نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة!! (24) أسرار عليا!!

profile
نصر القفاص كاتب وإعلامي
  • clock 25 يوليو 2021, 4:13:30 م
  • eye 913
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الكلام لا يموت.. الحقيقة تقبل مواجهة كل التحديات.

الحكاية بدأت مع "السد العالى" واستمرت المؤامرة على "السد العالى" حتى أصبحنا وجها لوجه أمام "سد النهضة" لتسقط كل الأقنعة.. أصبح واضحا أن الزمن سلاح يفتك بالشعوب إذا فقدت وعيها وذاكرتها!!

أعدائك لا يحبون أن تقرأ التاريخ وتفهمه.. لأن صفحات التاريخ تربك "خدم الملكية والاستعمار" وتفرض عليهم صمتا إجباريا.. كل المطلوب أن تفقد الذاكرة.. المطلوب أن تشطب فعل "إقرأ" من قاموسك, لأنه كان أول كلمة فى القرآن الكريم.

تمكن نظام "الأوف شور" المالى.. أصبحنا فى قلب الحقيقة التى تؤكد أن المستعمر ينفذ فرضه كنظام سياسى.. أبجديات هذا النظام تقوم على إقناعك بأن الصناعة المصرية خرافة.. بداية تصديقك لهذا هو أن تقتنع بأن تجربة مصر فى التصنيع فاشلة.. ثم تبدأ عملية تفكيك ونسف ما تبقى منها.. التنفيذ كان صعبا – ومازال صعبا – وفرض على من يقومون بتنفيذ الجريمة أن يفقدوا عقلهم.. ظهر وزير يقوم على تنفيذ الفصل الأخير من مأساة تدمير الصناعة المصرية, ليقول بوضوح وجرأة يجوز وصفها بالوقاحة أنه "حفيد الخديوى توفيق"!!

أعلن ذلك لحظة تصفية مصانع "الحديد والصلب" التى قال أنها لا تساوى عشرة صاغ.. كان الوزير يقول أمام من يفترض فيهم أنهم نواب الشعب.. هم تظاهروا بالغضب.. لكنهم شاركوا فى تنفيذ الجريمة!! فصناعة "الحديد والصلب" فاشلة إذا كانت تملكها دولة باسم الشعب.. لكنها ناجحة إذا امتلكها "أحمد عز" و"أبو هشيمة" و"الجارحى" ثم يأخذونك إلى حفلة من حفلات الهجوم على "عبد الناصر" وأنه سبب خراب مصر!! حقك أن تصدق ذلك.. وحقنا أن نسألك.. وماذا فعل من حكموا مصر بعد "عبد الناصر"؟! فقد كان متاحا أمامهم أكثر من نصف قرن بعد رحيله؟! هل يمكنهم أن يشرحوا لنا سر نجاح القطاع العام فى مجال العقارات, كما حدث فى تجربة "المقاولون العرب".. ولماذا فشل القطاع العام عندما تولى أمره من عينتهم الدولة بعد "عبد الناصر" لإدارة "الحديد والصلب" و"النسيج" و"مجمع الألومنيوم" وصناعة "السيارات"؟!

الأسئلة أجاب عنها "عبد الناصر" فى "خطاب القرن" يوم أن أعلن تأميم شركة قناة السويس.. ومنذ يوم تأميمها يقوم على إدارتها مصريون بكفاءة مذهلة!! سنجد أن "عبد الناصر" قال: "فى سنة 53 يا إخوانى.. زى ما قلت لكم.. عملنا خطة للتنمية الإنتاجية لزيادة الدخل القومى.. قلنا يجب أن نضاعف الدخل القومى.. لسبب.. إحنا بنزيد كل سنة نصف مليون.. يعنى بعد 30 سنة هنبقى حوالى 40 مليون, ومستوى المعيشة بتاعنا يعتبر مستوى منخفض.. إذن قدامنا عمليتين.. الأولى أننا ننتج لرفع مستوى المعيشة.. وننتج لتوفير دخل للنصف مليون اللى بييجوا كل سنة.. يعنى لازم نضاعف إنتاجنا.. إبتدينا نفكر.. وجدنا أن مياة النيل بتتجه للبحر.. بتروح هدر كل سنة.. قلنا نقدر نستفيد من مياة النيل.. فيه واحد جه قال لنا على مشروع السد العالى.. بدأنا ندرس الكلام سنة 52 وسنة 53.. عرفنا إن المشروع كان موجود من سنة 1924, وكانوا بيقولوا على الراجل دة مجنون.. ماكانش حد راضى يصدقه.. بعد الدراسة تأكدنا عن المشروع صالح.. قابل للتنفيذ.. واجهتنا عقبة التمويل.. مشروع زى دة هيدينا مليون ونص فدان زيادة, ويخلص بعد عشر سنين.. وهيدينا كهربا حوالى 2 مليار كيلو وات قابلة للزيادة.. إحنا ماعندناش فلوس كفاية علشان ندفع نفقات المشروع, اللى هى ألف مليون دولار – مليار – التكلفة ما بين 800 إلى ألف مليون دولار على 10 سنوات.. إتصلنا سنة 53 بالبنك الدولى.. كلكم طبعا دلوقت عندكم فكرة عن البنك الدولى, بعد البيانات اللى طلعها وردنا عليها.. إحنا مشتركين فى البنك الدولى ودافعين فى صندوقه 10 مليون دولار من فلوسنا.. طلبنا إنه يساهم معنا فى تمويل هذا المشروع.. قالوا يعنى فيه عقبات, والأحوال عندكم لا تدعو للاطمئنان.. فيه الانجليز وفيه إسرائيل.. سووا خلافاتكم مع الانجليز, وسووا موضوعكم وخلافكم مع إسرائيل.. بعدها نبقى نمول هذا المشروع.. وكمان إنتم ما عندكوش نظام برلمانى.. إحنا بنطلب منكم تعملوا استفتاء على هذا المشروع.. دة الكلام اللى قالوه.. وكان كلام غريب جدا"

