معهد السياسة والاستراتيجية – هرتسيليا–غزة بين تسوية قديمة ومعركة جديدة

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 30 أغسطس 2021, 4:13:48 م
  • eye 620
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

” على إسرائيل أن تستعد لمعركة إضافية، ويحتمل أن تكون في المدى القريب. اذا دققت إسرائيل في قراءة نوايا حماس، امتنعت عن اسقاط منطقها على منطق العدو واتخذت مبادرة هجومية بدلا من الانجرار الى تبادل الضربات المنهكة، فانه قد يتعزز الاحتمال لتصميم “تسوية جديدة” مع نهاية المعركة المستقبلية “.


تقف إسرائيل امام تناقض حاد وتشويش عميق في ضوء الواقع الحالي في قطاع غزة. فقد أثار الأسبوع الماضي في أوساط الكثيرين في إسرائيل إحساسا بانه تحقق اختراق باتجاه تثبيت تسوية في المنطقة، ولكن هذا الإحساس سرعان ما اخلى مكانه باحتكاكات عنيفة بمبادرة حماس وفي مركزها استئناف ارهاب البالونات والاضطرابات في مجال الجدال الحدودي. ينطوي هذا التناقض على فجوة عميقة بين رؤية إسرائيل وحماس للواقع الى جانب صعوبة متواصلة امام إسرائيل في حل لغز عالم نوايا كبار رجالات الحركة.

منذ نهاية حملة حارس الاسوار يعمل يحيى السنوار في ضوء هدف مركزي: إعادة الواقع الاستراتيجي في القطاع الى ما كان عليه حتى العاشر من أيار، عندما اطلقت حماس رشقة الصواريخ نحو القدس مما فتح المعركة العسكرية. حماس التي خرقت قواعد التسوية التي كانت حتى ذلك الحين في قطاع غزة قلقة من ان إسرائيل الغت قسما من الإجراءات المدنية التي تم الدفع بها الى الامام عشية الحملة، ومعنية، كما اسلفنا، بالعودة الى “التسوية القديمة”، او بكلمات أخرى ان تثبت أنها نجحت في تغيير قواعد اللعب حيال إسرائيل دون أن يجبى منها ثمن باهظ يهدد استقرار حكمها.

يبدو أن السنوار يعمل بقوة المنطق الذي يقول انه يمكن العودة الى “التسوية القديمة” دون الانجرار الى معركة واسعة النطاق غير معنية حماس بها في هذه المرحلة. السنوار ليس راضيا عن الاجراءات المدنية التي دفعت بها اسرائيل الى الامام حتى الان، وعلى رأسها الموافقة على تحويل معظم المساعدة المالية القطرية الى قطاع غزة (باستثناء دفع رواتب موظفي حماس)، توسيع الاستيراد الى المنطقة والتصدير منها والتصريح بخروج تجار غزيين الى اسرائيل (هذه الاجراءات تساهم عمليا في تعزيز استقرار حكم حماس والابقاء على نفوذ قطر في قطاع غزة). ان استئناف الاحتكاكات في مجال الحدود وارهاب البالونات يشكل وسيلة ضغط ناجعة في نظر السنوار ويعتبر مثابة “معركة بين الحروب” لا تنتقل الا بالضرورة الى مواجهة واسعة.

يحتمل ان تكون خطوات حماس تعكس فهما يقول ان اسرائيل منشغلة في الوقت الحالي في مشاكل اخرى وعلى رأسها الكورونا، العقدة السياسية الداخلية والتوتر في الجبهة الشمالية وحيال ايران، تجعل من الصعب عليها توجيه الجهد والاهتمام لمواجهة في قطاع غزة مما يشجعها على العودة الى “التسوية القديمة” في المنطقة. يحتمل ان يكون التشوش المتواصل في الخطوط الحمراء التي وضعتها اسرائيل مع نهاية حملة حارس الاسوار يعزز هذا التقدير فيما أنه توجد في المركز حقيقة ان اسرائيل تقدمت في الاشهر الاخيرة بمبادرات مدنية هامة تجاه قطاع غزة رغم انه لم يطرأ اختراق في موضوع الاسرى والمفقودين ولا ترد بشدة على كل خرق امني (“حكم البالون كحكم الصاروخ”).

