هل يشهد 2022 توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين والتعاون الخليجي؟

profile
  • clock 10 فبراير 2022, 4:46:44 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مع تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط، أصبحت هناك فرصة أكبر لدى دول الخليج لمواصلة علاقاتها مع بكين بحرية أكبر من السابق، خاصة العلاقات الاقتصادية. وهناك دلائل بالفعل على خطوات ملموسة نحو اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين، والتي بدأت مفاوضاتها عام 2004 وتوقفت عام 2016.
وفي هذا السياق، زار الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ووزراء خارجية دول الخليج الرئيسية (السعودية والكويت وعمان والبحرين) الصين في يناير/كانون الثاني الماضي لمناقشة ملفات تتعلق بالتجارة الثانئية والاستثمار. 
وتعد هذه الفورة من النشاط الدبلوماسي علامة على إمكانية إحياء الحوار الذي تم تعليقه في 2016 بعد أن قادت السعودية والإمارات حصارا شاملا ضد قطر. وبالرغم من استمرار التنافس، يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي حريصة على اختيار الصين كشريك اقتصادي مستقبلي.
وبالرغم أن الإمارات لم تشارك في الزيارة الأخيرة، إلا أن أبوظبي منخرطة للغاية في العملية برمتها. وفي 13 يناير/كانون الثاني، تحدث وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" إلى نظيره الإماراتي وأكد التزام الصين بمساعدة الإمارات على تحقيق أهدافها التنموية الوطنية، مع التأكيد على ضرورة الانتهاء من منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وتنفيذها في أقرب وقت ممكن.
ويعد ذلك تطورًا مهمًا للغاية يشير إلى رغبة متزايدة لدى دول الخليج لاستخدام العلاقات مع الصين لموازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة. وفي الواقع، كان أحد الأسباب الرئيسية لقرار إنهاء صفقة "إف35" بين الولايات المتحدة والإمارات هو رفضها الرضوخ للضغوط الأمريكية بشأن إلغاء الاستحواذ الإماراتي على تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية.
وقال وزير خارجية الصين، "وانغ يي"، مؤخرًا، أن الانتهاء السريع من تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة هدف رئيسي للسياسة الخارجية لبلاده في 2022.
وهناك دوافع منطقية للتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وفي حين أن دول الخليج هي مصدر رئيسي لإمدادات الطاقة بالنسبة للصين، فإن مبادرة الحزام والطريق الصينية تقدم آلية استثمار بمليارات الدولارات يمكنها تلبية شهية دول الخليج المتزايدة لتنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط.
وتعد رؤية السعودية 2030 تجسيدًا رئيسيًا للتوجهات الاقتصادية المستقبلية لمنطقة الخليج. لذلك ففي حين أن اتجاه الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة ربما سمح باتخاذ خطوة أكبر نحو الصين، فإن دول الخليج والصين لديهما بالفعل درجة عالية من الاعتماد المتبادل، وهو ما يقود سياسات اتفاقية التجارة.
وبالرغم من الضربة الهائلة التي تعرضت لها التجارة الدولية بسبب الوباء عام 2020 فقد حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي. وبلغت التجارة الثنائية 161.4 مليار دولار في عام 2020. واشترت الصين 375 مليون طن من النفط الخام من دول الخليج في هذه السنة بينما قامت بتصدير آلات ومعدات وسيارات بقيمة 70.8 مليار دولار، مما يمثل زيادة بنسبة 5% عن السنة السابقة.
وتشير هذه الزيادة في التجارة إلى تحول منسق نحو إقامة شراكة استراتيجية خليجية صينية دائمة. وفي حين تهدف مشاريع طريق الحرير إلى بناء جغرافيا تجارية جديدة، معظمها برية لتجنب خطوط الاتصال البحرية الحساسة، فإن تعميق العلاقات الاستراتيجية بين الصين والخليج سيضمن أمن الطاقة على أساس دائم.
وهذا هو السياق الذي يمكننا من خلاله أن نفهم قرار الصين العام الماضي بسحب 20 مليار دولار من استثماراتها في أفريقيا وتوجيهها إلى الشرق الأوسط المتعطش للاستثمار.
وكما أشارت صحيفة "جلوبال تايمز"، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، إلى أن دول الخليج تسعى إلى "المسار الأكثر فائدة" للتنمية. ومع انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على النفط والغاز الخليجي، فإن تعزيز العلاقات مع الصين أصبح أمرا حيويا بالنسبة لدول الخليج التي تلبي 40% من احتياجات الصين من الطاقة.
وتأتي رغبة دول الخليج المتزايدة للتوصل إلى اتفاقية مع بكين في وقت تجاوزت فيه الصين بالفعل الولايات المتحدة من حيث الحصة العالمية من اتفاقيات التجارة الحرة.
وتم تسهيل ذلك إلى حد ما مع تبني "ترامب" سياسة "أمريكا أولاً" التي أدت إلى الانسحاب من الساحة التجارية الدولية - ولا سيما شراكة عبر المحيط الهادئ - وتركيز إدارة "بايدن" على إنعاش الاقتصاد المحلي قبل إعادة الولايات المتحدة إلى موقعها في ساحة التجارة الدولية. 
وبالنظر إلى التعاون المتزايد بين بكين ودول الخليج، ليس هناك الكثير أمام واشنطن لوقف أو عرقلة اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.
وفي حين أن واشنطن والمؤسسات المالية العالمية - صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - كانت ترى أن مبادرة الحزام والطريق الصينية "فخ ديون" للبلدان المشاركة، فإن هذه الحجة تفقد قيمتها بالنسبة لدول الخليج التي تتمتع بوضع مالي أقوى بكثير من دول الحزام والطريق الأخرى في آسيا وأفريقيا، مما يعني أنها لا تحتاج إلى اقتراض أموال الصين لدعم المشاريع المحلية.
وبينما اعتمدت دول الخليج تاريخيًا على الولايات المتحدة لحمايتها من إيران، فإن علاقات الصين القوية مع إيران تعني أن دول الخليج يمكنها الاعتماد على بكين لإدارة علاقاتها مع طهران. وبهذا المعنى، تستعد بكين أيضًا للعب دور جيوسياسي مباشر في الشرق الأوسط أكثر مما كان عليه الحال حتى الآن.
ويعني ذلك أن انخراط دول مجلس التعاون الخليجي مع بكين يحمل أبعادا جيواقتصادية وجيوسياسية.

المصدر | سلمان رافي شيخ/ نيو إيسترن آوتلوك

التعليقات (0)