- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
يحيى الكبيسي يكتب: هل حانت لحظة الإطاحة بالحلبوسي؟
يحيى الكبيسي يكتب: هل حانت لحظة الإطاحة بالحلبوسي؟
- 29 يونيو 2023, 5:36:02 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أصدر رئيس مجلس الوزراء العراقي قرارا بإعفاء رئيس صندوق إعادة الإعمار، وهو من أتباع رئيس مجلس النواب، وتعيين بديل له يتبع فاعلا سياسيا سنيا آخر. وذلك في اليوم نفسه الذي تم فيه نشر قانون الموازنة العامة الاتحادية للأعوام 2023 ـ 2025 في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ. ولا يمكن، حقيقةً، قراءة هذه الخطوة بعيدا عن الصراع المعلن بين رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، بل لا يمكن فهمها إلا على أن هذا الصراع قد دخل مرحلة كسر العظم بينهما!
فهذا الصندوق كان أداة الحلبوسي الرئيسية ليس للاستثمار في المال العام وحسب، بل في رشوة الجمهور انتخابيا لمصلحة مرشحيه في انتخابات مجلس النواب التي جرت عام 2021، والذي لولاه لما استطاع أن يحصل على هذا العدد الكبير من المقاعد (حصل حزبه على 37 مقعدا). وهذا يعني أن خطوة إزاحة رئيس صندوق الإعمار من موقعه قبيل انتخابات مجالس المحافظات التي ستجري في كانون الأول/ ديسمبر القادم، ستضعف الحلبوسي كثيرا، وتفقده الأداة التي كان يخطط لاستخدامها لتكريس سلطته المطلقة في الأنبار، وربما تكرار التجربة في محافظات أخرى!
لقد سوغ المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، إعفاء رئيس صندوق الإعمار بأنه جاء في سياق «تدقيق شبهات الفساد وسوء الإدارة في استثمار التخصيصات المالية» وأن ثمة لجنة تحقيق، لم يسمع بها أحد من قبل، هي التي أوصت بذلك، وهو كلام لا معنى له في سياق الصراع السياسي القائم!
يعلم الجميع أن رئيس صندوق الإعمار متهم بعشرات قضايا الفساد حين كان يشغل موقع وكيل وزارة الصناعة بين عامي 2010 و 2018، وأنه، أيضا، متهم بقضايا فساد أخرى حين شغل منصب وزير التجارة بين عامي 2018 و 2020، وأنه كان مكلفا في عديد من القضايا (أي منح الحرية خارج التوقيف أثناء التحقيق معه). ومع كل ذلك، عُيّن رئيسا لصندوق الإعمار في تموز/ يوليو 2020، في سياق صفقة تخلى فيها الحلبوسي عن وزارة الرياضة والشباب ضمن الحصة السنية من الوزارات في وزارة مصطفى الكاظمي، في مقابل هذا التعيين. لذلك كلّه، أجزم أن السيد محمد شياع السوداني ما كان ليعفي رئيس صندوق الإعمار، لولا هذا الصراع مع الحلبوسي!
بعد إرسال مشروع قانون الموازنة العامة إلى مجلس النواب في منتصف شهر أذار/ مارس الماضي، بات واضحا أن الصراع بين رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب لم يعد بالإمكان اخفاؤه؛ حين أراد السوداني تمرير موازنة ثلاث سنوات وليس موازنة سنة واحدة، وهو ما رفضه الحلبوسي لأنه يدرك أن ذلك سيحدُّ من الضغط على الحكومة ومساومتها، فضلا عن خلافات بينهما حول فقرات الموازنة نفسها.
التلويح بإقالة رئيس مجلس النواب، دائما ما كانت أداة ناجحة في الضغط والابتزاز، والأهم من ذلك، أداة لإنهاء أي دور سياسي حقيقي لهذا المنصب خارج «اشتراطات» الفاعل السياسي الشيعي الأقوى
فالموازنة العامة في العراق، كما نقول دائما، ليست وثيقة اقتصادية وحسب، بل هي وثيقة سياسية يتم تصميمها وفقا لعلاقات القوة وقواعد الاستثمار في المال العام، لأنّ سلطات الدولة ومؤسساتها تحولت إلى إقطاعيات للفاعلين السياسيين، بداية من لحظة إعدادها في وزارتي المالية والتخطيط، وانتهاء بلحظة إقرارها في مجلس النواب!
