- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
هل يكون أردوغان الرابح الأكبر من أزمة أوكرانيا؟
هل يكون أردوغان الرابح الأكبر من أزمة أوكرانيا؟
- 19 يونيو 2022, 3:16:13 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل بضعة أشهر فقط، كانت تركيا في موقف صعب، حيث أدت سنوات من تعزيز الاستقلال في عهد الرئيس "رجب طيب أردوغان" إلى فجوة بين أنقرة وحلف الناتو، وهو ما انعكس في موقف الرئيس الأمريكي "جو بايدن" من "أردوغان" ووصفه بـ"الاستبدادي" خلال حملته وإقصائه من قمة الديمقراطية التي عقدت في العام الماضي.
ومع تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، توقع الكثيرون في واشنطن أن تكون تركيا هي الخاسر الأكبر، وتوقع أحد الباحثين أن هذا الاستقطاب "قد يضع نهاية لمعادلة التوازن الطويلة بين الناتو وروسيا".
لكن الأحداث الدولية غالبا ما تربك التوقعات؛ فمع اقتراب الحرب في أوكرانيا من شهرها الرابع، تزايدت مكانة تركيا الدولية بفضل استراتيجية دقيقة قامت خلالها أنقرة بتسليح أوكرانيا بطائرات مسيرة رخيصة، وانضمت إلى بعض العقوبات الغربية (وليس كلها)، وجلست مع القادة الروس كلما أمكن.
ويقول الخبراء إن هذا النهج سمح لتركيا بالقيام بما لا يمكن تصوره: الحفاظ على علاقات قوية مع كل من الناتو وروسيا في وقت يلوح فيه التهديد بحرب باردة جديدة.
حرب أوكرانيا فرصة
وقالت "سيبيل أوقطاي" الأستاذة بجامعة إلينوي والزميلة غير المقيمة في "مجلس شيكاغو للشؤون العالمية": "تركيا دولة مهمة جيواستراتيجيًا، وهذه الأحداث بالذات حسنت موقفها بالفعل".
وكما تشير "أوقطاي"، فإن جهود تركيا لتحقيق التوازن بين الشرق والغرب ليست جديدة، حيث تطل إسطنبول على مضيق البوسفور وهو الممر الاستراتيجي الذي يربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط.
ونظرًا لأن روسيا هي القوة البحرية الرئيسية في البحر الأسود، لم يكن لدى تركيا أي خيار سوى التعامل معها على مر السنين. وأصبح البلدان الآن شركاء تجاريين رئيسيين، ويتدفق السياح الروس إلى ساحل إيجه في تركيا كل صيف.
بالطبع، تتمتع تركيا أيضًا بحدود مع أوروبا وتاريخ طويل من العلاقات مع القارة العجوز، وأصبحت أنقرة جزءًا من الناتو منذ عام 1952، وبسبب قربها من روسيا وجيشها الكبير أصبحت ثاني أهم عضو في الحلف.
لكن الموقع ليس كل شيء، فلم تكن معادلة التوازن التركية في أفضل حالاتها خلال السنوات الأخيرة، فقد ابتعد "أردوغان" عن الشركاء الغربيين كثيرا في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى جهود حزب "العدالة والتنمية" لترسيخ الاستقلال السياسي.
تعمق الشقاق مع الغرب
ازدادت الأمور سوءًا في عام 2016 بعد أن حاول أفراد من الجيش التركي الإطاحة بحكومة "أردوغان". ووفقًا لـ"جورجيو كافييرو"، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الجيوسياسية "جلف ستيت أناليتيكس"، فإن "أردوغان" ومستشاريه "يعتقدون أن الولايات المتحدة ودول أوروبية كانت تراهن على نجاح مؤامرة الانقلاب"، ما دفع الأتراك إلى التقارب مع روسيا في نهاية المطاف.
ووصلت التوترات إلى نقطة غليان في عام 2018 عندما اشترت أنقرة منظومة دفاع جوي روسية لا تتوافق مع أنظمة الناتو، وهي خطوة أخرجت تركيا من برنامج طائرات "F-35". وفاقم الرئيس "دونالد ترامب" من تدهور الأمور عندما هدد "بتدمير ومسح" اقتصاد تركيا بالكامل في العام التالي.
ووصل الوضع في منتصف عام 2021 إلى الحضيض عندما اعترف "بايدن" بالإبادة الجماعية للأرمن، وهي خطوة رأتها تركيا هجومًا غير مبرر على سرديتها الوطنية.
وخلال هذه السنوات، لم تحسن تركيا من موقفها أمام العواصم الغربية وواصلت سياساتها دون الاكتراث برد الفعل الغربي، وتوددت لروسيا على المسرح الدولي. وقالت "أوقطاي": "كانت هذه سنوات صعبة للغاية".
موازنة بين طرفين
لكن أداء أنقرة في أزمة أوكرانيا غير لهجة العواصم الغربية تجاه تركيا دون أن تخسر أنقرة علاقاتها مع روسيا، وهو إنجاز رائع بالنظر إلى أن تركيا أمضت الأشهر القليلة الماضية في تسليح كييف.
الجدير بالذكر أن تركيا زودت أوكرانيا بطائرات مسيرة رخيصة لكنها فعالة، ما سمح لأوكرانيا بتحقيق إنجاز مبكر بشكل "عزز معنويات الجميع في الحلف الغربي"، وفقًا لما قالته "أوقطاي".
