- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
يحيى الكبيسي يكتب: العراق حق تقييد المعلومات وحجبها!
يحيى الكبيسي يكتب: العراق حق تقييد المعلومات وحجبها!
- 6 أكتوبر 2023, 11:38:52 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يناقش مجلس النواب العراقي حاليا مسودة قانون «حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي» فقد تمت قراءة القانون مرة أولى في 3 كانون الأول 2022، ثم قراءته ثانية في 9 أيار 2023، وهو ما يعني أنه في طور التشريع النهائي.
ولا بد من الإشارة أن مسودة هذا القانون تعود إلى العام 2010، وفي كل دورة برلمانية منذ العام 2010 يتم فيها مناقشة هذا المشروع، كان آخرها في تشرين الثاني عام 2020!
كما أنه منذ العام 2010، عندما تم تقديم القانون لأول مرة، لم تتبق جهة معنية بحقوق الإنسان لم تنتقد هذا القانون! فقد انتقدته اليونسكو، وبعثة الأمم المتحدة في العراق، ومنظمة هيومان رايتس ووج، ومنظمة العفو الدولية، والمرصد الأورو ـ متوسطي لحقوق الإنسان، فضلا عن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في العراق، والناشطين في هذا المجال، ومع كل هذا لم تعمد الحكومات المتتالية إلى سحب مشروع القانون واستبداله بمشروع قانون آخر، كما لم يرفضه مجلس النواب، إذ أن مجرد قراءته قراءة أولى في مجلس النواب من دون رفضه تعني قبوله من حيث المبدأ!
وعلى الرغم من أن عنوان مشروع القانون لم يتضمن أي إشارة إلى حق الحصول على المعلومات، إلا أن قراءة القانون تكشف عن وجود مادتين تتعلقان بذلك، لم تختلف صياغتهما من حيث السوء عن بقية المواد المتعلقة بحرية التعبير أو التجمع والتظاهر السلمي!
في العام 2011 تم تشريع «قانون حماية الصحافيين» وقراءة هذا القانون تكشف بوضوح عن هيمنة الفكر الشمولي على صياغة القوانين في العراق فيما يتعلق بحرية التعبير عن الرأي أو حق الحصول على المعلومات! على سبيل المثال لا الحصر فالمادة 6/ أولا من هذا القانون تفرغ هذا الحق من محتواه عندما تقرر أن « للصحافي حق الاطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية وعلى الجهة المعنية تمكينه من الاطلاع عليها والاستفادة منها ما لم يكن إفشاؤها يشكل ضررا بالنظام العام ويخالف أحكام القانون». من دون أي يحدد القانون ما هي الإجراءات التي يمكن للصحافي اللجوء إليها في حال رفض الجهات المعنية اطلاعه على تلك المعلومات، أو طبيعة المعلومات المحضورة بشكل واضح وصارم، ومن يملك حق عدها كذلك!
وعندما تم الطعن في هذا القانون لدى المحكمة الاتحادية، جاء قرارها رقم (46/34/اتحادية/2012) ليقرر أن «مبدأ الحصول على المعلومات والاحتفاظ بسريتها هي من المبادئ التي يقوم عليها النظام الديمقراطي؛ فالقانون المنوه عنه إذن لا يحمي الصحافيين فقط، وإنما يحمي المجتمع ككل وأن إيراده تعبير القانون يعني كل قانون صادر أو يصدر ويعنى بشؤون الصحافة والصحافيين». وبعيدا عن التناقض بين «حرية الحصول على المعلومات والاحتفاظ بسريتها»! وبعيدا عن عدم التزام المحكمة الاتحادية بالتعبيرات القانونية المستقرة وهي «حق الحصول على المعلومات أو «حرية المعلومات» وتحويلها إلى «مبدأ الحصول على المعلومات» وما يعكسه هذا الاستخدام، فإنها وجدت أن ما جاء في المادة 6 / أولا من القانون يحقق ما أسمته «مبدأ الحصول على المعلومات» وهو ما يعني عمليا أنها تفهم هذا الحق في السياق الشمولي نفسه الذي حكم صياغة القانون وتشريعه!