مازلت أواصل إعادة قراءة "خطاب القرن العشرين" وأتوقف بين فقرة وأخرى, لأفكر معكم بصوت عال.. فمشروع "السد العالى" إستمر مدفونا لأكثر من ربع قرن من "الزمن الليبرالى" ورفضت حكومات "الزمن الديمقراطى" مجرد مناقشة صاحبه.. إتهموه بأنه مجنون لأن "المندوب السامى البريطانى" كان يرى ذلك!! وتفاصيل كلام "عبد الناصر" الذى يخاطب به "الأخوة المواطنون" واضحة.. لكننى فقط يجب أن أشير إلى أن "البنك الدولى" إشترط أن ترضى مصر الانجليز, وتنحنى لإسرائيل.. ومالم يحدث ذلك يسألونك عن البرلمان.. وهو "البنك الدولى" الذى فتح خزائنه مع "صندوق النقد" لحكومات متعاقبة من "زمن السادات" حتى اليوم دون سؤال عن برلمان.. لأن مصر كانت قد ذهبت إلى ما يسمونه بالسلام, وأعلنت أن 99% من أوراق اللعبة فى إيد أمريكا.

تلك هى لعبة إدخال الدول فى "قفص الأوف شور"!!

لم يكتف "عبد الناصر" بهذا القدر من الشرح للأخوة المواطنون.. بل أضاف موضحا وقائلا: "كان واضح إنه مافيش مساعدة من البنك الدولى.. قلنا نعتمد على أنفسنا, ونعتمد على شركات الصناعة اللى هتعاوننا فى بناء السد.. إتصلنا بالشركات الألمانية والحكومة الألمانية.. قالوا أنهم مستعدين يدونا 5 مليون جنيه – 15 مليون دولار – كقرض متوسط الأجل.. بعدين إتفقت الشركات الألمانية مع الشركات الفرنسية والشركات الانجليزية.. واتفقوا على إنهم هياخدوا المشروع لأنهم هايكسبوا منه.. دة مشروع قيمته مليون دولار.. لما هايشتركوا فى تنفيذه هياخدوا تلت المبلغ دة أو نصه, فى الحاجات اللى هايدوهالنا.. ودة هينشط صناعتهم.. وبعدين قال لنا التلاتة خمسة مليون.. وفى شهر نوفمبر.. سافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير المالية الانجليزى – مستر باركر – واتكلم معاه, وقال له إنهم مستعدين يرفعوا القرض من خمسة إلى 15 مليون.. وإن مصر تدفع الباقى من ميزانيتها.. بناء عليه سافر وزير المالية إلى واشنطن.. الأمريكان قالوا له إنهم كانوا مقررين لمصر 40 مليون دولار معونة.. كان قرار على الورق.. حاولنا نطلبها منهم.. قالوا إنهم مستعدين يحولوا المعونة للسد العالى.. وافقنا.. أعلن الانجليز إنهم رجعوا فى كلامهم, وقالوا خدوا قرض من البنك الدولى واحنا نديكم 16 مليون دولار.. يعنى 5 مليون جنيه تقريبا.. والبنك الدولى قال مستعدين نمول بمائتى مليون دولار بعد 5 سنين.. يعنى إحنا نصرف من مالنا وعرقنا 300 مليون دولار طوال خمس سنين, وبعدها الانجليز والأمريكان يدونا 56 مليون دولار كمعونة.. حدثت مباحثات طويلة مع الحكومة الأمريكية ومندوب الحكومة البريطانية ومع مندوب البنك الدولى.. وفى آخر المباحثات جت اقتراحات البنك الدولى فى خطاب رسمى بيقول.. مستعدين لتمويل السد العالى بماتى مليون دولار بعد خمس سنوات, وبيوضح إن المبلغ دة هيتم دفعه على أجزاء.. يعنى مش هناخده مرة واحدة.. نتفاوض على كل جزء فى وقته.. وحط البنك الدولى شروط يجب أن مصر تتبعها علشان تستطيع إنها تاخد القرض.. ونتفاوض بعد كدة من وقت لآخر على الشروط.. وقالوا أن حصولنا على القرض دة يتوقف على الشروط الآتية.. أولها أن يطمئن البنك أن العملات الأجنبية المطلوبة, اللى هتيجى من المنحة الأمريكية والمنحة الانجليزية ما تتقطعش.. يعنى البنك الدولى ربط نفسه بأن الأمريكان والانجليز يكونوا راضيين عننا!! والشرط الثانى أن البنك الدولى يتفق مع الحكومة المصرية من وقت لآخر حول برنامج الاستثمار.. برنامجنا الخاص بالتصنيع لازم هو يتفق معانا عليه ويوافق عليه!! يعنى وصاية من البنك الدولى على الحكومة المصرية.. وتانى حاجة.. إنهم عايزين ضبط المصروفات العامة للدولة مع الموارد المالية اللى يمكن تعبئتها.. يعنى أنا لازم أتفق معاهم على إنى أظبط مصروفات الدولة.. ولازم البنك الدولى يوافق على الكلام دة.. وبعدين لا تتحمل الحكومة المصرية أى دين خارجى.. يعنى ما نستلفش من حد أبدا.. يعنى اتفاقية زى شرا الأسلحة من روسيا ما نعملهاش إلا بعد موافقة البنك.. كل دة.. وبعدين إن تنظيم وتنفيذ وإدارة المشروع فى كل مرحلة تخضع للاتفاق بين الحكومة المصرية والبنك.. مش بس كدة.. دول قالوا إن اتفاقات البنك خاضعة لإعادة النظر إذا وجدت ظروف استثنائية تستلزم ذلك.. دة الجواب اللى بعته لى البنك الدولى فى نهاية المفاوضات خلال ديسمبر الماضى".