لا يعكس سلوك السنوار انعدام العقلانية، مزاج مسيحاني او “فقدان الصلة بالواقع”، تقديرات زعم انها تتثبت في اوساط محافل الاستخبارات في اسرائيل. السنوار يعمل في ضوء اعتبارات واعية ومن خلال “التجربة والخطأ على نحو متواصل، ومستعد لان يدفع ثمنا معينا لقاء تحقيق الاهداف الايديولوجية التي توجد في مركز تجربته. بعد أن اتخذ خطوة جريئة في حملة حارس الاسوار بدأ لاول مرة في تاريخ حماس في معركة ضد اسرائيل – في اعقاب الاحداث في القدس ودون احتكاك مسبق في قطاع غزة – فانه يواصل فحص امكانية تغيير قواعد اللعب تجاه اسرائيل.

تقف اسرائيل في الوقت الحالي في معضلة استراتيجية عويصة في قطاع غزة. اذا كانت تريد ان تثبت هدوء مثلما كان حتى حملة حارس الاسوار فان عليها ان تقبل شروط السنوار وتعيد الى حالها “التسوية القديمة” التي تعني الموافقة على نقل عموم المساعدة القطرية وتوسيع كبير لتصاريح الحركة والتجارة من والى قطاع غزة. كل هذا، بالطبع دون التقدم في المفاوضات في موضوع الاسرى والمفقودين والذي تقرر بعد حملة حارس الاسوار كشرط اساس للتقدم في اجراءات مدنية واسعة النطاق.

معنى العودة الى “التسوية القديمة” هو المس بقوة الردع الاسرائيلية. في هذا الاطار تتعزز الامكانية في انه في قيادة حماس تثبت التقدير في أنه يمكن العودة لاتخاذ خطوات استفزازية اخرى في المستقبل – ضمن امور اخرى في اعقاب احداث خارج قطاع غزة، في القدس مثلا، في الضفة او حتى في المجتمع العربي في اسرائيل – دون ان يجبى من الحركة ثمنا باهظا.

أما البديل الثاني الذي تقف امامه اسرائيل فهو معركة واسعة اخرى من خلالها يمكن لها ان تعيد تصميم قواعد اللعب مع حماس. اذا توصلت اسرائيل الى الاستنتاج بان هذه خطوة ضرورية فمن الموصى به ان تتضمن هذه المعركة جوابا على ثلاث ثغرات استراتيجية نشأت في اثناء حملة حارس الاسوار: اخذ المبادرة الهجومية؛ ايقاع ضرر شديد بمستوى قيادة حماس؛ وتصميم متصلب لشروط التسوية في اليوم التالي، دون انسحابات ومرونات مثلما اتخذت في الاشهر الاخيرة، ومع التمسك بشرط التقدم في الخطوات المدنية الهامة مقابل التنازلات في موضوع الاسرى والمفقودين. بين البديلين القطريين لا يبدو أنه توجد بدائل وسطى قابلة للتحقق. استمرار الوضع القائم معناه الاحتكاك المتوسط – وان كان بقوى متغيرة – في اثنائه من شأن حماس أن تفاجيء مرة اخرى وتبادل الى معركة ضد اسرائيل. الاحتمال في أن تقرر حماس المرونة في مواقفها – وبالاساس المنع التام للاحتكاكات العنيفة وقبول الواقع المدني القائم في ظل الاستجابة للضغط المصري والقطري عليها – متدنٍ.صحيح أن مصر أغلقت معبر رفح كخطوة عقاب على سلوك حماس، ولكن ليس واضحا حاليا اذا كان الامر سينجح في الزام حماس لمنع الاحتكاكات العنيفة بشكل مطلق ومتواصل في قطاع غزة.

يثبت الواقع المعقد في قطاع غزة مرة أخرى بان حملة حارس الاسوار لم تنتهي عمليا بل بقيت قصة مفتوحة ولم تغير من الأساس قواعد اللعب بين إسرائيل وحماس. وكونها كذلك، فان على إسرائيل أن تستعد لمعركة إضافية، ويحتمل أن تكون في المدى القريب. اذا دققت إسرائيل في قراءة نوايا حماس، امتنعت عن اسقاط منطقها على منطق العدو واتخذت مبادرة هجومية بدلا من الانجرار الى تبادل الضربات المنهكة، فانه قد يتعزز الاحتمال لتصميم “تسوية جديدة” مع نهاية المعركة المستقبلية.

بقلم ميخائيل ميلشتاين

التعليقات (0)