لكل فرد الحق في الحصول على المعلومات من السلطات العامة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالأمن القومي. ولا يجوز فرض أي قيود على هذا الحق لأسباب تتعلق بالأمن القومي ما لم تستطع الحكومة إثبات أن هذا التقييد منصوص عليه في القانون
كانت الجمعية العامة للأم المتحدة في القرار رقم 59 لسنة 1946 قد قررت « إن حرية المعلومات حق أساسي للإنسان وهي المحك لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة». كما قررت مبادئ جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية التعبير والوصول إلى المعلومات لعام 1996، في المبدأ رقم 11 بأنه «لكل فرد الحق في الحصول على المعلومات من السلطات العامة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالأمن القومي. ولا يجوز فرض أي قيود على هذا الحق لأسباب تتعلق بالأمن القومي ما لم تستطع الحكومة إثبات أن هذا التقييد منصوص عليه في القانون، وأنه ضروري في مجتمع ديمقراطي لحماية المصالح المشروعة للأمن القومي». كما يقرر المبدأ 13 الخاص بالمصلحة العامة في الكشف عن المعلومات بأنه «في جميع القوانين التي تتعلق بحق الحصول على المعلومات، يجب أن تكون المصلحة العامة في معرفة المعلومات موضع الاهتمام الرئيسي».
بل أن المبدأ 19 يعد «الوصول إلى المناطق المحظورة» جزء من حق الوصل إلى المعلومات، وأنه «لا يجور للحكومات أن تمنع الصحافيين أو ممثلي المنظمات الحكومية أو غير الحكومية المكلفة بمراقبة الالتزام بحقوق الإنسان من دخول المناطق التي توجد هناك أسباب معقولة للاعتقاد بحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني فيها، أو تم ارتكابها من قبل»!
أما القانون الفيدرالي الأمريكي لحرية المعلومات (FOIA) فينص على أن «لكل فرد الحق في طلب الوصول إلى سجلات الوكالة الفيدرالية، فيما عدا حدود السجلات المحمية من الكشف». ويحدد القانون تسعة استثناءات يجب تفسيرها بصورة «ضيقة» بموجب القانون، وتستند إلى إرشاد صادر من وزارة العدل. ومن المهم الانتباه إلى أن هذه الاستثناءات ليست إلزامية. إذ يمكن للوكالات الرسمية أن تطلق هذه السجلات في حال استنتجت أن المصلحة العامة في الإفصاح عن محتوياتها تتفوق على احتمال إلحاق أي ضرر.
إن مراجعة مسودة القانون المقترح تكشف أن واضعيها قد عمدوا إلى تسخيف حق الحصول على المعلومات بشكل كامل؛ فهو لا يتضمن أي إلزام للجهات الرسمية بنشر المعلومات طوعيا، او إلزامها بتقديمها عند طلبها! كما أن القانون يعطي لجهة محددة هي المفوضية العليا لحقوق الإنسان (وهي في النهاية مجرد ممثلية للأحزاب، وتابعة للسلطة التنفيذية بموجب قرار المحكمة الاتحادية) سلطة مطلقة في تقرير إذا ما كانت المعلومات المطلوبة يمكن الاطلاع عليها «إذا كان طلبه موافقا للقانون» أو تقرير حجب تلك المعلومات! وفي حالة المعلومات التي يمكن الاطلاع عليها، لا تملك المفوضية سوى «الطلب من الجهة المعنية» تقديمها، من دون الإشارة إلى الإجراءات اللازمة فيما إذا رفضت الجهة المعنية ذلك الطلب!
وبالتالي علينا أن نقرأ مفردة «موافقا للقانون» بأنها تعني «مزاج» الجهة الرسمية، ومزاج المفوضية العليا لحقوق الإنسان. فالقانون يعطيهما سلطة مطلقة في حجب المعلومات من دون أي تقييد!
يمكن القول، وبكل ثقة، أن المواد المتعلقة بحق الحصول على المعلومات الواردة في هذا القانون لا تشوه من حيث المبدأ جوهر هذا الحق، الذي هو المحك لجميع الحقوق والحريات، بل تقوضه تماما، وتحوله إلى حق تقييد المعلومات وحجبها!
كاتب عراقي