تزامن ذلك مع توتر كبير في العلاقة بين الرجلين بسبب الأزمة التي عرفت بـ «أراضي الوفاء» في محافظة الأنبار، وهي عمليات استيلاء على أراض تابعة للدولة وبيعها للمواطنين في محافظة يعرف الجميع أنها باتت حرفيا «إقطاعية» للحلبوسي، وبالتالي لا يمكن أن تكون هكذا خطوة بعيدة عن الدوائر المحيطة به! فقد أصر السوداني على الاستمرار في التحقيقات حول هذا الفساد، وبالفعل، قامت هيئة النزاهة بتوقيف عدد من المتهمين، والتحقيق مع آخرين بمن فيهم محافظ الأنبار نفسه (جرت «العملية الكبرى والاستثنائية» كما وصفتها هيئة النزاهة يوم 4 نيسان/ أبريل، أي في اليوم التالي للإجازة التي منحها رئيس مجلس النواب لنفسه كما سنرى، وأعلنت الهيئة نفسها في بيان صادر عنها يوم 9 نيسان/ أبريل أن ما تحدث به بعض الإعلاميين، وما نشرته بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول هذه العملية وربطها «بخلافات سياسية وسجالات سياسية مزعومة، هو حديث عار عن الصحة» وهو ما أكد هذه الأخبار بدلا من نفيها بسبب التسييس الصريح الذي يحكم عمل الهيئة)!
لا يمكن عزل هذا الصراع عن حقيقة أخرى لها أثرها في هذا السياق، وهو موقف بعض قوى الإطار التنسيقي من محمد الحلبوسي. فالأخير وصل إلى موقع رئيس مجلس النواب في العام 2018 بفضل دعم القوى الشيعية الأكثر يمينية، والأقرب إلى إيران. وهذه القوى نفسها لن تنسى له اصطفافه مع مقتدى الصدر ضدها بعد انتخابات عام 2021، الذي أراد عزل هذه القوى تماما عن السلطة عبر تشكيله التحالف الثلاثي (التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني) عبر ما سمّاه «حكومة الأغلبية» ولذلك فإن هذه القوى كانت تنتظر الفرصة لمعاقبته!
التلويح بإقالة رئيس مجلس النواب، دائما ما كانت أداة ناجحة في الضغط والابتزاز، والأهم من ذلك، أداة لإنهاء أي دور سياسي حقيقي لهذا المنصب خارج «اشتراطات» الفاعل السياسي الشيعي الأقوى! ودرس الدكتور سليم الجبوري الذي أُقيل عام 2016 من منصبه، ثم أُعيد اليه بقرار من المحكمة الاتحادية، ليس ببعيد.
وقد تكرس هذا الوضع حين احتكر الفاعل السياسي الشيعي قرار تسمية رئيس مجلس النواب «السني» لذلك لم يصل إلى هذا المنصب سوى من كان طامعا في استخدام أدوات السلطة لبسط نفوذه، وتكريس البنى الزبائنية التي تتيح إعادة انتاجه، والاستثمار في المال العام، ومن تخلى عن أي رؤية للتمثيل الحقيقي لمصالح جمهوره التي تتقاطع، بالضرورة، مع وجهة نظر المحتكر الأساسي للقرار السياسي في العراق، وفي مقابل تحقيق مصالحه الشخصية، يقبل المرشح لرئاسة المجلس، تجاهل مطالب جمهوره حفاظا على المنصب، ولضمان البقاء فيه أيضا، لاسيما أن إقالته أمر سهل ولا يستلزم سوى تقديم طلب مسبب من 110، والتصويت بالأغلبية المطلقة عليها، وهذه السلاسة هي التي تجعل موقف من يحتل هذا المنصب هشا مستقطبا للطامعين!
لكن رغم ذلك كله، ليس ثمة قرار نهائي حتى اللحظة بإقالة الحلبوسي من منصبه، ليس بسبب عدم وجود قرار نهائي حتى اللحظة داخل الإطار التنسيقي، أو بسبب صعوبة الوصول إلى أغلبية سنية داخل مجلس النواب للعمل على ذلك (أي ما يزيد عن 40 نائبا سنيا) أو بسبب تردد الحزب الديمقراطي الكردستاني في دعم هكذا خطوة (على الرغم من الخيانات الصريحة التي قام بها الحلبوسي ضدهم) بل بسبب الموقف الإيراني غير المحسوم من هذه الإقالة، خاصة وأن التقارب الإيراني والسعودي الأخير قد يجعل موافقته على هكذا خطوة في حاجة إلى تأن ودراسة عميقة! لكن بالتأكيد ثمة قرار بإضعاف الرجل، وتحويله إلى مجرد رقم في المعادلة السنية، بدلا من قرار «صناعته» ليكون زعيما عليها، بعد 2018!