مهدي علي يكتب : حكايات من زمن فات

profile
مهدي علي كاتب مصري
  • clock 19 مايو 2021, 3:15:48 ص
  • eye 850
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 ١ .. مصريون ولكن ظرفاء
فى أوائل السبعينات كان التواجد المصرى قليلا فى العاصمه النمساويه فيينا وكان من يأتى ولا يجد عملا يعمل كموزع للجرائد 

وفى فيينا هناك جريدتان يوزعان جيدا وهما بالترتيب kronen zeitungو kurier   وكان التوزيع حكرا على المصريين والهنود وقليل من الباكستانيين

 وكل جريده  لها موزعيها يقفون فى إشارات المرور أوفى محطات الترام والمترو والقطارات كل موزع يرتدى معطف جريدته الأصفر للكورونا والأحمر للكوريير

 وكل جريده تصدر طبعه صباحية وطبعه مسائية والموزع يعمل فى الفتره 6ساعات  نظير 50شلن  ونسبه من ثمن الجريدة

 وكل مجموعة إحياء لها رئيس للتوزيع وكان هناك أيضا موزعين يمرون على المقاهى يوزعون
فى هذه الأثناء كان هناك موزع مصرى عمل موزعا فى الجريدتين فى الفتره المسائية وكان هذا ممنوع تقريبا

 وعلم رئيس قسم  التوزيع فى الجريدتين بأمره فاتفقا على أن يشاهدا  أين يوزع ؟؟  وسالاه أخبرهم انه يوزع الصحف فى المقابر المركزية فانتابتهم الدهشة

 وقالا له بسخرية فى المقابر وليلا توزع لمن ؟ للموتى فقال لهما تعالو وسترو باعينكم ولكن بشرط ألا تسالانى مرة   ثانيه
وذهبا ووقف فى منتصف المقابر وسط الظلام الدامس ونادى بأعلى صوت كورونا كو ريير فخرج له من أحد القبور شخص  

وقال:  اعطنى الاثنين فاعطاه وأخذ حسابه وسط ذهول الاثنين واستدار إليهما مبتسما 

 وقال :  أتريد أن تنتظروا معى لتروا بقية   زباءنى ؟ 

 قالا والرعب يتملكهما  : لا نحن ذاهبان فورا وأبقى انت مع زبائنك من الأشباح والعفاريت .. وهرولا منصرفين
وقف هو بعد انصرافهما  يضحك بصوت عال على ما حدث  فلم يكن زبونه شبحا ولا عفريتا

 بل كان حفار القبور ويعمل ليلا فى تجهيز القبور كى تستقبل ساكنيها نهارا ولم يكن له زبائن هناك غير هذا الرجل

٢ .. العم برونو
فى كل صباح وانا متجه إلى العمل وحين أخرج من محطة مترو الأنفاق يواجهنى العم برونو بوجهه الطيب الذى يشبه وجه ابى رحمه الله
لو شات الدقه رأسه البرونزية على نصبه التذكاري هى من تقابلنى يعطى ظهره للحديقة التى تحمل اسمه ويستقبل القادمين من محطة المترو
ألقى عليه تحية الصباح و امضى العجيب أن العم برونو يهودى الديانه وعلى بعد أمتار قليله من يمينه مسجد للشيعه وخلفه فى اخر حديقته كنيسه صغيره
العم برونو هو برونو كرايسكى اول مستشار للنمسا يهودى الديانه (1970/1983)ولد 1910 وتوفى1990  كان بالرغم من  يهوديته

إلا أنه كان فى فترة السبعينات من أكبر مناصرى القضيه الفلسطينيه ودافع عن حقوق الفلسطينين بكل قوه فى المحافل الدولية

