هكذا أثرت حرب غزة على الانتخابات المحلية في بريطانيا.. لماذا لم يتعلم الساسة من درس العراق؟

profile
  • clock 11 مايو 2024, 5:38:42 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أعادت غزة ومعاناتها من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم ، إلى الأذهان في بريطانيا حرب العراق وخاصة بعدما تأثرت الانتخابات المحلية بالحرب على غزة وخسر حزب العمال البريطاني أكثر من 20 في المئة من أصواته وذهاب أصوات الناخبين إلى المستقلين الداعمين للقضية الفلسطينية.

 

وفي هذا السياق، تسائلت صحيفة "الجارديان" البريطانية،  عبر مقال لـ مارتن كيتل: كيف يتجنب كير ستارمر أن تفعل غزة بحزب العمال ما فعلته حرب العراق بحزب توني بلير قبل جيل؟ أم أن هذا الاحتمال لا يقلقه حقا؟

وأكد الصحفي أنه وفي خضمّ العديد من النتائج الجيدة التي حققها حزب العمال في الانتخابات المحلية الإنجليزية التي جرت الأسبوع الماضي، لا يمكن التغاضي عن قدرة غزة غير المنقوصة على أن تغير من توجه العديد من ناخبي حزب العمال، وذلك مع توغل الاحتلال الإسرائيلي الأخير في رفح، واحتمال شن هجوم عسكري كامل هناك، إذ يشكل تذكيرا بأن حرب غزة، على الرغم من أنها تأتي في أسفل قائمة الواقع المروع الذي يفرضه الصراع، تشكل على نحو متزايد معضلة لحزب العمال.                                                                         

واستدرك قائلا إن التاريخ لا يميل إلى تكرار نفسه، لذا فإن مساواة غزة بالعراق على نحو آلي أكثر مما ينبغي سوف يكون أمرا مضللا.

ففي عام 2003 كان حزب العمال في السلطة بقوة، ولم يكن في المعارضة كما هو الحال الآن، لقد أراد بلير أن تشارك بريطانيا بشكل مباشر في الإطاحة بصدام حسين، في حين أن ستارمر، مثل حكومة المملكة المتحدة نفسها، يقف إلى حد كبير على هامش الصراع في غزة.

وقارن كاتب المقال بين بلير وستارمر فالأول يحب القيادة من الأمام، والثاني أكثر حذرا، حيث يركز الشعور المناهض للحرب اليوم على القضايا الإنسانية أكثر من التركيز على الأفعال المادية التي يقوم بها الساسة البريطانيون.

وأشار الكاتب إلى أن الأصداء ليست عاطفية فقط، والأهم من ذلك أنها انتخابية أيضا، لقد كلفت سياسة بلير في العراق حزب العمال خُمس أصواته في انتخابات عام 2005، وأصبحت المعارضة له شخصية، الأمر الذي أدى إلى التعجيل برحيله وفتح السياسة البريطانية أمام عودة المحافظين في عهد ديفيد كاميرون.

كذلك، ساهم العراق في كسوف حزب العمال الطويل في اسكتلندا، ودعم الديمقراطيين الليبراليين وأنتج حزبا جديدا يركز على المسلمين والطلاب بقيادة جورج غالواي. لقد ساعد ذلك، بمرور الوقت، في انتخاب جيريمي كوربين كزعيم لحزب العمال، فيما لا تزال تخيم على سمعة بلير وسياسات حزب العمال حتى يومنا هذا.      

وقال إن أصوات حزب العمال انهارت، الأسبوع الماضي، وسط انتصاراته في رئاسة البلدية والمجالس، في أماكن من بينها بلاكبيرن وكيركليس وأولدهام، سجّلت العديد من مجالس الشمال وميدلاندز الأخرى تقلبات كبيرة مناهضة لحزب العمال، صوت أكثر من 70 ألف شخص لصالح أحمد يعقوب، المرشح المستقل المؤيد للفلسطينيين، في انتخابات عمدة وست ميدلاندز.

