- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ممدوح الولي يكتب: حيرة المواطن بين الفائض والعجز في الموازنة المصرية
ممدوح الولي يكتب: حيرة المواطن بين الفائض والعجز في الموازنة المصرية
- 6 يونيو 2023, 4:00:29 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وسط الأزمة التي تعيشها مصر، يحاول المواطن الاطمئنان على الأحوال الاقتصادية، من خلال متابعة وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لكن حيرته تزداد خلال تلك المتابعة بسبب تضارب البيانات الاقتصادية، لا سيما عند الحديث عن حالة الموازنة الحكومية.
فمثلا، يكرر وزير المالية الدكتور محمد معيط -في تصريحاته لوسائل الإعلام وفي البرلمان- تأكيد أن الموازنة تحقق فائضا، في حين يقول خبراء إنها تحقق عجزا، بل وعجزا مزمنا ومتزايدا لا يتوقعون إمكانية علاجه خلال السنوات المقبلة.
ولفهم تلك الإشكالية، دعونا نتفق أن الموازنة هي "تقديرات للموارد والنفقات خلال فترة مقبلة تكون عادة سنة"، وينطبق هذا التعريف على كل تقدير للنفقات سواء كان لدولة، أو متجر صغير، أو مصرف، أو أسرة صغيرة. وعندما تزيد موارد تلك الجهة عن نفقاتها فهناك فائض في الموازنة، وعندما يزيد الإنفاق عن الموارد فإن الموازنة تحقق عجزا.
وأتوقع أن يقول القارئ: إذا كان الأمر بتلك البساطة فلماذا إذن هذا التباين في وصف الأوضاع؟
ومرجع التباين المحير هو استخدام المسؤولين مصطلحات "تقنية" مختلفة للتهوين من حجم المشكلة؛ فهناك عدة أنواع من عجز الموازنة؛ منها العجز النقدي والعجز الكلي والعجز الأوليّ، ومؤشرات كل نوع من هذه الأنواع ليست متطابقة، وقد يؤدي استخدامها العشوائي إلى إصابة غير المتخصص بحيرة وشك في البيانات قد تدفعه للعزوف عن متابعتها.
8 أبواب للإنفاق و5 للموارد
ولتوضيح الأمر، نستعين بأرقام الموازنة الحكومية المصرية (وزارات، وهيئات خدمية، ومحافظات) الخاصة بالعام المالي الجديد 2023-2024 التي تدخل حيز التنفيذ بداية الشهر المقبل وتستمر حتى نهاية يونيو/حزيران المقبل.
يشير قانون الموازنة إلى أنها تنقسم إلى شقين: الإنفاق ويتضمن 8 أبواب، والموارد ويتكون من 5 أبواب، ولا بد أن يتساوى مجموع الشقين في النهاية، وتشير موازنة العام المالي المقبل إلى أن إجمالي كل شقّ منهما يتوقع أن يصل إلى 4349 مليار جنيه.
أبواب الإنفاق الثمانية هي:
- أجور العاملين بالحكومة: 470 مليار جنيه.
- شراء السلع والخدمات للمصالح الحكومية: 139 مليار جنيه.
- فوائد الدين الحكومي الداخلي والخارجي: 1120 مليار جنيه.
- دعم السلع والمنح والمزايا الاجتماعية: 530 مليار جنيه.
- المصروفات الأخرى للجيش، والاشتراكات بالهيئات الدولية: 145 مليار جنيه.
- الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية والخدمات: 587 مليار جنيه.
- حيازة الأصول بمساهمات في هيئات وشركات عامة: 42 مليار جنيه.
- أقساط القروض الداخلية والخارجية: 1316 مليار جنيه.
وأبواب الموارد الخمسة هي:
- الضرائب بأنواعها: 1530 مليار جنيه.
- المنح: 2 مليار جنيه.
- الإيرادات الأخرى من فوائض الهيئات والشركات الحكومية: 610 مليارات جنيه.
- متحصلات إقراض جهات حكومية وبيع أصول: 69 مليار جنيه.
- الاقتراض الجديد خلال العام المالي: 2140 مليار جنيه.
الفرق بين أنواع العجز
النظر في الموازنة يتيح بسهولة التعرف على مقدار العجز في الموازنة الجديدة، وهو ما أدرجته الحكومة في الباب الخامس من الموارد تحت مسمى الاقتراض بقيمة 2140 مليار جنيه، وكشف البيان المالي للموازنة عن مصادر هذا الاقتراض؛ بواقع 2038 مليار جنيه من داخل البلاد، و102 مليار جنيه من خارجها، وحتى لو لم يفصح البيان المالي عن حجم هذا العجز، فإن حساب الفرق بين أبواب الإنفاق الثمانية البالغة 4349 مليار جنيه، وبين أبواب الموارد الأربعة الأولى التي تبلغ 2209 مليار جنيه، سيعطينا رقم العجز نفسه الذي سيتم اقتراضه، والذي نص عليه الباب الخامس في الموارد.