  بالرغم من موقفه فى قضية المهاجرين اليهود إلى اسراءيل وكيف كانت النمسا مركز استقبال لليهود المهاجرين إلى اسرائيل وهى بوابة الخروج إلى أرض الميعاد وهذا موضوع سنتطرق إليه لاحقا
ولكن يبقى العم برونو علامه فارقة فى تاريخ الاشتراكية الدوليه فبقيادته الحكيمة للحزب الاشتراكى النمساوى أرسى كثيرا من أسس العداله الاجتماعيه والتكافل الاجتماعى جعل النمسا واحة لمواطنيها ولكل من يطرق بأبها ليقيم فيها
حين وطأت قدماى أرض النمسا فى العام1979 كانت فكرتى المسبقة عنها أنها بلاد الموسيقى والجمال والتزلج على الجليد وكنت احسبها أنها دوله من دول الغرب الرأسمالي
صحيح اننى كنت اتابع سياسة برونو كرايسكى الدوليه بإعجاب وكنت أتساءل كيف لدوله صغيرة الحجم مثل النمسا يكون لها هذا الثقل السياسى والدور المحور الذى تلعبه بكل جدارة ومهارة

 كنت اعزو ذلك إلى سياسة الحياد التى تتبعها الدوله وموقعها المتميز فى القلب من القارة العجوز ولكنى حين عشت فى داخل المجتمع النمساوى عرفت الكثير

  وعرفت كم التحول الهائل الذى حدث لبلد خرج من الحرب العالمية الثانية مهدما فى كل شيء وتحت سيطرة الروس حتى العام1955 وبعدها تبدء الانطلاقة نحو التقدم

 بالأمس وأثناء عودتى من العمل جلست قليلا فى حديقة العم برونو كانت الحديقة ممتلئة  بروادها
على اريكة تجلس بعض العجائز  من البوسنة بازياءهم الفاقعة الالوان  ومنديل ملون على الرأس لا يغطى شعرا ولا يكشفه منهمكات فى أشغال الابره واجترار ذكريات ايام الوطن الأم

 وعلى مقربة منهم يجلس بعض الرجال الأتراك يلعبون الورق ويدخنون السجائر  والأطفال يلعبون  ويرسمون بالطبشور الملون رسومات الأطفال الجميله
على العشب الأخضر يستلقى عاشقان غاراقان فى قبلة طويله وفتية وفتيات يعرضن أجسادهم لأشعة الشمس
سيدة هنديه تهدهد طفلها الرضيع وأخرى عربيه تتحدث فى التليفون
كل هذا الخليط من البشر ما كان له أن يستقر هنا لولا سياساتك أيها العم برونو قلتها يبدو بصوت واضح وكنت اجلس خلفك تماما وخيل إلى انك ترد على
مدينتى خلقت للإنسان أيا كان لونه أو جنسه أو دينه
افحمتنى أيها العم فلقد كنت أنت النموذج المختلف لليهودى لم تكن اليهودى المرابى ولا اليهودى التائه كنت أنت اليهودى الآخر اليهودى الإنسان وقليل هم من على شاكلتك
حين قامت الحرب العالمية الثانية  واقتحم هتلر   فيينا أعلنت رفض للنازى واعتقلت ولكنك استطعت الهروب

 وفررت إلى السويد حيث إنضممت هناك إلى الحركه الاشتراكية وظلت تنهل من نبع الاشتراكية حتى وضعت الحرب أوزارها

وعدت إلى النمسا فى العام1953 لتجد النمسا تحت سيطرة الروس وعملت انت ورفاقك حتى  تحررت النمسا فى العام 1955 

 وعملت بالخارجية النمساويه وأصبحت وزيرا لها حتى انتخبت رئيسا  للحزب الاشتراكى الديمقراطى النمساوى وتصبح مستشارا للنمسا من1970 حتى1983  
فى كل هذا الوقت ومع كل تلك المناصب  كنت داءما تثبت الفرق بين اليهودى والصهيونى ففى فترة النازي تعاون الصهيونى والنازى فى تهجير كل من هو صهيونى إلى أرض الميعاد

 أو بمعنى أدق كل من يؤمن أن اسرائيل هى الوطن الأم  لكل يهود العالم  ومن لم يؤمن بذلك كان مصيره  افران الغاز بينما كنت أنت تؤمن بأن اليهوديه ديانة والوطن هو وطن الميلاد والمعيشة

وأنه لا يوجد فى الدنيا دولة دينيه  وكان هذا خلافك الأكبر مع جولدا مائير و قادة اسرائيل  ونعتوك يومها بلقب اليهودى التائه 

 وكنت من أول من ساند الشعب الفلسطينى فى حق العوده واثار حنق كل الصهاينة عليك
الحديث لا ينتهى معك وعنك فاستميحك عذرا سنكمل في المقال القادم 


التعليقات (0)