وفي حين كان أكثر من 20 في المئة من الناخبين من المسلمين، انخفض صوت حزب العمال في المتوسط بنحو 18 في المئة، وفقا لمسح شمل 930 منطقة أجراها البروفيسور ويل غينينغز، من جامعة ساوثهامبتون.

ونبّه الكاتب إلى أن النتيجة الصافية، فيما يتعلق بالمقاعد التي حصل عليها حزب العمال، عكست أداء ضعيفا بشكل كبير، وأن نجاحات الحزب، التي كانت حقيقية، وتقدمه في استطلاعات الرأي، قد يغري ستارمر ومن حوله بالتقليل من شأن الضربات التي تعرض لها حزب العمال بشأن غزة.

ولكن يرى أن ذلك سيكون خطأ. عندما قال ستارمر لأحد المحاورين في أكتوبر الماضي، إن للاحتلال الإسرائيلي الحق في حجب الكهرباء والمياه عن المدنيين في غزة، أثار عاصفة. وعلى الرغم من قوله لاحقا إنه قد أسيء فهمه والتغييرات اللاحقة في السياسة، إلا أن انتخابات الأسبوع الماضي أظهرت أن تلك العاصفة بقيت قوية كما كانت دائما.

وذكر أن منسق الانتخابات في حزب العمال، بات مكفادين، قال في نهاية الأسبوع إن حزب العمال سيعمل على استعادة هذا الدعم المفقود، وعلّق على ذلك قائلا إن هذا أمر حكيم، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان ماكفادين أو ستارمر لديهما استراتيجية مصالحة، لكن من المهم أن يحاولوا، لأن ما حدث الخميس الماضي، كان مهما للحاضر والمستقبل.

وقال إنه قد لا يكون لغزة آثار كبيرة على الانتخابات العامة، عندما تأتي، حيث الدوائر الانتخابية البرلمانية أكبر بكثير من دوائر المجالس، ليس هناك عدد كبير من المقاعد حيث يشكل الناخبون المسلمون ذلك الحجم وأغلبية حزب العمال ضيقة إلى الحد الذي يعرض حزب العمال للخطر. ولكن لا يمكن لأحد أن يكون متأكدا تماما، خاصة إذا كانت الحرب والقتل في غزة لا يزالان مستمرين، وسوف يشعر أعضاء البرلمان من حزب العمال في أماكن مثل برمنجهام ومانشستر بالتوتر.                                                                                                           

وأشار الكاتب إلى أن الانخفاض في دعم حزب العمال لم يقتصر على الناخبين المسلمين، وإن الجانب الأكثر قصورا في التحليل لما حدث الخميس الماضي، كما أخبره البروفيسور روب فورد من جامعة مانشستر هذا الأسبوع، يمكن أن يكون نجاح حزب الخضر، الذي أضاف أكثر من 70 عضو بلدية جديدا في جميع أنحاء إنجلترا.

وأصبح حزب الخضر قوة راسخة على نطاق واسع في الحكومة المحلية، وهم الآن أصبحوا في موقع مفضل ليكونوا البديل على الجناح الأيسر لحزب العمال إذا أصبح ستارمر رئيسا للوزراء ويواجه موقفا صعبا لا مفر منه مع الجمهور. تشير الانتصارات الخضراء الأسبوع الماضي في أجزاء من نيوكاسل وليدز إلى احتمال حدوث اختراق أوسع في المستقبل.

وأشار إلى أن ناخبي حزب العمال المسلمين يشكلون مزيجا غير عادي، ونادرا ما يكونون تقدميين ليبراليين أو علمانيين. إذ أن كثيرا منهم محافظون اجتماعيا بشأن حقوق المرأة والتوجه الجنسي، ومع ذلك، فإنهم منشغلون بشدة بقضايا السياسة الخارجية التي يرتبطون بها. وبهذا المعنى، فإنهم يشبهون شيئا ما الناخبين الكاثوليك الأيرلنديين في بريطانيا في القرن العشرين، الذين شكلوا في الوقت نفسه حجر الأساس للحملات المتكررة المناهضة للإجهاض في حين ظلوا أيضا ملتزمين بحزب العمال كصديق لأيرلندا.

