يديعوت أحرونوت: على جانبَي الحدود.. علينا أن ندرك أن عهد الاحتواء انتهى

profile
  • clock 24 سبتمبر 2024, 11:45:43 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مقال رون بن يشاي - يديعوت أحرونوت

في بداية المعركة، وربما الحرب، علينا أن نعترف بأن حزب الله يهدد إسرائيل عبر جبهتين؛ الأولى هي تهديده للجبهة الداخلية بأسرها، بما يشمل البنى التحتية العسكرية والمدنية في إسرائيل، بواسطة الصواريخ البعيدة المدى والثقيلة الرؤوس والدقيقة الإصابة الموجودة في مخازن الحزب. أمّا الثانية، فهي جبهة الحدود التي يشكل حزب الله علينا تهديداً فيها بواسطة قوة الرضوان، والصواريخ، والمسيّرات، والصواريخ المضادة للدروع، بما يشكل تهديداً على القرى الحدودية وسكانها. وبينما التهديد في الجبهة الداخلية لم يتحقق بعد، فإن الحزب نجح، في جبهة الحدود عملياً، في إنشاء قطاع أمني محروق داخل الأراضي الإسرائيلية، إذ يعيش سكان هذا القطاع الـ60,000 خارج منازلهم منذ قرابة العام، وهذه المنازل تُهدّم وتحترق يومياً.

وفي قرار الكابينت قبل نحو أسبوعين، حددت حكومة إسرائيل أن هدف الحرب ليس إزالة التهديدين اللذين يشكلهما حزب الله على إسرائيل، إنما إزالة أحدهما فقط، وهو التهديد على سكان الشمال ومستوطنيه، حتى خط حيفا بصورة أساسية، ولم يأت هذا من قبيل الصدفة؛ فلكي يتمكن الجيش الإسرائيلي من مواجهة التهديد الشامل على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وإزالته، فستحتاج دولة إسرائيل إلى خوض حرب شاملة ستكون طويلة، وسندفع فيها ثمناً باهظاً من حيث الخسائر والأضرار الاقتصادية في كل من الجبهة الداخلية والجبهة المتقدمة. ومن الممكن جداً أن تجر إيران وحلفاؤها الآخرين إلى المشاركة المباشرة في الحرب.

لقد أوضحت إدارة بايدن - هاريس لإسرائيل في الأيام الأخيرة عدة مرات في اليوم أنها لا تريد حرباً شاملة تبدأها إسرائيل، لأن هذه الحرب ستشعل صراعاً إقليمياً ستضطر الولايات المتحدة إلى التورط فيه، وسترفع أسعار النفط في السوق العالمية، ويمكن أن تؤدي إلى خسارة كمالا هاريس في الانتخابات. كذلك، لا يريد حزب الله ورعاته الإيرانيون حرباً شاملة، فنصر الله يعرف أن لبنان وبنيته التحتية سيتعرضان لدمار هائل، وسيحمله سكان لبنان، بمن فيهم الطائفة الشيعية، مسؤولية الكارثة التي ستصيبهم.

وبالإضافة إلى ذلك، ترى إيران في الصواريخ الثقيلة التي تستهدف مطارات سلاح الجو ومجمع الكرياه في تل أبيب أداة ردع تهدف إلى منع إسرائيل من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. ولذلك، فإن إيران مهتمة جداً بألاّ تؤثر الحرب الحالية، بسبب "حماس" في غزة، في المصالح الحيوية للأمن القومي الفارسي. وبما أن كلا الطرفين، وكذلك القوى الداعمة لهما، لا يرغبان في حرب شاملة، فمن المرجح أنها لن تحدث، وفعلاً، يبدو أن هذا الاعتبار مركزي في كل من بيروت والقدس، بناء على سلوك الأطراف حتى الآن.

ومن ناحية أُخرى، فقد قررت إسرائيل الشروع في حملة عسكرية دبلوماسية مشتركة بالتعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق الهدف المعلن للحرب، والمتمثل في إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. وبصورة عامة، تتمثل الفكرة الاستراتيجية في مواصلة الضغط العسكري المتزايد على حزب الله، وفي الوقت نفسه، بذل جهد دبلوماسي، ويُفضل أن يكون سرياً، بهدف التوصل إلى صيغة تمكن إسرائيل من ضمان أمن سكان الشمال، وفي المقابل، إبعاد نصر الله قواته وأسلحته الثقيلة عن حدود إسرائيل من دون أن يظهر كمن استسلم وفقد مكانته تماماً في العالم العربي.

