- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
نصر القفاص يكتب..نجيب الذي لا يعرفه لحد
نصر القفاص يكتب..نجيب الذي لا يعرفه لحد
- 25 أبريل 2021, 1:10:17 م
- 1148
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بين دفتي كتاب "كنت رئيسا لمصر" ستقرأ عجبا.. لأن "محمد نجيب" يذكر ما سمعه على أنه صانعه..
يحاول إقناع القارئ بأنه كان "المايسترو" وباقي "الضباط الأحرار" يعزفون "لحن الثورة" وفق "النوتة" التى صاغها!! ولا مانع من أن يذكر وقائع تنسف هذا الوهم تماما..
وبما أننى ألزمت نفسى بالعرض, فلن أتدخل إلا لتصحيح ما لا يمكن احتمال المرور عليه لأبتعد عن جريمة تزوير التاريخ وتشويه الحقائق!!
"ساعة الصفر" كان عنوان الفصل الخامس من الكتاب.. ويبدأه "محمد نجيب" بتوصيف أتفق معه عليه,
فهو يقول: "كانت انتخابات نادى الضباط هى الخطوة الفعالة الأولى, على طريق الثورة.. وكانت أول تحدى علنى لتنظيمنا السرى..
وكانت الكلمة الأولى فى ملحمة ليلة 23 يوليو 1952".. تلك كانت رؤية "كاتب المذكرات" لليلة 23 يوليو بأنها "ملحمة" وليست ليلة انقلاب!! وللمصادفة أن "محمد حسنين هيكل" قال ذلك قبل صدور المذكرات بسنوات طوال.. وللمصادفة – أيضا – كان "أنور السادات" يحب وصف هذه الليلة بأنها كانت "ملحمة"!!
يقول "محمد نجيب" بالنص: "كان الأسبوع الأخير فى عام 1951 هو أسبوع المعركة الانتخابية فى النادي.. بين أنصارنا – أنصار الضباط الأحرار – وأنصار الملك.. كانت هذه الانتخابات هى الثورة..
وعندما يكتب التاريخ الحقيقي لثورة يوليو, سوف يقر المؤرخون أن الملكية انتهت فى مصر بعد انتخابات نادى الضباط" ولم يذكر أى شئ عن جريمة اغتيال الضابط "عبد القادر طه" التى نفذها "الحرس الحديدي" بأوامر الملك, وتعليماته بعدم إنقاذه بعد نقله للقصر العيني.. تلك الواقعة أشعلت نفوس الضباط الشباب,
الذين ارتفع صوتهم فى كافة الوحدات مطالبين بأن تكون هناك جهة ترفع صوتهم طالما أن "نادى الضباط" لا يقوم بهذا الدور لأن مجلس إدارته يعين بقرار من الملك.. إتفقوا على المطالبة بإجراء انتخابات تفرز عناصر قادرة على التعبير عن الضباط.. أخذ "رشاد مهنا" مهمة التحرك العلني لتحقيق هذا المطلب.. بدأ الإعداد للائحة جديدة تقر مبدأ الانتخابات,
وكانت هناك ماكينة سرية تتحرك لا يعرفها غير "جمال عبد الناصر" وكان هو القادر على تحريك الأحداث, دون أدنى ظهور له..
وتمت الموافقة على لائحة النادي الجديدة.. ثم أصدرت إدارة الجيش كتابا دوريا بدعوة الجمعية العمومية لنادى ضباط الجيش,
فى الخامسة مساء يوم 31 ديسمبر عام 1951 بقاعة السينما الصيفي فى "قشلاق" العباسية.. حضر الاجتماع 455 ضابط, فاكتمل النصاب..
تأكد من ذلك "عثمان مهدى" رئيس أركان الجيش الذى كان متواجدا خارج القاعة.. حاولت إدراة الجلسة التملص من اللائحة الجديدة,
وكان يقودها رئيس النادي وأعضاء مجلس الإدارة المعينين.. إشتعلت القاعة وظهر غضب الضباط عارما, وكاد الاجتماع ينفجر إلى كارثة..
هنا طلب رئيس الأركان من "رشاد مهنا" إنقاذ الموقف بالصعود على المنصة.. بدأ من تلك اللحظة تنفيذ السيناريو الذى سبق صياغته..
تحدث "رشاد مهنا" وعرض بنود اللائحة.. مادة, مادة.. دوت القاعة بتصفيق عاصف.. قام أحد ضباط سلاح الحدود ليطالب بتمثيل الحدود فى مجلس الإدارة..