ثم عاد إلى السؤال الذي طرحه في بداية المقال حول ما فعله بلير وما يفعله ستارمر فقال: مثل بلير، كرّس ستارمر قيادته لحزبه لبناء ائتلاف من الدعم الانتخابي لحزب العمال المعتدل والذي ينتمي إلى يسار الوسط، هدفه الأسمى هو طمأنة الملايين من المتحولين المحتملين من المحافظين، وخاصة أولئك الذين تركوا حزب العمال في عام 2019، أنه من الآمن التصويت لحزب العمال مرة أخرى.

وبعد ذلك، بعد أن ينجح، يعد بأن يفعل ذلك مرة أخرى، في 2028-2029. إن وصول النائبة السابقة عن حزب المحافظين في دوفر، ناتالي إلفيك، أمس، إلى صفوف ائتلافه هو أحد مقاييس نجاحه. ولكن هل يستطيع أن يجمع مثل هذا الائتلاف الواسع معا لفترتين؟.

وأضاف الكاتب أن الحفاظ على الوحدة أمر مختلف تماما عن بناء ائتلاف انتخابي، خاصة عندما تصبح الأمور صعبة في الحكومة وعندما تسير الغرائز أو المصالح في اتجاهات مختلفة. وقد اكتشف بلير ذلك بعد حرب العراق، رغم أنه ربما لم يعد يهتم في تلك المرحلة، لقد اكتشف بوريس جونسون ذلك بعد فضيحة بارتي غيت، لكنه لم يتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها مرة أخرى.

إن كيفية استجابة ستارمر عندما تأتي الأزمة الحتمية التي يواجهها ائتلافه سوف تساعد في تحديد ما إذا كان، على عكس جونسون، أكثر من مجرد رئيس وزراء لولاية واحدة.                     

وقال إنه إذا نظرنا إلى ستارمر بهذه الطريقة التكنوقراطية بالكامل، فيبدو أنه يخوض مخاطرة صعبة. مما لا شك فيه أن سياسة العمال في غزة تحولت لتصبح أكثر انتقادا لدولة الاحتلال الإسرائيلي مما كانت عليه في تشرين الأول/ أكتوبر.

هذا الأسبوع، تحدث وزير خارجية الظل، ديفيد لامي، في مجلس العموم ضد الهجوم على رفح، لصالح وقف فوري لإطلاق النار ولدخول المساعدات الفورية إلى غزة. وقال إن معاملة الناس في غزة يمكن أن تشكل جريمة حرب، وقال إن الهجوم قد ينتهك القانون الدولي، ووجه انتقادات مباشرة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وحذر أنه مع ذلك، لم يكن لكل هذا أهمية كبيرة عندما ذهب الناخبون المسلمون أو اليساريون في حزب العمال إلى صناديق الاقتراع، الخميس الماضي. ويبدو أن ما يهمهم لا يزال هو المقابلة التي أجراها ستارمر قبل ستة أشهر.

ولم يبذل ستارمر سوى القليل من الجهد العام لتهدئة هؤلاء الناخبين والتقرب منهم وإعادة بناء العلاقات معهم. إن البقاء غير مبال بهم هو مقامرة كبيرة. لا ينبغي لأحد أن يتظاهر بأن الأمر بسيط، لكن الثمن الانتخابي الذي دُفع مقابل إهمالهم كان واضحا للغاية في الأسبوع الماضي. وإذا انزلقت رفح إلى أزمة إنسانية أكبر، فمن المرجح أن يرتفع الثمن السياسي، وخاصة على المدى الطويل.

التعليقات (0)