- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
ناصر جابي يكتب: غريب أن يخاف الإنسان من تحسن الجو!
ناصر جابي يكتب: غريب أن يخاف الإنسان من تحسن الجو!
- 24 أبريل 2023, 4:31:15 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
توقف تساقط الأمطار في الجزائر وكل المنطقة المغاربية منذ أكثر من شهر. فرمضان هذا الشهر مرّ على الجزائريين جافا وباردا، سهّل خروجهم للسهرات، كما سهّل يوم صومهم، وزاد فيه منسوب خوفهم من الجفاف الذي بدأت ملامحه في فرض نفسها عليهم. أصبح فيها الإنسان يخاف وهو يعايش تحسنا في الجو وظهور الشمس، لن يستفيد منه قطاع السياحة المعطل. وضع طبيعي إذا استمر ستكون له نتائج وخيمة على الموسم الفلاحي، رغم كمية الأمطار المعقولة المسجلة في شهر فبراير وجزء من يناير الماضيين.
الخوف من الجو الجميل الذي تعيشه الجزائر هذه الأيام، لا يقتصر على الجوانب الطبيعية المرتبطة بتساقط الأمطار، بل له علاقة كذلك بالهجرة وقوارب الموت
الأمطار التي كذبت في حينها تخوفات الفلاحين جزئيا من تأخر موسم الأمطار الذي عرفه فصل الخريف، الذي ميّز السنة الفلاحية، وتسبب في تعطيل انطلاق عملية حرث الأراضي في منطقة الهضاب العليا، التي تعتمد عليها الجزائر في ضمان غذائها اليومي من القمح بمختلف أصنافه.
يحصل هذا التأخر في تساقط الأمطار في نظام فلاحي عُرف تقليديا بالاعتماد شبه الكلي على السماء، في ما يتعلق بالزراعة التي ما زالت تحتاج إلى كميات كبيرة من الأمطار لم تعد تجود بها السماء، في ظل التحولات المناخية التي يعيشها العالم والمنطقة. منطقة معروفة أصلا بشح مواردها المائية، رغم ما هو متوفر من مياه جوفية في الجنوب، لم تستغل بالشكل الكافي لحد الآن، ورغم التطور الذي عرفته الفلاحة الصحراوية في الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، بكل التحديات التي ترفعها في وجه المسيرين للشأن الفلاحي – مسألة المحافظة على إنتاجية الأراضي على المديين المتوسط والطويل والجور في استغلالها – والممارسين على حد سواء الذين لم يكيفوا معارفهم التقليدية مع التطورات العلمية الحديثة، في وقت يغيب فيه الجيل القديم من الفلاحين الكبار في السن بثقافتهم المعروفة، لم تعرف الجزائر كيف تجدده بفلاحين – مهندسين يمكن أن يعوضوا الفلاحين التقليديين ـ الذين انقرضوا ديموغرافيا في الغالب – لو حل إشكال العقار وتم التعامل مع المسألة الفلاحية بمنطق جديد بعيد عن الرؤية الأيديولوجية التي ما زالت تتحكم في نظرة صاحب القرار للملكية العقارية. في بلد تخرّج فيه الجامعات والمعاهد الفلاحية المتخصصة آلاف المهندسين والتقنيين في السنة، بمن فيهم البنات الحاضرات كقوة علمية لم تستغل بالشكل المطلوب لحد الآن، ما زال يتم توجيههن نحو العمل الإداري في الغالب الأعم، بدل تحويلهن إلى قوة منتجة فعالة، تحت ضغط عوامل ثقافية بالية. يحصل كل هذا في وقت يعيش فيه العالم أزمة قمح فعلية، زادت حدة جراء الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وما زال القمح هو أساس غذاء العائلة الجزائرية التقليدي، التي لا يساعدها دخلها المالي الضعيف على تنويعه بالتوجه نحو مصادر أخرى، من دون نسيان معضلة الماء الشروب الذي يحتاجه سكان المدن الذين زاد عددهم وزادت حاجياتهم من الماء مع الوقت، ما فرض على السلطات العمومية في ظل توفر الموارد المالية، التوجه نحو حل تحلية مياه البحر، من دون التأكد من تداعيات هذا الحل على مستوى التكنولوجيا المستعملة وأثرها في البيئة البحرية المتوسطية الهشة، خيار ستكون له تداعيات على المدى المتوسط والبعيد على شكل تمركز أكثر للسكان على الشريط الساحلي، ما سيزيد حتما من التوزيع غير المتوازن للسكان، الذي تشكو منه الجزائر بين شمال الهضاب العليا والجنوب.