هكذا كان "عبد الناصر" يتعامل مع الشعب.. يشرح بإسهاب ويعلن كافة التفاصيل لما يدور فى الكواليس.. ثم يتحدث عن رأيه وموقفه وقراره.. يكشف ذلك سر التفاف الشعب المصرى حوله حيا وميتا.. منتصرا ومهزوما!!

قد تعتقد أن ذلك هو كل ما قاله.. الحقيقة أنه أضاف تفاصيل أخرى, فقال: "الحكومة الأمريكية بعتت مذكرة.. الحكومة البريطانية بعتت مذكرة.. وبدأ كل طرف يحيلنى للآخر.. يعنى العملية بقيت عقدة, وظهر إنه فيه فخ بيتعمل لنا للسيطرة على استقلالنا الاقتصادى.. هذا الكلام كان ردنا عليه الرفض البات.. قلنا إحنا مش ممكن نبيع نفسنا بـ70 مليون دولار معونة.. إتكلمنا مع الأمريكان.. قلنا لهم.. هل فيه شروط زى دى على المعونات اللى بتدوها لإسرائيل.. يعنى إنتم اعتمدتم 40 مليون دولار معونة, ما نصرفهاش قبل الموافقة على شروط البنك الدولى.. والبنك عايز يبعت مدير يقعد مطرحى فى مصر.. وإزاى هنمشى بالكلام دة.. هذا الكلام يتنافى مع سياستنا.. يتنافى مع استقلالنا.. يتنافى مع مبادئنا.. قلنا لهم.. إذا كنتم عايزين تدونا مساعدة.. إدوهالنا بلا شروط.. وقلنا إنتم بتقولوا إنكم أصدقاء للعرب.. وتدوا مساعداتكم لإسرائيل.. أمريكا بتدى لإسرائيل هبة سنويا ما بين 30 مليون و50 مليون دولار, ومساعدات فنية ما بين 6 إلى 14 مليون دولار.. وأمريكا بتهدى إسرائيل فائض مواد غذائية قيمته 7 مليون دولار.. واستثمارات أمريكية فى إسرائيل وصلت 214 مليون دولار.. كل دة غير قيمة سندات وصلت إلى 234 مليون دولار, ويوم 12 يوليو 1955 قدم بنك أمريكى لإسرائيل 30 مليون دولار قرضا بدون فوائد.. وفوق كل دة ما يتم جمعه من أمريكا كتبرعات معفاه من الضرائب بقانون أمريكى, وصلت إلى ثلاثة آلاف مليون دولار – 3 مليار – وقدمت أمريكا قروض لإسرائيل بلغت 164 مليون دولار.. دة غير التعويضات الألمانية لإسرائيل, واللى تم الموافقة عليها سنة 1953 بضغوط أمريكية, وقيمتها ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون دولار – 3,5 مليار – يتم دفعها كبضائع وسفن ومصانع.. ورغم كل دة الميزانية فى إسرائيل تعانى عجزا 230 مليون دولار.. دى المساعدات اللى بتديها أمريكا لإسرائيل ربيبتها"!!

كان "الإخوة المواطنون" يعلمون كل هذه الحقائق, ورئيس البلاد يلزم نفسه بإطلاعهم على ما يدور فى أروقة السلطة بالتفاصيل.. دون أن يقول أحد دى أسرار عليا!! وإذا اعتقدت أن ما ذكره "عبد الناصر" من معلومات قد توقف عند هذا الحد.. سأقول لك مازالت هناك تفاصيل أخرى فى أهم خطاب سياسى خلال القرن العشرين.. يتبع

التعليقات (0)