقوا عليه اكاذيب كثيرة ، فقالوا إنه يختبئ في أنفاق عميقة وقالوا إنه يختبئ بين النازحين في المناطق الإنسانية ‏ثم قالوا إنه يحيط نفسه بالأسرى الإسرائيليين وقالوا إنهم يعلمون مكانه ولكن لا يريدون اغتياله من أجل الأسرى، وقالوا غير ذلك .  
 لكنه استشهد في الخطوط الأولى للقتال استشهد وهو يرتدي جعبته العسكرية ويحمل سلاحه ويشتبك بمنهتى القوة مع قوات العدو الصهيوني  برفقة مجموعة من المقاومين ‏استشهد في مكان قريب من دبابتهم ويقود المعركة من الأمام  وأغلب المشاهد القادمة من رفح كانت من تخطيطه،  استشهد  صامداً واقفاً  كالنخل الباسق ، في مبنى  وسط المعركة وليس مختبئاً  في نفق ‏و رغم كل ذلك  لم تكن إسرائيل تعلم مكانه وهو يتواجد على بُعد أمتار من دبابتهم ، ولم يكن معه أسير إسرائيلي واحد ، وليس معه مئات الحراس المدججين بالسلاح ، بل كان برفقته اثنين من قادة حماس، وقد خرج في هذا اليوم ليقتنص عدداً من جنود العدو كما كان يفعل كل يوم  .   
 

ولئن مات السنوار ففي المقاومة عشرات الآلاف مثل السنوار، ولئن مات السنوار فكلنا سنموت قال تعالى :  “ كل نفس ذائقة الموت”، وقال تعالى “ كل شيء هالك إلا وجهه”، وشرف له أن يلقى ربه في ميدان الجهاد مقبلاً غير مدبر كما قلت، ومواجهأً للعدو وليس خائفاً منه، وهو ميتة شريفة ، وطاهرة،، وكما قال خالد بن الوليد رضي الله عنه :"  ألا  فلا نامت أعين الجبناء" .. وسيظل السنوار حيا في قلوب الأتقياء والانقياء والشرفاء والأحرار .

و أقول بكل تأكيد  إنه إن شاء الله لن تنطفىء جذوة المقاومة باستشهاد السنوار بل ستزداد اشتعالاً .

وفي الختام أقول وداعاً أبا إبراهيم ..  طبت حياً وميتاً يا ابا إبراهيم .. فقد قضيت نصف عمرك مسجونا ، ومطارداً وقدت حركة مباركة، وتزعمت فتية أبطالا ، وثلة من أشجع الشجعان، وأنقى وأطهر الرجال ، وقد  آلمت العدو بشدة، وأفقدته توازنه، وقدت معركة شريفة على مدار أعوام مديدة ختمتها بنجاحكم طوال عام كامل في إخفاء الأسرى الصهاينة، وعجزت كبرى مخابرات العالم عن معرفة أماكنهم، برغم الأقمار الصناعية ، والوسائل التكنولوجية الحديثة التي تمتلكها تلك الأجهزة،  كما أنه حين استشهادك لم تكن مرصوداً ولا متتبعاً بل استهدفك الأعداء ضمن ما يستهدفون من شعب الغزة العزة، يعني " رمية بغير رام " .. كما يقول المثل العربي .

وستكون دماء السنوار لعنة على قاتليه، وستكون أيضاً وقوداً لأبطال حماس ، الذين  اذهلوا العالم  وكسروا كل  القواعد العسكرية، ومرغوا أنوف العدو الصهيوني في التراب . .. ونلقاك في الجنة إن شاء الله يا أبا إبراهيم  في الفردوس الأعلى مع النبيين واالصديقين والشهدء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

كلمات دليلية
التعليقات (0)