- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. هشام كلندر يكتب: عالم السياسة
لا إدارة رشيدة، بدون سياسة صادقة ونزيهة، هناك صورة نمطية شائعة عبر البلدان "أن كثيرا من السياسيين غير صادقين"، وفي عالم السياسة، يعتبر النفاق والكلام المزدوج من الأدوات المستخدمة لتحقيق مكاسب شخصية. هل من النفاق أن الشخص بالسر مغاير لما هو في العلن؟ بالطبع.
قد يسميه البعض مجاملة (ألا تقول للأقارب المزعجين إنك استمتعت بزياراتهم-وتشكر أحيانا غير الأكفاء- وتتفق مع الرؤساء الذين تعرف أنهم مخطئون في بعض الآراء؟)، والبعض يقول إن ذلك يعتمد على الموقف والموضوع والمصلحة والمفسدة، والبعض يطلق على من يمارس ذلك شخص يلعب سياسة، وقد يقول البعض إن الازدواجية السياسية هي أحيانا أداة ضرورية لتسهيل الصفقات والمفاوضات والمناورات الدبلوماسية.
غالبًا ما يواجه السياسيون حوافز ومغريات لعدم قول الحقيقة لاعتبارات كثيرة، والقليل من يسلم من ذلك وللأسف، وغالبا ما يخفي القادة السياسيون وجهات نظرهم الحقيقية عندما تختلف عن الرأي العام للأغلبية، أو عن معتقدات جزء رئيس من قواعدهم الشعبية، فهم خلف الأبواب المغلقة، يقومون بالمساومات والتسويات، لإتمام الصفقات، أما بالعلن فيتظاهرون عكس ذلك.
بالنظر إلى بنية النظام السياسي، في كثير من دول العالم المختلفة، قد يكون الخداع أمراً لا مفر منه، فالسياسيون الذين يرفضون الكذب واستغلال الجهل العام يتعرضون للحرمان الدنيوي كما يعتقدون مقارنة بأولئك الذين يمارسون ذلك، ومن المفارقات أن الناخبين أنفسهم الذين يكرهون السياسيين غير النزيهين يكافئونهم بانتظام عن طريق انتخابهم.
يحفز جهل الناخب أيضا الخداع السياسي، ومن الصعب للغاية التغلب على الجهل العام الذي يجعل الكذب استراتيجية سياسية فعالة، ومع ذلك، قد نتساءل عما إذا كان ينبغي اتخاذ العديد من قراراتنا المهمة من خلال نظام يكون الكذب فيه مجرد سياسة، وربما ينبغي النظر في وسائل تكبح تأثير الجهل والأكاذيب في عالم السياسة، ويمكن الحد من انتشار الأكاذيب في السياسة، وما يترتب عليها من انعدام الثقة، بتمكين القوي الأمين، فغالبا ما تُعتبر الأمانة واحدة من أكثر السمات المرغوبة لدى السياسيين لأنها توفر دافعا داخليا للالتزام بالسلوك الأخلاقي حتى عندما يكون هذا السلوك غير مرئي للآخرين.
على الرغم من أهمية الصدق في السياسة، لكنه أصبح عملة نادرة، حتى ظهر لنا مفهوم اختيار أفضل الأسوأ، ففي علم سلوك المنظمات وعلم الاقتصاد السلوكي وعلم النفس الاجتماعي يفضل تبني مبدأ المصداقية وقول الحقيقة لعموم السكان على عدم الوضوح، نعم قد يختلف بالتوقيت، والشريحة التي يتم إخبارها، والقدر المكشوف من المعلومات، ولكن لا مبرر للكذب في عموم الحالات.
ختاما أقول كما قال الشاعر:
لا يَخدعَنكَ هُتاف القومِ بالوَطَنِ
فالقومُ في السرِّ غير القومِ في العَلَن
فالسياسي الذي يمكن السفهاء والمرتزقة فهو للحق وأهله محارب، والسياسي الذي يمكن العقلاء والأمناء فهو للباطل وأهله محارب، فراجع موقفك وانظر في أي جبهة أنت تحارب.