تم عرض الاقتراح.. رفضت القاعة بأغلبية ساحقة.. فدعا "رشاد مهنا" إلى الانتخابات.
وللتوضيح.. لم يكن سلاح الحدود سلاحا قائما بذاته فى ذلك الوقت.. كان يضم ضباطا من: الفرسان, والمشاة, وغيرها من الأسلحة.. وسمى فيما بعد سلاح حرس الحدود.
لم يذكر "محمد نجيب" شيئا عن المطبخ الذى جهز للانتخابات واجتماعاته ومداولاته.. رغم أن الكافة عرفوا فيما بعد أن منزل "مجدى حسنين" فى عابدين هو الذى استضاف تلك الاجتماعات,
وحضرها "جمال عبد الناصر" و"زكريا محيى الدين" و"جمال سالم" و"حسن إبراهيم" و"عبد اللطيف البغدادي" و"رشاد مهنا",
الذى اقترح تركيز الضباط على دعم المرشح "محمد نجيب" لاختبار قوة التنظيم وقدراته.. ولم يذكر "محمد نجيب" أى شئ عن اجتماع الجمعية العمومية غير العادية,
الذى كان مقررا عقده فى فبراير وتقرر تأجيله بسبب حريق القاهرة.. كما لم يذكر شيئا عن استقالة "عبد الرحمن أمين" من منصب السكرتير العام,
عندما لم تنعقد الجمعية العمومية.. ولم يذكر شيئا عن قرار مجلس إدارة النادي بدعوة الجمعية العمومية غير العادية يوم 16 يوليو,
والتى انعقدت فعلا للنظر فى تمثيل سلاح الحدود بمجلس إدارة النادي.. وقبل فتح باب المناقشة وقف الحضور دقيقة حداد على روح الشهيد "عبد القادر طه"..
كان المشهد يؤكد تحدى الضباط للملك.. تحدث كل من طلب الكلمة.. انتهى المجتمعون إلى الإصرار على موقفهم ورفض طلب الملك بتمثيل سلاح الحدود فى مجلس إدارة النادي.. إتجه الملك ورجاله إلى الضغط على عدد من أعضاء مجلس الإدارة, لتقديم الاستقالة.. لم تنجح هذه الحيلة, فصدر قرار الملك بحل مجلس إدراة المنادى..
وتوجه "على نجيب" شقيق "محمد نجيب" إلى النادي لتنفيذ القرار,
ففوجئ برفض عبر عنه بإصرار "إبراهيم حافظ" و"حسن إبراهيم" وتأزم الموقف يوم 17 يوليو.. دون الوصول إلى تنفيذ قرار الحل..
فى صباح يوم 18 يوليو.. إتصل "محمد نجيب" صباحا بـ"إبراهيم حافظ", وأخطره بأن ينفذ التعليمات ويسلم النادي,
وأن يذهب لمقابلة شقيقه "على نجيب" الذى قال لـ"إبراهيم حافظ": "دعونا نمرر هذه العاصفة".. وتم تسليم النادي للجنة مؤقتة.
لم يذكر "محمد نجيب" فى مذكراته أى شئ عن تلك الوقائع.. لكنه ذكر بالنص: "قررت أن أرشح نفسى رئيسا لمجلس إدارة النادي,
لجس نبض الجيش.. ولاختبار مدى قوة الضباط الأحرار.. ولتحدى الملك الذى نقلني من سلاح الحدود, وعين بدلا منى حسين سرى عامر..
عرضت الفكرة على الأميرالاى محمد كامل الرحمانى نائبي فى سلاح المشاة.. رفض وقال: سيعتبر ترشحك تحديا للملك..
ويبدو أن الملك قبل التحدي ورشح حسين سرى عامر أمامي وأشعل نيران المعركة الانتخابية!! وضاعف من لهيب المعركة أن الجمعية العمومية للضباط – 31 ديسمبر 1951 – رفضت قبول ترشح حسين سرى عامر, فنافسني على رئاسة النادي اللواء حافظ بكرى مدير سلاح المدفعية واللواء إبراهيم الأرناؤوطى مدير المهمات واللواء سيد محمد مدير الصيانة..
وكان اسمى على رأس قائمة مرشحي الضباط الأحرار"
تجاهل "أول رئيس لمصر" كل الوقائع والحقائق.. لم يذكر أنه اتفق مع الضباط الأحرار على أن يكون مرشحهم..
لكنه ذكر: "إستغل الضباط الأحرار إسمى وسمعتى وشعبيتي أحسن استغلال فى اختبار قوتهم, وفى إحساسهم بذاتهم..
