- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
وليد فارس يكتب: معادلات ضربة إسرائيلية على إيران
وليد فارس يكتب: معادلات ضربة إسرائيلية على إيران
- 28 ديسمبر 2021, 6:12:47 م
- 678
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يتكثف الكلام، مع انتهاء عام 2021، عن احتمال ضربات إسرائيلية عسكرية واسعة ضد إيران، يعدها الجيش الإسرائيلي. ويذهب البعض إلى التنبؤ بكيفية حصولها، وأين ومتى. وتثير تصريحات إسرائيلية غير مسبوقة عن عزم الحكومة على توجيه ضربات للمشروع النووي الإيراني ضجة غير معهودة في الإعلام والأوساط المتابعة، لأنه في الماضي لم يسبق أن أعلنت وزارة دفاع إسرائيل عن الأهداف التي تريد معالجتها، ولا الحرب التي تبغي شنها.
هذه المرة يجري العكس تماماً. فالقيادة الإسرائيلية التي صرحت علناً بأنها ستقوم بهكذا ضربات ما لم يعالج الغرب ملف السلاح النووي الإيراني وصواريخه الباليستية، وزار مسؤولوها واشنطن لإقناعها بالتخلي عن الاتفاق النووي، قد أضرمت ناراً في الإعلام العربي والشرق أوسطي والدولي لم ينطفئ حتى الآن. فالأوساط الصحافية التي “رقصت من دون دف” على نغم رواية “حرب إسرائيلية مع إيران” لسنوات حتى عندما كانت الوقائع لا تشير إلى ذلك، هي الآن في حالة هستيرية، ليس إلا، لأن تل أبيب هي التي تعلن ذلك من دون لف ودوران، بينما سكتت لعقود.
ومع هذه الحرب الإعلامية، تفجرت أسئلة لا تحصى من هكذا سيناريو. هل إسرائيل عازمة فعلاً على تلك الخطوة؟ هل هي قادرة بمفردها؟ هل ستتدخل الولايات المتحدة إلى جانبها؟ ماذا سيكون موقف التحالف العربي من هكذا ضربات محتملة إذا حصلت؟ وأخيراً وليس آخراً، ماذا قد يكون رد إيران؟ طبعاً، هناك تحاليل وسيناريوهات واحتمالات متعددة، قد تحتاج إلى مجلد، ولكننا سنتوقف على بعض ملامحها.
لماذا تعلن إسرائيل مسبقاً؟
بالفعل، إن التصريحات الإسرائيلية العلنية السابقة لأي عمل عسكري مباشر ليست جزءاً من العقيدة العسكرية المعهودة لدى تل أبيب. من حروبها التقليدية السابقة في 1956 و1967 و1982، حتى عملياتها الجوية الخاصة في انتيبه في أوغاندا، أو ضد المحرك النووي العراقي “أوزيراك” في 1981، كتمت القيادات الإسرائيلية نيتها قبل المباشرة بالتنفيذ. حتى عملياتها المتكررة ضد النقاط والقوافل التسليحية الإيرانية في مناطق عمليات الحرس الثوري وميليشياته من العراق إلى سوريا، في السنوات الماضية، لم يتم الإعلان عنها قبل تنفيذها. بالتالي، لماذا غير الإسرائيليون نهجهم في هذا السياق؟
المفارقة أن العرب تاريخياً كانوا الطرف الذي يعلن عن هدفه في شن حملات عسكرية كبرى مسبقاً، كعبد الناصر، وحافظ الأسد، وصدام حسين وليس إسرائيل. أما في العقود الماضية، فإن القوى العظمى كالولايات المتحدة حيال أفغانستان والعراق، أو روسيا حيال سوريا، هي التي احتكرت الإعلان المسبق عن حملاتها. والسؤال هو بالنسبة إلى إسرائيل، لماذا الآن، ولماذا حيال إيران؟
التكهنات ليست عديدة. سنعرض بعضها. السبب الأول هو موجه مباشرة إلى طهران كإنذار، ليحسب الحرس الثوري جيداً أن إسرائيل عازمة على التحرك، مما قد يربك خطط النظام.
سبب ثان موجه إلى إدارة جو بايدن ليضع ضغطاً عليها كي لا تقدم تنازلات واسعة لإيران.