خوفي من الجو الجميل الذي تعيشه الجزائر هذه الأيام والمرشح للاستمرار حتى نهاية الربيع وبداية الصيف، لا يقتصر على الجوانب الطبيعية المرتبطة بتساقط الأمطار، بل له علاقة كذلك بالهجرة غير النظامية، التي يمكن أن تزداد حدتها بعد هذا التحسن في المناخ بقلة أمطاره وضعف رياحه، ما سيكون عاملا مساعدا لانطلاق قوارب الموت، والمرشح أن ترتفع فيه وتيرة الهجرة بعد انتهاء شهر رمضان مباشرة، لتستمر طول فصل الصيف وجزءا من الخريف، احتاطت له إيطاليا بفرض حالة طوارئ لمدة ستة أشهر في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تونس، في وقت لم تعرف فيه حالة ليبيا الاستقرار المطلوب. وضع قد تزيده حالة السودان المشتعلة سوءا لقابليتها الكبيرة للتمدد شمالا، إذا عرفنا أن تداعياتها يمكن أن تصل بسرعة إلى جنوب ليبيا ودول الساحل، بما فيها تشاد، نتيجة النسيج الاجتماعي القبلي المشترك، بين هذه الدول. يمكن أن يحول منطقة دارفور إلى نقطة توتر كبيرة على المدى المتوسط والطويل، بين قوات الدعم السريع – حتى وهي في حالة ضعف – والجيش السوداني، الذي سيفقد الكثير من قدراته في هذه المواجهة. زيادة على ما سيلتحق بهما من ميليشيات في هذه المنطقة الغنية بثرواتها التي تغيب قوات الدولة المركزية داخل دولها، وعلى كامل حدودها الطويلة، يمكن أن تكون انطلاقة جديدة لأزمة دول الساحل.
تحصل كل هذه التحولات الجيوستراتيجية على مستوى الإقليم، في وقت تعيش فيه الجزائر مرحلة ما بعد إجهاض الحراك الذي عايشه الجزائريون، كهبة سياسية جماعية لبناء نظامهم السياسي الوطني، الذي كانوا يعولون عليه لمد جسور جديدة مع بلدهم، كما ظهرت بعض مؤشرات ذلك أثناء فترة الحراك، لتعود تلك القطيعة النفسية بين الجزائري – الشاب تحديدا – وبلده في البروز من جديد لتكون نتيجتها المتوقعة هذه قوافل من قوارب الموت الذي ستغزو البحر المتوسط، بمجرد التحسن في الجو عن قريب، ربما قبل فصل الصيف إذا استمرت الحالة الطبيعية كما هي من دون تغيير. وضع سيزيد حتما من مسؤوليات دول المنطقة المغاربية المؤهلة لتكون مكبا لهذه الهجرة البشرية نحو الشمال، كما هو الحال في تونس في انتظار التحاق دول المنطقة الأخرى كالجزائر والمغرب، في وقت تتجه فيه سياسيا بلدان الضفة الشمالية من المتوسط، بل كل أوروبا نحو أفكار أقصى اليمين الشعبوي، ما سيزيد حتما من حدة الصراعات في هذه المنطقة الحساسة من العالم، التي تحتل فيها المنطقة المغاربية وضعا في غاية الحساسية بين أغنى دول العالم على الضفة الشمالية للمتوسط وأفقرها على الإطلاق ممثلة في دول الساحل، مما يستجوب حل الإشكالات داخل الفضاء المغاربي القديم منها والجديد، ورفض الاستمرار في تكريس الأوضاع السلبية القائمة خدمة لمصالح الشعوب.