- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
يحيى الكبيسي يكتب: العراق كيف تنقلب على الدستور بهدوء!
يحيى الكبيسي يكتب: العراق كيف تنقلب على الدستور بهدوء!
- 4 أغسطس 2023, 12:19:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تضمن الدستور العراقي بضعة مواد في موضوع النفط والغاز يفترض أنها حاكمة!
فالمادة 110 التي تتعلق باختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، لم تتضمن أية إشارة إلى موضوع النفط والغاز، وهذا يعني أن المشرع كانت لديه إرادة صريحة بأن لا يكون هذا الموضوع اختصاصا حصريا للسلطات الاتحادية! فيما قررت المادة 112 أن تقوم «الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات» وأن تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا، برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز». وكما هو واضح فان مفردتي «مع» و «معا» في المادة 112 تعني أن الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز هي «شريك» أصيل مع الحكومة الاتحادية في إدارة السياسات الاستراتيجية للنفط والغاز ورسمها، فيما يتعلق بالحقول الحالية حصرا، وليس على مجمل ثروة النفط والغاز في العراق، وهذا يعني حكما أن موضوع استكشاف النفط والغاز، واستخراجهما من الحقول «غير الحالية» هو ضمن سلطة الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم!
والجميع يعرف أن النص الدستوري الذي اعتمد في العام 2005 في وجود الأمريكيين، كان محكوما بعلاقات القوة القائمة على الأرض، مع وجود نزعة لبعض الفاعلين الشيعة حينها، لتشكيل إقليم الوسط والجنوب، وبالتالي وجب قراءة المواد السابقة في سياق هذين المحددين!
قدمت الحكومة العراقية عام 2007 مسودة لقانون النفط والغاز، لكنها فشلت في تمريره في مجلس النواب، ورغم الإشكالات الحقيقية في مسودة القانون فيما يتعلق بمدى التزامه بأحكام الدستور، لكنه تضمن فقرات مهمة مثل الفقرة التي تقرر أنه «من أجل تيسير مهام مجلس الوزراء فيما يتعلق بإقرار السياسة البترولية والخطط المترتبة عليها والتي يتم تحضيرها من قبل الوزارة بالتنسيق والتشاور مع الأقاليم والمحافظات المنتجة». والفقرة التي تقرر أن المجلس الاتحادي للنفط والغاز يضم ممثلا عن كل إقليم بدرجة وزير، ويضم ممثلا عن كل محافظة منتجة غير منتظمة في إقليم.
وفقرة أخرى تقرر أن وزارة النفط عليها «بعد التشاور مع الهيئات الإقليمية والمحافظات المنتجة للنفط أن تعد السياسات والخطط الاتحادية الموجهة للاستكشاف».
استعادة المركزية من أجل احتكار القرار السياسي، ليس لصالح بغداد فقط، بل لمصلحة الفاعل السياسي حصرا، سواء عبر قرارات المحكمة الاتحادية المسيسة التي تنتهك بشكل صارخ أحكام الدستور نفسه، أو عبر قوانين ترسم هذا الواقع الجديد
كما تضمن مشروع القانون اختصاصات للهيئات الإقليمية ( والتي يعرفها القانون نفسه بانها الوزارة المختصة في حكومة الإقليم) من بينها: «اقتراح النشاطات والخطط.. لكي يتم تضمين تلك الخطط والنشاطات في الخطط الاتحادية للعمليات النفطية» و «القيام بإجراءات التراخيص المتعلقة بالنشاطات في الإقليم في مجال التنقيب وتطوير الحقول المكتشفة غير المطورة… باعتماد النماذج التعاقدية المعدة من قبل المجلس الاتحادي للنفط والغاز» و «التعاون مع الوزارة للقيام بمهام المراقبة والإشراف للعمليات النفطية من أجل ضمان انسجامها مع القوانين والأنظمة والتوجهات والشروط الخاصة لعقود التنقيب والإنتاج المعنية، لضمان التطبيق الموحد والمتناغم في جميع مناطق العراق». ولكن الفقرة الأهم في مشروع القانون هي التي قررت أن شركة النفط الوطنية يقتصر عملها على «إدارة وتشغيل حقول الإنتاج الحالية المذكورة في الملحق رقم (1)» و «تطوير وإدارة وتشغيل الحقول المكتشفة وغير المطورة المناطة بها والمذكورة في الملحق رقم (2)» وهذا يعني أن عملها لا يتضمن أي حقول «غير حالية» أو أية حقول «مكتشفة وغير مطورة» يتم اكتشافها لاحقا!