سبب ثالث هو رسالة إلى التحالف العربي “كي يبقى صادماً أمام الاعتداءات الإيرانية”، لأن عملاً كبيراً ضد الترسانة الإيرانية آت.
أما السبب الداخلي في إسرائيل، فهو تهيئة الرأي العام لاحتمال اشتعال مواجهة مع المحور الإيراني برمته، مما قد يعني تصعيداً سريعاً إلى مستوى الحرب الشاملة.
لماذا الضربات؟
إذا كانت كل تلك المسائل تشير إلى جدية دراماتيكية لدى دولة إسرائيل لمواجهة الآلة العسكرية الإيرانية، فالسؤال هو لماذا هذا الإصرار لدى الحكومة الإسرائيلية لتوجيه ضربات إلى الجمهورية الإسلامية، والإصرار على تحذير العالم بأنها ستشنها؟ ما هو الخطر الذي يواجهها؟
بحسب الروايات الرسمية والإعلامية الصادرة من تل أبيب وأورشاليم، وبعض المصادر، فقد وصلت إيران زمنياً إلى عتبة التسليح النووي، أكان عبر التخصيب أم التجهيز أو ربط الإلكترونيات.
من جهة أخرى، ترى الأجهزة الإسرائيلية والغربية أيضاً، أن مرحلة الاستعداد الاستراتيجي التي تسمح لإيران بأن تشن هجمات صاروخية موجعة ضد إسرائيل قد اقتربت من الاكتمال. فعلى الرغم من الغارات الإسرائيلية ضد خطوط الإمداد اللوجستي والسلاحي بين إيران ولبنان، يبدو أن تواصل التسليح والتمركز الإيراني في الدول الثلاث لا يزال متماسكاً، ولا تزال طرق التذخير قائمة. وتنظر إسرائيل إلى قدرات وتموقع الباسدران والميليشيات في سوريا، و”حزب الله” في لبنان، و”حماس” في غزة، وتخلص إلى أن الطوق الناري بات أكثر التصاقاً بالأراضي الإسرائيلية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، لا ترى مراكز التقييم والقرار في إسرائيل أن إدارة بايدن، على الرغم من التطمينات ستصل إلى مكان ما في المفاوضات يمكنها من لجم انفلاش إيران المتسارع. سرعة واشنطن أبطأ من سرعة التجهيز الحربي الإيراني. ضف إلى ذلك أن بطء إدارة بايدن في رد فعلها على إطلاق الصواريخ الباليستية و”الدرونات” من قواعد حوثية في اليمن على أهداف سعودية تقلق قياديي إسرائيل الذين باتوا يربطون الاعتداء الإيراني ضد السعودية بالمواجهة الإيرانية مع إسرائيل. لذا، فمركز القرار الإسرائيلي يرى أن “التهيئة” لضربة ردعية إسرائيلية ضد الآلة الحربية الإيرانية بات لا مفر منه.
ماذا ستفعل واشنطن؟
كما سبق وأشرنا، ما قد تقوم به واشنطن إزاء أزمة، أو حرب، أو ثورة، إنما يعكس ما تبغيه الإدارة، ما تريده الأكثرية في الكونغرس، وضع الإعلام، ومدى تقبل الرأي العام، وبالطبع إذا كان هناك تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي أم لا. ضف إليه العلاقات التاريخية لأميركا مع هذا الطرف أو مع الآخر.
لذا، فالوضع بين إدارات بايدن ودونالد ترمب وباراك أوباما وجورج بوش، يختلف. تحت إدارة بايدن يسعى البيت الأبيض لأن يقوم بكل ما بوسعه لكي يصل إلى توقيع الاتفاق النووي في فيينا. لذا، فإن الإدارة تسعى بشتى الوسائل لتفادي مواجهة عسكرية قبل التوقيع. وذهب أقطاب الإدارة إلى حد تطمين إسرائيل (والعرب) بأن واشنطن تضمن عدم قيام إيران بأي عمل عدواني، “خصوصاً بعد التوقيع”.