ورغم هذا الوضوح، تفاجئك تصريحات المسؤولين في وزارة المالية ولجنة الخطة والموازنة بالبرلمان بأرقام أقل، عبر استخدام تلك المصطلحات التقنية الدقيقة لأنواع العجز المختلفة، للإيحاء بنجاح جهودهم في تقليص عجز الموازنة، وفي ما يلي توضيح للفرق بين تلك الأنواع:
- العجز النقدي: ويشير إلى الفرق بين الأبواب الستة الأولى من النفقات (التي يُسمى مجموعها المصروفات)، وهي 2991 مليار جنيه، وبين الأبواب الثلاثة الأولى من الموارد (التي يُسمى مجموعها الإيرادات)، وهي 2142 مليار جنيه، والعجز النقدي إذن هو 849 مليار جنيه.
- العجز الكُليّ: ويشير إلى قيمة العجز النقدي السابق ذكره، مضافا إليه الفرق بين قيمة الباب السابع من الإنفاق (42 مليار جنيه) والباب الرابع من الموارد (69 مليار جنيه)، وهنا يتضاءل الرقم بقيمة 25 مليار جنيه، ليصبح العجز الكلىّ 824 مليار جنيه.
- العجز الأوليّ: وفيه تطرح قيمة الفوائد (1120 مليار جنيه) من قيمة العجز الكليّ (824 مليار جنيه)، لنصل إلى رقم 296 مليار جنيه يصنفه وزير المالية في خانة الفائض بدل خانة العجز.
وبهذه الصورة، ينقلب العجز البالغ 2140 مليار جنيه إلى فائض أوليّ بنسبة 2.5% من الناتج المحليّ الإجمالي يتباهى به الوزير بين الحين والآخر، وهي نسبة يصل لها عبر قسمة 296 مليار جنيه على قيمة الناتج المحلي المتوقع خلال العام المالي الجديد (11 تريليونا و841 مليار جنيه)، ولأن أغلبية المصريين لا يعرفون الفرق بين أنواع العجز فإن كثيرين يعتقدون أن الموازنة تحقق فائضا.
يستند مروجو هذه القراءة الانتقائية المتفائلة لبيانات الموازنة إلى نشر صندوق النقد الدولي بيانات "العجز الأوليّ" في دول العالم في تقريره نصف السنوي الراصد المالي، ويتجاهل هؤلاء أن الصندوق ينشر جداول بكافة أنواع العجز الأخرى.
هناك عدة أنواع من عجز الموازنة، ومؤشرات كل منها ليست متطابقة، وقد يؤدي استخدامها العشوائي إلى إصابة غير المتخصص بالحيرة
المعيار الجدير بالاعتبار
وحقيقة الأمر، إن المعيار الجدير بالاعتبار هو حجم الفجوة الحقيقية في الموازنة التي تتسبب في زيادة الدين العام بشكل مستمر، مما يدفع صانع القرار المالي إلى إقرار مزيد من الضرائب والرسوم وخفض الدعم وزيادة أسعار المشتقات لتقليص الفرق بين الإنفاق والموارد.
لا يحتاج الأمر إلا إلى بعض الفطنة -كما يقول بعض العوام- ويرى هؤلاء أنه "من دون الحاجة إلى بيانات، فلو كان هناك فائض في الموازنة فلماذا يفرض رسم تنمية على العديد من السلع مؤخرا؟ ولماذا فرضت شرائح جديدة من ضريبة الدمغة على دور السينما والملاهي والترفيه؟ ولماذا رفع الحدّ الأقصى لضريبة الدخل إلى 27.5% بدلا من 25% سابقا؟!"
ورغم التعامل الانتقائي مع بيانات الموازنة بغرض الطمأنة، تظل تصريحات المسؤولين المصريين تحمل دواعي القلق؛ فوزير المالية -مثلا- أكد أن نسبة العجز الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي ستصل خلال العام المالي المقبل إلى 7%، وهي نسبة تظل عالية بالمعايير العالمية حتى مع افتراض صحتها؛ فالاتحاد الأوروبي -على سبيل المثال- يشترط ألا يزيد عجز الموازنة في دوله على 3%، كما أن كثيرين يتوقعون أن يتسبب الاضطراب الحالي لسعر الصرف، والرفع المحتمل للفوائد البنكية، واللجوء إلى مزيد من الاقتراض الداخلي والخارجي؛ في زيادة العبء على الموازنة وارتفاع نسبة العجز الكلي عما توقعه المسؤولون، وهو ما حدث في العام المالي الحالي الذي زادت فيه نسبة العجز الكلي الفعلي عما كان متوقعا عند إقرار موازنته.