وأضافت: "حسنت تركيا من موقفها الجيواستراتيجي من خلال هذا التصرف وحده، وكانت لفتة كبيرة بما يكفي لإظهار أن تركيا تعمل إلى جانب الناتو، وساعدت أوكرانيا في وقت حساس على التعامل مع العدوان الروسي".
ولم يضيع "أردوغان" فرصة اختبار هذا الوضع الجديد عندما أعلنت فنلندا والسويد رغبتهما في الانضمام إلى الناتو. فقد اعترضت تركيا على الفور، مشيرة إلى أن البلدين منحتا اللجوء لأعضاء "حزب العمال الكردستاني"، وهي مجموعة كردية متشددة تصنفها تركيا ومعظم الدول الغربية كمنظمة إرهابية.
وأدى الاعتراض إلى انزعاج البعض الذين رأوا أن هذه الخطوة مثيرة للخلاف في وقت يجب أن يظهر فيه الناتو كجبهة موحدة.
وقال الأكاديمي "مصطفى غوربوز" في رسالة بريد إلكتروني إلى "ريسبونسبل ستيتكرافت" إن بعض المراقبين يرون أن تركيا أصبحت "حصان طروادة روسيا داخل الناتو بدلاً من العكس"، مضيفا: "تهديدات أردوغان بعرقلة عضوية السويد وفنلندا في الناتو توضح كيف تستفيد روسيا من الاحتكاكات بين تركيا وحلفائها الغربيين".
تقوية الموقف الانتخابي
على أي حال، فإن "أردوغان" مصمم على الانتصار في هذه المعركة الدولية خاصة مع اقتراب الانتخابات التي تأتي وسط أزمة اقتصادية كبيرة. ويمكن أن تساعده الانتصارات الدولية في تقوية موقف "أردوغان" أمام الناخبين، وفقًا للباحث "باريس كيسجين" من جامعة إيلون.
وقال "كيسجين": "تلوح انتخابات 2023 في الأفق، وأعتقد أنه يضع هذا في اعتباره بشدة"، مضيفًا أن "أردوغان" يأمل في "تحقيق انتصارات على المسرح الدولي للتأثير على المشهد المحلي".
وكما ذكرت "أوقطاي"، تعتقد تركيا أن قرار فنلندا والسويد استضافة أعضاء "حزب العمال الكردستاني" سمح للمنظمة بالبقاء على قيد الحياة بالرغم من عقود من الصراع مع أنقرة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت تركيا ستحصل على كل ما تريده من أولئك الطامحين لعضوية الناتو، وتتوقع "أوقطاي" أن تخرج تركيا من هذا الموقف ببعض المكاسب بطريقة ما.
في نهاية المطاف، تدرك تركيا أن الناتو لا يمكن أن يستغني عنها، وقالت "أوقطاي": "ماذا سيحدث إذا قمت بطرد تركيا؟ ستقترب أنقرة أكثر من دائرة النفوذ الروسي، ولا يستطيع الناتو تحمل هذه النتيجة".
فرصة تحقيق مكاسب
وتعزز تصريحات أمين عام حلف الناتو "جينز ستولتنبرج" وجهة نظر "أوقطاي" حيث قال "ستولتنبرج" في مؤتمر صحفي إن تركيا لديها "مخاوف مشروعة" تتعلق بالإرهاب، ما يشير إلى أن الحلف يأخذ "حزب العمال الكردستاني" على محمل الجد كتهديد للأمن التركي.
هناك قضية رئيسية أخرى في الصراع وهي أن ملايين الأطنان من الحبوب ما تزال عالقة في صوامع أوكرانيا في وقت تحتاج الحكومات الغربية بشدة لتحريك تدفق هذه الحبوب لتخفيف أزمة الغذاء، لكن الدول الأوروبية ليست على استعداد للتحدث مع روسيا في هذا الصدد. وهنا يأتي دور "أردوغان" الذي كان فريقه يتفاوض مع الكرملين من أجل إعادة تشغيل الشحن عبر البحر الأسود.
ومع ذلك، فإن جهود "أردوغان" اصطدمت بعقبة أخرى حيث رفضت أوكرانيا (التي لم تكن بالفعل على طاولة التفاوض) شروط موسكو لاستعادة الشحن البحري. لكن تركيا متحمسة بشدة لمواصلة الضغط بشأن صادرات الحبوب فضلا عن الجهود الأكثر أهمية للتوسط بين الأطراف المتحاربة، وفقًا لما تقوله "أوقطاي".
وقالت: "إذا تصرفت تركيا بشكل ذكي، فإن لديها القدرة على إنقاذ العالم على الأقل من أزمة غذائية وشيكة، أو ربما تستطيع التوصل إلى حل للحرب عبر جلب طرفي الحرب إلى طاولة التفاوض".
أما بالنسبة إلى "كيسجين"، فهو غير مقتنع بأن زيادة نفوذ "أردوغان" على المدى القصير ستترجم إلى صعود جيوسياسي طويل الأجل، لكنه متأكد من شيء واحد: "أردوغان يريد أن يعترف العالم بأهمية تركيا، وتمنحه الحرب في أوكرانيا هذه الفرصة. لكن ما إمكانية تحقق ذلك؟ يبقى علينا أن نرى".
المصدر | كونور إيكولس | ريسبونسبل ستيتكرافت