إلا أن التصعيد الإيراني ورفض طهران أقل من إلغاء العقوبات الأميركية كشرط لإنجاح محادثات فيينا صعّبا الأمور على إدارة بايدن ودفعاها إلى بعض التصعيد الكلامي العام في اتجاه إيران، كما كتبنا في الأسابيع الماضية. البيت الأبيض يفضل التوقيع أولاً والضغط المتزايد بعد ذلك، ولكن التصعيدين الإيراني والإسرائيلي يزيدان الضغط داخل واشنطن نفسها. الميليشيات الإيرانية تقصف من اليمن، وتناوش في العراق، وتتحرك في سوريا، وتعمق الخنادق في لبنان. وإيران ماضية في التخصيب ونشر الباليستي والتهديد.
أمر لا يمكن إخفاؤه عن الرأي العام الأميركي، الذي يسأل عن موقف حكومته. إسرائيل تهيء للحرب مع إيران، بالإعلان عن استعدادات لقصف أهداف داخل الجمهورية الإسلامية. السؤال الأكبر والأخطر في واشنطن هو ماذا ستفعل إدارة بايدن إذا ما بادرت إسرائيل بشن غارات على الداخل الإيراني؟ هل ستشارك؟ هل ستعارض بشدة؟ هل ستعارض بالشكل وتسمح في الواقع؟ المسألة غير سهلة ولكل سيناريو نتائج مختلفة.
لا ندري إذا ما كان هناك جواب بعد عن هذا السؤال المصيري في البيت الأبيض. قوى الضغط المؤيدة لإسرائيل تنتظر من بايدن أن يدعم تل أبيب، واللوبي الإيراني يتوقع أن يمنع البيت الأبيض إسرائيل من عمليات قصف واسعة. كل شيء يتوقف على سيناريوهات الحرب، إن هي وقعت بالفعل.
أدغال السيناريوهات
التقييم الاستراتيجي الإسرائيلي يستنتج أن إيران، إن وقّعت أو لم توقع، لن تتخلى عن مشروعها في المنطقة. وربما هو التقييم نفسه لدى معظم الدول العربية التي تقاوم النظام الإيراني. إلا أن التحليل الجيوسياسي الإسرائيلي غير قادر على أن يسمح بتعاظم “الخطر الاستراتيجي” الآتي من الشرق لسبب جغرافي واقتصادي وبشري. إذ بعكس السعودية أو مصر ذات الأراضي الشاسعة، أو الولايات المتحدة البعيدة جداً، فالأراضي الإسرائيلية ولو بعيدة نسبياً من إيران، ولكنها قريبة من ميليشياتها. لذا، فالعقيدة العسكرية الإسرائيلية تعتبر أن مجرد تكثيف التسلح والانتشار المعادي هما خطر لا يمكن تحمل نتائجهما. فالداخل الإسرائيلي ضيق ويمكن عطبه بضربات واسعة ومكثفة. هذا ما يفسر النهج العسكري الاستباقي لدى الإسرائيليين.
باتت معظم السيناريوهات معروفة، وتتم مناقشتها في العلن كما في الغرف المغلقة. فهي تبدأ من فكرة قصف بالطيران والصواريخ، للمنشآت النووية الإيرانية، ومواقع الصواريخ الباليستية ومراكز التنسيق والقيادة التي تتحكم بهذه الأخيرة. وهذه السيناريوهات تتوسع أو لا، بحسب عوامل أخرى، أهمها قرار الإدارة بالمشاركة أو عدمها، تموقع التحالف العربي حيالها، ردات الفعل الإيرانية عليها، وحجم الجبهات التي ستفتح كنتيجة للضربات. وذلك بحسب المنطق القائل بأنه عند إطلاق الحملات العسكرية يمكن فتح المعركة، ولكن لا يمكن ضبط اتجاه الحرب. هذا بالنسبة إلى الأسئلة الكبرى. وبعدها تأتي الأسئلة العملية، من أين ستذهب الطائرات القاصفة؟ ما هي قدرات إيران في الدفاع الجوي؟ هل لدى إسرائيل ذخائر كافية؟ هل ستقوم إيران بضربات استباقية أو فتح جبهات إرهابية واسعة؟ وما وراء الستار أسئلة أكثر، كيف سيتحرك اللاعبون في المنطقة من تركيا إلى باكستان، فروسيا، إلى القوى المحلية كالأكراد، والمعارضات العربية، والمقاومة الإيرانية؟ إنه صندوق إذا فُتح سيخرج منه الجنّ السياسي والعسكري في كل اتجاه.
* وليد فارس، المستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأمين المجموعة الأطلسية النيابية لمكافحة الإرهاب