- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ياسر عبد العزيز يكتب: من تركيا إلى السودان... «السوشيال ميديا» تكرّس نفوذها
ياسر عبد العزيز يكتب: من تركيا إلى السودان... «السوشيال ميديا» تكرّس نفوذها
- 22 مايو 2023, 4:21:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في غمرة الانشغال بالانتخابات الرئاسية التركية التي تتجه إلى جولة ثانية حاسمة في 28 مايو (أيار) الحالي، برز اهتمام إعلامي إقليمي ودولي كبير بهذا الحدث الذي يحمل عديد الدلالات، وتتقاطع نتائجه مع مصالح جيوسياسية دولية متباينة ومؤثرة.
وكان من المنطقي بطبيعة الحال أن تكون الانتخابات -التي أخفقت في جولتها الأولى في تسمية الرئيس المقبل للبلاد- الموضوع الأساسي والعنوان الأبرز في تغطية وسائل الإعلام التركية المحلية، بمختلف أشكالها وانتماءاتها؛ لكن طبيعة المنافسة، وتداعياتها المتوقعة، جعلت من تلك الانتخابات موضوعاً إقليمياً ودولياً في وسائل الإعلام الأجنبية بامتياز.
ولهذا، فقد اكتظت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية بعديد الأخبار والتحليلات والتعليقات التي تستهدف إلقاء الضوء على هذا الحدث المهم؛ وهو الأمر الذي كان موضوعاً أثيراً للمعلقين والباحثين في المجال الإعلامي، الذين اجتهدوا في محاولات لتحليل كيفية التعاطي الإعلامي مع تلك الانتخابات، وتأثيرات توجهات هذا التعاطي، سواءً كانت تلك الوسائل تنتمي إلى منظومة «الإعلام التقليدي» أو «الإعلام الجديد».
ولقد أمكن استخلاص ثلاثة عوامل رئيسة من خلال تلك المحاولات؛ أولها أن الاهتمام بتلك الانتخابات كان متساوياً تقريباً في الداخل والخارج على الصعيد الإعلامي. وثانيها أن معظم تلك المحاولات ركّز على أدوار وسائط «التواصل الاجتماعي» في مقابل خفوت الاهتمام بأدوار نظيراتها «التقليدية». وثالثها أن معظم الاستراتيجية الاتصالية للمرشحين المتنافسين؛ الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان، والمرشح المعارض كمال كليتشدار أوغلو، تركز في عالم تلك الوسائط على حساب النزعة القديمة التي كانت تمنح الوسائط «التقليدية» أدواراً حاسمة في الجهود الاتصالية المواكبة للعمليات السياسية المختلفة.
لطالما كانت الأدوار الإعلامية المختلفة المواكبة للعمليات الانتخابية ذات تأثير حاسم في مجريات الانتخابات ونتائجها، وهو أمر أثبته عديد الدراسات الموثوقة التي سعت إلى اختبار هذا التأثير وتعيين مداه. ومع ذلك، فإن تلك الانتخابات كرّست بشكل واضح خلاصة مفادها أن ميدان التنافس الإعلامي المصاحب للعمليات الانتخابية بات يقلِّص دور الوسائط «التقليدية» باطراد، في مقابل تعزيز أثر «السوشيال ميديا».
ولهذا، فقد اتسمت تلك الانتخابات بتركيز شديد من المرشحين المتنافسين على الوسائط الجديدة، وكرّس كلاهما جهداً وموارد ضخمة للنفاذ عبرها، ووفق أفضل التحليلات المتوفرة حتى اللحظة الحالية، فقد تعادل المرشحان، وأنصارهما، في توجيه هذا الاهتمام، كما تعادلا تماماً في استخدام التكنيكات الإيجابية والاحترافية، والمُضللة والمُسيئة.
ومن تركيا التي تحبس أنفاسها انتظاراً لحسم هذا الصراع الانتخابي، إلى السودان الذي تكاد تُقطع أنفاسه في اقتتال دام بين الجيش النظامي وقوات «الدعم السريع»، على مدى خمسة أسابيع متتالية، تندلع أيضاً معارك إعلامية بين الجانبين المتصارعين، وتنخرط وسائل الإعلام الإقليمية والدولية في محاولات دائبة لتغطية مجريات الصراع.
وبينما تواترت الأخبار المتناقضة عن سيطرة الجيش النظامي أو قوات «الدعم السريع» على مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي، وفروعه المنتشرة في الولايات، فإن كثيرين لم يقصدوا أبداً مواقع أو أثير أو شاشات هذه المؤسسة الإعلامية العمومية «التقليدية»، عند محاولتهم التعرف على تطورات النزاع.
ولذلك، فقد ظل نبأ سيطرة الجيش، أو قوات «الدعم السريع»، على مبنى الإذاعة والتلفزيون، مجرد نبأ يتعلق برمزية هذا المبنى، ودلالة السيطرة عليه في حسابات تعيين مناطق النفوذ؛ لكنه لم يغير شيئاً في طبيعة الرسائل المتعلقة بالحرب، أو يعزز السيادة الاتصالية لأحد طرفيها.
واستناداً إلى ذلك، فقد كثف طرفا النزاع السوداني- السوداني استخداماتهما لوسائط «السوشيال ميديا» لإيصال الرسائل، وهو الأمر الذي حدث عبر الحسابات الرسمية للطرفين على المنصات الرائجة، ومن خلال الفيديوهات التي أُنتجت خصيصاً لمقابلة أنماط استخدام تلك المنصات.
ويمكن القول إن عنوان الانتخابات التركية الاتصالي جاء مشابهاً تماماً لعنوان النزاع السوداني- السوداني. وهو العنوان الذي يؤكد أن «السوشيال ميديا» باتت مقصد المتنافسين الرئيس في ميادين الانتخابات والاقتتال، وأنها أضحت أيضاً ميدان الباحثين عن مجريات الصراع الاتصالي الأهم والأكثر قدرة على توفير الدلالات.
ولكي تكتمل الإفادة المتعلقة بهذا التحول الآخذ في التكرّس، فمن الإنصاف القول أيضاً إن الوسائط الجديدة كانت أكثر قابلية للاختراق والعبث من نظيراتها «التقليدية»، رغم أن ذلك لم يخصم أبداً من نفوذها واتساع تأثيرها.