وكنت كما قال خالد محيى الدين بعد ذلك بسنوات طوال.. الواجهة التى تتحرك جماعة الضباط الأحرار فى إطارها"!!
نسف "محمد نجيب" كل ما سبق أن ذكره من أوهام!!
أكد أنه لم يتفق معهم أو يعرفهم قبل الانتخابات حين قال: "إستغلوا إسمي وسمعتي وشعبيتي أحسن استغلال"!!
إضطر إلى إقرار أنه كان "جملة عابرة" بذكره لشهادة "خالد محيى الدين"!!
يذهب بعد ذلك إلى فقرة فى كتاب "أطول يوم فى التاريخ" للمؤرخ "جمال حماد" والذى كان أحد أعضاء مجلس إدارة نادى الضباط المنتخبين..
أى أنه كان شاهد عيان وشريكا فى الأحداث.. وفيه قال "جمال حماد" بالنص: "كانت معركة انتخابات النادي ونتائجها الباهرة, فرصة هيأها القدر لإعداد محمد نجيب للدور الذى قدر له القيام به بعد أقل من سبعة أشهر"
لم يستطع "محمد نجيب" إنكار الحقائق.. لكنه لا يستطيع غير المضي قدما فى كتابة أوهامه, وتنفيذ دوره فى تزوير التاريخ وتشويه الحقائق..
لذلك يقفز بخفة ليقول: "إنتهت معركة النادي بفوزنا وبهزيمة الملك" ثم ذهب إلى سرد قصص مسلية جديدة..
وأراد طعن "رشاد مهنا" فقال أنه انسحب من المعركة, وطلب نقله إلى العريش وفضل الابتعاد عن القاهرة فى وقت "يطاردنا فيه الملك"!!
الحقيقة أن "رشاد مهنا" انسحب لمهمة أخرى فى العريش.
والحقيقة أن "أول رئيس لمصر" إستأنف كتابة تاريخ لا علاقة له بالتاريخ.. فكتب يقول: "لاحظت أننى موضوع تحت المراقبة..
فى كل مكان أذهب إليه كنت أشعر بمن يراقبني.. فى البيت والشارع وحول بيتي.. لاحظت أن بعض الناس يستدرجونني بأحاديث عما يجرى فى البلد..
أحسست أننى محاصر, لأن الملك ومخابراته يريدون وضعي فى المصيدة.. إتصلت بعبد الحكيم عامر وطلبت منه مزيد من الحذر والسرية فى اتصالاتنا بالضباط الأحرار"!!
تحدث بصيغة الجمع عن أنهم – الضباط الأحرار – فكروا فى القيام بالثورة, ردا على قرار مجلس إدارة النادي.. "فكرنا فى إرسال برقية احتجاج للملك..
فكرنا فى احتلال مبنى النادي بالقوة, لكننا خشينا من صدام الجيش ببعضه.. فكرنا فى اعتقال كبار القادة لفرض شروطنا"
كل هذه كانت أفكار "محمد نجيب" فقط!
كان قائد وزعيم التنظيم هو وحده الذى يحرك الأحداث.. كان الجميع يثقون فيه ويلتفون حوله.. لأنه, "جمال عبد الناصر" كان يعلم ما يريد..
ويؤكد ذلك "ثروت عكاشة" فى مذكراته حين يذكر أنه قال له قبل ساعات من التحرك: "نحن محيطون بك كسرب النحل اللاذع فتوكل على الله وسننتزع الفوز معا"!! فالذين اختلفوا مع "عبد الناصر".. والذين اتفقوا مع "عبد الناصر".. لم ينكروا زعامته وقيادته للضباط الأحرار والثورة من الألف إلى الياء.. ومن ينكرون ذلك لا يعلمون أن "امنمحات" قال: "هكذا كان من أكل من خبزي هو أول من تنكر لى.. ومن مددت له يدى بالخير هو الذى بادرني بالشر"!! وتلك حكمة مصرية قديمة.. ربما أراد "محمد نجيب" أن يطبقها على نفسه إيجابا, فعل ما هو سلبى بإشهار كل أسلحة الشر ضد "عبد الناصر" ميتا.. والتاريخ فيه ما فعله حيا, بعيدا عما تنتجه ماكينات تزوير التاريخ وتشويه الحقائق.
.. وتبقى الساعات التى سبقت الثورة شديدة الإثارة فى مذكرات "محمد نجيب" وحافلة بمواقف تفجر الضحك.. يتبع
نصر القفاص.