- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
نزار بولحية يكتب: كيف يبتعد المغرب عن إسرائيل؟
نزار بولحية يكتب: كيف يبتعد المغرب عن إسرائيل؟
- 14 يونيو 2023, 4:01:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
علاقته معها تمضي اليوم بشكل متواصل، لكن هل يعني ذلك أنها لن تجمد، أو تقطع يوما ما؟ معلقا على زيارة رئيس الكنيست الإسرائيلي الخميس الماضي إلى الرباط، لم يتردد قيادي بارز في الائتلاف الحكومي المغربي في القول لموقع «هيسبريس» الإخباري بأن «مصالح المملكة تعلو فوق كل شيء حتى لو تطلب الأمر التحالف مع الشيطان». ولا شك بأن مثل ذلك الكلام صدم كثيرين داخل المغرب وخارجه. غير أن السؤال الآن هو، ما الذي جعل الأمور تصل إلى ذلك الحد؟ وما الذي دفع المغاربة للإيغال في البراغماتية؟
إن قسما كبيرا من الذين لا يقلبون بأن يمد المغرب يده للشيطان الإسرائيلي يعرفون الجواب، لكن هل كان من الضروري ومع تواتر الزيارات الإسرائيلية أن يتظاهر عشرات المغاربة الأربعاء الماضي في العاصمة الرباط ضد قدوم أمير أوحانا إلى بلادهم، رافعين شعارات مناهضة للاحتلال، ومعبرين بتلك الوقفة عن رفضهم لأن «يتم تمرير التطبيع من خلال قضية الصحراء المغربية، فالذي جرى طيلة السنتين ونصف السنة الماضية، هو تمرير التطبيع من خلال الصحراء المغربية، ومحاولة تبييض التطبيع بقضية الصحراء، عبر القفز على القضية الفلسطينية وتجاوز كل ثوابتها»، مثلما جاء على لسان أحد المشاركين فيها في حديثه مع وكالة رويترز؟ قطعا كان ذلك أمرا مهما. فوجودهم ولو بأعداد محدودة كان الغرض منه، إفهام الإسرائيليين بأنهم لم يستلموا من المغاربة صكا على بياض، وأن «السابقة الخطيرة» أي زيارة المسؤول الإسرائيلي تشكل «استفزازا لمشاعر الشعب المغربي، وإساءة واضحة إلى مواقفه الثابتة الرافضة للتطبيع مع هذا الكيان المحتل، ولمختلف جهود المغرب والمغاربة في الدفاع عن فلسطين والقدس، والتضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق ونصرة مقاومته الوطنية»، مثلما جاء في بيان حزب العدالة والتنمية.
عبارات الإدانة تبدو سهلة وفي المتناول، غير أن ما قد لا يدرك بتلك السهولة هو العمل على تغيير الواقع
لكن إن كانت الفعاليات الشعبية والحزبية المغربية واثقة من أنها لن تنخرط في ذلك المسار، وستتمسك دوما بالتعبير عن رفضها المطلق لأي تقارب بين الرباط وإسرائيل، فهل أن أقصى ما تملكه بعض الدول التي تعارض تلك الخطوة هو أن تطلق التصريحات القوية وتجيش الحملات الإعلامية ضدها، وتندد بذلك التصرف، إما بشكل علني، أو حتى غير مباشر، ملمحة بين الحين والآخر وبشكل خاص، إلى المخاطر والتهديدات التي قد تطاله جراء ذلك؟ إن عبارات الإدانة تبدو سهلة وفي المتناول، غير أن ما قد لا يدرك بتلك السهولة هو العمل على تغيير الواقع. أما من بوسعه فعل ذلك؟ وهل أنه من الممكن أصلا أن يحدث شيء من ذلك القبيل، خصوصا بعد أن قطعت علاقة الرباط وتل أبيب، وعلى امتداد العامين الماضيين أشواطا مهمة؟ فهذا ما قد يتعلل به البعض، زاعما أن الروابط بينهما قديمة ووثيقة، إلى درجة قد يصعب معها التفكير في أنها قد تنفصم وتنحل ولو على المديين القصير والمتوسط، لكن من قال إن ما يجمع بين الجانبين هو أشبه ما يكون بعقد كاثوليكي صارم، لا سبيل للتراجع عنه على الإطلاق؟ ومن قال أيضا إن الاكتفاء بالتنديد والاستنكار سيكونان وحدهما كافيين ومجديين في دفع الرباط لأن تراجع مواقفها الحالية من الإسرائيليين؟ لقد خرج الديوان الملكي المغربي في مارس الماضي، ببيان حاد اللهجة وضّح طبيعة تلك العلاقات، في أعقاب استنكار حزب العدالة والتنمية، في ذلك الوقت، لبعض التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية، التي بدا فيها حسب الحزب «وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الافريقية والأوروبية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين»، مثلما جاء في احتجاجه. ومما جاء في ذلك البيان، «أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه. وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية لجلالة الملك، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة، وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب لا يخضع للمزايدات السياسية أو للحملات الانتخابية الضيقة»، وأن «السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك، بحكم الدستور ويدبرها بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للبلاد». كما أن استئناف العلاقات بين المغرب والكيان الإسرائيلي «تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، الذي نشر في اليوم نفسه الذي أعقب الاتصال الهاتفي بين جلالة الملك والرئيس الفلسطيني وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 الذي تم توقيعه أمام جلالة الملك». وهذا ما يؤكد الاستنتاجات التالية: أولا إن القرار بإعادة تلك العلاقات لا يمكن أن يفسر، وبأي حال على أنه تغير، أو تحول في الموقف الرسمي المغربي من القضية الفلسطينية. ثانيا إن الإشارة إلى أن قضية الوحدة الترابية تعد المرتكز الأساسي للسياسة الخارجية المغربية، يدل على أنها باتت تمثل الهاجس الأكبر لدبلوماسيتها ومدار كل تحركاتها في هذا الاتجاه أو ذاك. وثالثا فإن الإشارة إلى الظروف والسياقات التي حصلت فيها تلك العملية، لا يترك مجالا للشك في أنها ليست توجها استراتيجيا للمملكة، بقدر ما هي خيار تكتيكي اقتضته الضرورة فحسب، ولعل ما قد يقوله المغاربة هنا هو لِمَ لا نحقق من وراء إعادة علاقاتنا بالإسرائيليين وبالحفاظ في الوقت نفسه على موقفنا من الفلسطينيين كسبا دوليا لجهودنا نحو ترسيخ وحدتنا الترابية؟ ومن منطلق مبدئي صرف قد لا يبدو مثل ذلك التفكير سليما، أو مقبولا بالنسبة لمن يرون في الكيان الصهيوني عدوا أبديا للأمة، لكن من ذلك المنطلق المبدئي نفسه هل سيكون من المسموح للجار العربي بأن يطعن جاره ويستنزف كل مقدراته ويشن عليه حربا مفتوحة بالوكالة على مدى أكثر من أربعة عقود، ويغذي النعرات والأحقاد معه ويعتبره عدوا؟ لا شك في أن هناك من سيعتبر ذلك نوعا من التبرير للخطيئة الكبرى وهي مد اليد للإسرائيلي، لكن أليست الخطيئة الأخرى التي لا تقل عنها شرا هي أن لا تقابل اليد الممدودة من جار عربي إلى آخر بالمثل؟ إن الرافضين والمستنكرين قد لا يتحملون مسؤولية القرار المغربي السيادي، بإعادة العلاقات مع الكيان المحتل، لكن إن لم يكن لهم ضلع في الوصول إليه فلماذا لا يكون لهم دور في إثناء الرباط عنه؟ لعل المفارقة العجيبة فعلا هي أن من يرون أنه من المستحيل على الرباط أن تقطع علاقتها بتل أبيب يلتقون في نقطة ما مع من يعتقدون أنه لن يكون ممكنا للجارة الجزائر أن تعيد علاقتها مع المغرب. والحجة التي قد يسوقونها في الحالتين هي أن العلاقات المغربية الإسرائيلية قديمة، مثلما أن العداء بين الجارتين المغاربيتين متأصل وراسخ الجذور، لكن ألن يكون التخلص ولو من واحد من الأسباب التي عجّلت بإعادة تلك العلاقات، أفضل من استنكارها والاستمرار في قطيعة مخجلة بين الجار وجاره؟ ألن تنتقل الكرة في تلك الحالة على الأقل من مرمى إلى آخر؟ ربما آن الأوان للتفكير مليا في ذلك.