وعلى الرغم من أن هذه مهمة ليست سهلة، فإنها ممكنة، وخصوصاً إذا استمر الجيش الإسرائيلي في التزام ثلاثة مبادئ، هي: المبادرة، والاستمرارية، والتحكم بلجام التصعيد، وإذا أدار الأميركيون بالتوازي مع ذلك – ربما حتى عبر وسطاء عرب مجهولين – المفاوضات الدبلوماسية للوصول إلى تسوية مقبولة لدى الطرفين. وفيما يتعلق بالضغط العسكري، فإن التجربة تشير إلى أن حزب الله مستعد للحوار فقط عندما تكون هناك تهديدات حقيقية لسلامة لبنان الإقليمية، وكذلك أمن ورفاه الطائفة الشيعية التي تمثل الأغلبية في لبنان.

ولقد اتُخذت المبادرة إلى هذا التحرك فعلاً، ومنذ يوم الثلاثاء الماضي، نشهد تصعيداً في العمليات العدائية، والآن، يجب التزام مبدأين آخرَين؛ الاستمرارية، وعدم إعطاء العدو فرصة للتنفس، ومفاجأته بكل وسيلة ممكنة. وهذا سيتيح أيضاً تحقيق مبدأ ثالث، وهو السيطرة على التصعيد؛ إذ تُظهر التجربة العسكرية من الحروب السابقة أن الطرف الذي يمكنه الاستمرار في التصعيد بعد أن يدخل الطرف الآخر في وضع دفاعي سلبي عادة ما ينتصر في المعركة أو الحرب. وقد قدم الجيش الإسرائيلي إلى المستوى السياسي سلسلة من الخطط التي أعدها سلاح الجو وقسم العمليات في الجيش منذ عدة سنوات، وهي تتيح للمستوى السياسي الموافقة على مرحلة أُخرى من التصعيد المستمر والمبادر، وإذا استمر هذا من دون إهمال القتال في قطاع غزة، أو تخفيف الضغط على عناصر "الإرهاب" في الضفة الغربية، فهناك إمكان لأن يكون نصر الله ورعاته الإيرانيون خلال عدة أسابيع – نعم، ليس أقل من عدة أسابيع –  أكثر استعداداً للاستماع إلى العروض التي سيقدمها إليهم الوسطاء سراً للمحافظة على كرامتهم، وهي مهمة جداً في العالم الإسلامي.

وفي حال لم تكن الضربات الجوية والمدفعية كافية لإقناع نصر الله بدخول مفاوضات جدية بشأن التسوية، فإن لدى إسرائيل خيار تصعيد آخر عن طريق مناورة برية. ومن الممكن أن يقوم الجيش الإسرائيلي بمناورة داخل لبنان بطريقة مشابهة جداً للمناورة التي نفذها في غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023. وخلال فترة قصيرة، سيتمركز الجيش الإسرائيلي على خط معين، ثم ستوضح إسرائيل والولايات المتحدة لنصر الله أن الانسحاب من هذا الخط لن يكون إلاّ عبر تسوية، وسيكون من الأسهل على نصر الله قبول الأمر المر، لأنه بحلول ذلك الوقت سيكون الجيش الإسرائيلي في وضع يقوم فيه بتفكيك البنى التحتية والقدرات العسكرية لحزب الله في جنوب لبنان.

إذا تحقق هذا السيناريو، فسيكون من الممكن إعادة سكان الشمال المهجَرين إلى منازلهم، وبدء إعادة إعمار الدمار. وإذا لم يوافق نصر الله، فسيكون الطريق مفتوحاً أمام إسرائيل لتصعيد الوضع إلى حرب شاملة. هناك إمكان جيد لأن تنجح هذه الخطة المتدرجة في تحقيق أهدافها، لكن بعد التوصل إلى تسوية عبر مفاوضات دبلوماسية، وسيكون الاختبار الحقيقي لحكومة إسرائيل: تطبيق هذه التسوية إذا لم يحترمها حزب الله، والحزم في التعامل مع أي انتهاك. على الحكومة في القدس أن تفهم أن عهد الاحتواء قد انتهى، حتى لو تم التوصل إلى تسوية مرضية.

التعليقات (0)