وقبل أيام قدمت الحكومة الحالية مشروعا جديدا قامت فيه ليس بنسف المواد الدستورية الحاكمة لموضوع النفط والغاز، ولكن بنسف الفلسفة التي قام عليها مشروع قانون العام 2007 نفسه على الرغم من الإشكاليات الحقيقية فيه، فمشروع القانون الحالي يعيد قطاع النفط والغاز إلى المركزية الشديدة للحكومة الاتحادية بالكامل!
ففي هذا القانون لم يعد هناك أي دور للأقاليم والمحافظات المنتجة كما قرر الدستور، بل أصبحت «الحكومة الاتحادية» حصرا هي من يقوم «بإدارة وتطوير المصادر البترولية»! وإذا كان القانون في مادته الثالثة يشير إلى سعيه لوضع أسس للتعاون والتنسيق بين السلطات الاتحادية والأقاليم والمحافظات المنتجة (في هذا المشروع المحافظة تعد منتجة إذا كان انتاجها يزيد عن 250 ألف برميل يوميا وليس 150 ألف برميل يوميا كما مشروع القانون السابق) إلا أن هذا التعاون والتنسيق يبقى مجرد عبارات إنشائية لا قيمة لهما عمليا!
في هذا المشروع أيضا تبقى أغلبية الثلثين أو الأغلبية البسيطة المطلوبة لقرارات «المجلس الاتحادي للنفط والغاز» متحققة وتحت يد الحكومة الاتحادية بسبب طبيعة تشكيل هذا المجلس! فالمجلس سيضم وزيري المالية والثورات الطبيعية في إقليم كردستان، ومحافظي ثلاث محافظات منتجة فقط من بينها البصرة، وعلى فرض مستبعد تماما بأن المحافظين الآخرين سيكونان غير «تابعين» و «مطيعين» للحكومة الاتحادية، فهذا يعني أن تشكيلة المجلس التي تضم 13 شخصا (بضمنهم رئيس مجلس الوزراء نفسه، وثلاثة وزراء من الحكومة الاتحادية، ورئيس شركة النفط والغاز وثلاثة خبراء سيعينهم رئيس مجلس الوزراء نفسه، وهذا يعني أن رئيس مجلس الوزراء يمتلك القرار عمليا داخل هذا المجلس التي سيحتكر عمليا إدارة ملف النفط والغاز في العراق، بما فيها «حل النزاعات والخلافات التي تنشأ بين الحكومة الاتحادية والأقاليم أو المحافظات المنتجة… بالتوفيق وبما يخدم المصلحة الوطنية!
كما أن وزارة النفط الاتحادية ستتولى «إدارة الحقول المنتجة للنفط والغاز في عموم جمهورية العراق بالتنسيق مع الأقاليم والمحافظات المنتجة». ومرة أخرى تتردد مفردات «التنسيق» و «رسم السياسات» كعبارات إنشائية تتناقض بالكامل مع احتكار وزارة النفط الاتحادية لإدارة النفط والغاز التي تفضحها مواد مشروع القانون بشكل صارخ! بل أن مشروع القانون يكرر الفقرة السابقة مرة أخرى بطريقة تضمن هذا الاحتكار، إذا تنص المادة 9/ ثالثا على أن تتولى شركة النفط الوطنية «إدارة وتطوير وتشغيل الحقول المنتجة للنفط والغاز في عموم جمهورية العراق بالتنسيق مع الأقاليم والمحافظات المنتجة» وليس الحقول الحالية حصرا كما يقرر الدستور! أو الحقول المكتشفة وغير المطورة كما جاء في مشروع قانون العام 2007!
إن النظام اللامركزي في العراق، والذي تبناه دستور العام 2005، لم يكن نتاج رؤية حقيقة لدى الغالبية العظمى من الفاعلين السياسيين في العراق، بل كان الأمر خاضعا للسياق السياسي، ولعلاقات القوى، وللخطط السياسية للفاعل السياسي الشيعي فيما يتعلق بإقليم الوسط والجنوب. لكن أوهام الفاعل السياسي الشيعي بأن علاقات القوى قد حسمت لصالحه، جعلته يقرر منفردا أن المعادلة التي حكمت تلك اللحظة لم تعد صالحة للاستمرار، وانه لا بد من فرض معادلة جديدة، بشروط جديدة!
وما نراه من محاولات لاستعادة المركزية من أجل احتكار القرار السياسي، ليس لصالح بغداد فقط، بل لمصلحة الفاعل السياسي الشيعي حصرا، سواء عبر قرارات المحكمة الاتحادية المسيسة التي تنتهك بشكل صارخ أحكام الدستور نفسه، أو عبر قوانين ترسم هذا الواقع الجديد المفترض، كما مشروع قانون النفط والغاز الجديد، ما هي سوى جزء من شروط هذه المعادلة الجديدة!
كاتب عراقي